الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. سلامة عمر يكتب: الأمانة العلمية فضيلة إنسانية لحفظ حقوق الباحثين

صدى البلد

 الأمانة فريضة شرعية حملها الإنسان، قال تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعمّا يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا) ومن رتب الأمانة (الأمانة العلمية) وهذا متصل بعامة العلوم لأن ثمة اتصالًا بين الأمانة والحقوق الآدمية التي حفظتها الشريعة، فقد قال الله تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولاً) والأمانة العلمية تقتضي نسبةَ كلِّ قولٍ إلى قائله، أيًا كان القائل، وإنّ تعمد الإخلال بذلك دليل على الإفلاس، وحبُّ الشهرة والظهور على حساب الآخرين، وقد ورد في الحديث الشريف الذي روته السيدة عائشة (رضي الله عنها) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "المتشبع بما لم يُعط ، كلابس ثوبي زور) وفي الحديث عن الأمانة العلمية، فإن ذلك يجرنا إلى أمر أعظم من مجرد سرقة الأفكار أو الكتب، وهو التظاهر بالمعرفة العلمية، وقد ذكر المقريزي في مقدمة كتابه (المواعظ والاعتبار) يذكر أنه سلك في كتابه هذا ثلاثة أنحاء، وهي: النقل من الكتب المصنفة في العلوم، والرواية عمن أدركت من شيخه العلم وجِلَّة الناس، والمشاهدة لما عاينته ورأيته.
 

 والأمانة العلمية خُلق يتسم به العالم الحقيقي، وتقتضيه الضوابط العلمية الأخلاقية، وهي تتجلى في تلقي العلم وأخذه عن أهله، وبالتالي تظهر الأمانة في أداء هذا الطالب ونقله للعلم، وهذا الترابط وجدنا تطبيقاته عند العلماء الأصفياء، وعبروا عنه بصورة عملية، فمثلا ترى العالم المسلم يشهد على أبيه؛ التزامًا بنهج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقد ذكر ابن حبان أن علي بن المديني سُئِل عن أبيه فقال: أسألوا غيري. فقالوا: سألناك. فأطرق، ثم رفع رأسه وقال: هذا هو الدين، أبي ضعيف! فقد دفعته الأمانة العلمية إلى أن يعترف بالحق، فيُضعِّف أباه؛ حتى لا يُؤخذ عنه ما قد يُسيء إلى العلم، أو إلى الدين بصفة عامة.ووجدنا أن الأمانة العلمية تظهر في التلقي من خلال الأخذ عن أهل العلم، والمنهجية في التحصيل، والأمانة في الفهم، والرجوع إلى المصادر الأصلية، والصدق في النقل، ومراعاة حسن الصياغة، ومن ضياع الأمانة امتناع الباحث عن توجيه الشــكر لمن قدم المسـاعدة له أو من قام بتوجيهه.
 

 والأمانة فضيلة إنسانية تقتضي أن يحافظ المرء على حقوق الناس بوازع من ضميره ودينه لا بتأثير الخوف من العقاب الدنيوي الذي قد ينص عليه القانون، والأمانة في البحث العلمي تحمل نفس المعنى، بيد أنها تترجم للحفاظ على حقوق الباحثين السابقين حيث يُلزم الباحث بالإشارة إلى المصادر الذي استعان بها ببحثه، ولقد شهدت الأبحاث العلمية في جميع فروع المعرفة تراجعًا واضحًا في السنوات الأخيرة، نظرًا لانتشار ظاهرة الانتحال والسرقات العلمية، فأهم مقومات البحث العلمي الأمانة العلمية التي تقتضي إسناد الأفكار لأصحابها وعدم نقل أو اقتباس أي فكرة دون الإحالة في الهامش لمصدرها الأساسي، فيجب أن تتضافر الجهود والبحث عن السياسات والأساليب الفعالة للحد من هذه الظاهرة.