الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل يجوز قضاء السنن الرواتب ؟ اعرف رأي الفقهاء

قضاء السنن الرواتب
قضاء السنن الرواتب

قضاء السنن الرواتب .. يشرَع قضاء السُّنن الرَّواتبِ في غيرِ وقتِ النَّهيِ وهذا مذهبُ الشافعيَّة، والحنابلة، لما روي عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «مَن نسِيَ صلاةً، أو نامَ عنها، فكفَّارتُها أن يُصلِّيها إذا ذكَرَها».
 

قضاء السنن الرَّواتب في أوقات النَّهي
اختلف القائلونَ بمشروعيَّة قضاءِ السُّننِ الرَّاتبة في قضائِها في أوقاتِ النهيِ على أقوالٍ، المشهورُ منها قولان:
القولُ الأوَّل: أنَّ السُّننَ الرواتبَ تُقضى في الأوقاتِ المنهيِّ عنها، وهو مذهبُ الشافعيَّة ، وروايةٌ عن أحمدَ.


والأدلة عى ذلك أوَّلًا: من السُّنَّة 1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «مَن نسِي صلاةً فليصلِّها إذا ذكَرَها، لا كفَّارة لها إلَّا ذلك».


وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ هذا أمرٌ بقضاء الفائتة إذا ذُكِرت، وهو عامٌّ يَشمَلُ وقتَ النَّهي، وغيره .
 

2- عن أمِّ سلمةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها لَمَّا رأتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي بعدَ العصرِ أرسلتْ إليه الجاريةَ، وقالتْ: قُومي بجنبِه قولي له: تقولُ لكَ أمُّ سَلمةَ: يا رسولَ الله، سمعتُك تَنهى عن هاتينِ، وأراكَ تُصلِّيهما! فإنْ أشارَ بيدِه فاستأخري عنْه، ففعلتِ الجاريةُ، فأشار بيدِه فاستأخرَتْ عنه، فلمَّا انصرَفَ، قال: «يا بِنتَ أبي أُميَّة، سألتِ عن الركعتينِ بعدَ العصرِ، وإنَّه أتاني ناسٌ من عبد القَيسِ فشَغَلوني عن الركعتينِ اللَّتين بعدَ الظهر، فهي هاتانِ».

وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ فيه قضاءَ النَّافلةِ في وقْت النَّهي، مع إمكانِ قَضائِها في غيرِ ذلك الوقتِ .
 

3- عن أبي سَلمةَ بنِ عبد الرحمن بنِ عوفٍ: أنَّه سأل عائشةَ عن السجدتينِ اللَّتينِ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّيهما بعدَ العصر؟ فقالت: «كان يُصلِّيهما قبل العصر، ثم إنَّه شُغِلَ عنهما أو نسيهما، فصلَّاهما بعدَ العصرِ».


4- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا تَتحَرَّوا طلوعَ الشَّمسِ ولا غُروبَها فتُصلُّوا عندَ ذلك».


وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النهيَ عن الصلاةِ في هذه الأوقاتِ إنما هو لِمَن يَتحرَّى الصلاةَ فيها، ومَن قضى الرواتبَ فإنَّه لم يتحرَّ الصلاةَ فيها، وإنَّما صلَّى لسببِ تدارُكِ ما فاته من السُّنن.


ثانيًا: أنَّ النهي كان لسدِّ ذَريعةِ الشِّركِ، وذوات الأسبابِ فيها مصلحةٌ راجحةٌ، والفاعل يفعلُها لأجْلِ السببِ، لا يَفعلها مطلقًا؛ فتمتنعُ فيه المشابهةُ .
ثالثًا: ولأنَّها صلاةٌ لها وقتٌ راتبٌ؛ فوجب أنْ لا تسقُطَ بفواتِ وقتِها كالفرائضِ .


القول الثاني: أنَّ السُّنَنَ الرَّواتبَ لا تُقضَى في الأوقاتِ المنهيِّ عنها، وهو مذهبُ الحنابلةِ .
 

الأدلَّة على ذلك أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: «شهِدَ عندي رجالٌ مَرضيُّون، وأرضاهم عندي عُمرُ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن الصَّلاةِ بعدَ الصبحِ حتَّى تشرقَ الشَّمسُ، وبعدَ العصْر حتى تَغرُبَ».


وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الحديثَ دلَّ بعمومِه على النَّهي عن الصلاةِ في هذِه الأوقاتِ.


2- عن أبي قَتادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: «فكان أوَّلَ مَن استيقظَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والشمسُ في ظَهرِه، قال: فقُمنا فزِعينَ، ثم قال: ارْكَبوا، فركِبْنا فسِرْنا حتى إذا ارتفعتِ الشمسُ نزَل، ثم دعا بمِيضأةٍ»  كانت معي فيها شيءٌ من ماء، قال: فتوضَّأ منها وضوءًا دون وضوءٍ، قال: وبقِي فيها شيءٌ من ماءٍ، ثم قال لأبي قَتادَةَ: احفظْ علينا مِيضأتَك، فسيكون لها نبأٌ، ثم أذَّن بلالٌ بالصَّلاة، فصلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ركعتينِ، ثم صلَّى الغداةَ، فصَنَع كما كان يَصنَعُ كلَّ يومٍ...  »

 

وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخَّرَ القضاءَ عن وقتِ النَّهيِ.
ثانيًا: أنَّ النَّهيَ عن الصَّلاةِ في هذه الأوقاتِ للتحريم، والأمرَ لقضاءِ ما فاتَ من السُّنَنِ للنَّدبِ، وترْكُ المحرَّمِ أَوْلى مِن فِعلِ المندوبِ .
ثالثًا: ولأنَّها صلاةُ نافلةٍ؛ فوجَبَ أن تَسقُطَ بفواتِ وقتِها، كالكسوف والخسوف.

 

قضاء السنن

قالت دار الإفتاء، إن من السُّنَّةِ المحافظة على أداء السنن الرواتب في أوقاتها المحددة كما وردت؛ مشيرة إلى أن السٌنة الراتبة القَبلية للصلاة توقظ القلب وتهيئه للخشوع في الفريضة، والسنة الراتبة البعدية للصلاة تَجْبُر ما وقع فيها من النقص والخلل.


وأكدت الإفتاء في إجابتها عن سؤال: «ما حكم قضاء السنن الرواتب؟ » أنه إذا خرج وقتها جاز للمسلم أن يقضيها بعد ذلك كما هو الراجح من أقوال الفقهاء، وهو ما عليه الفتوى.

 

فضل المحافظة على السنن

أخبرنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الإكثار من النوافل سبب لمحبة الله تعالى؛ روى الإمام البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ قَالَ: ... وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ».


كما رغَّب سيدنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم في المحافظة على اثنتي عشرة ركعة التي هي السنن الراتبة التابعة للصلوات المفروضة، وهي: أربع ركعات قبل صلاة الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد صلاة المغرب، وركعتان بعد صلاة العشاء، وركعتان قبل صلاة الفجر، وبيَّن أن في المحافظة عليها أجرًا عظيمًا؛ فقد روى الإمام الترمذي في "سننه".

وعن أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمغرب، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء، وَرَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْفَجْرِ»، وفي رواية الإمام مسلم أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي للهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ -أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ-».

 

وخصَّ سيدنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بعضَ هذه الرواتب بالتأكيد والترغيب، كنافلة الفجر؛ روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»، وفي شرحه لهذا الحديث قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" (2/ 388، ط. دار الكتب العلمية): [قَوْلُهُ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» أَيْ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا، قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: إِنْ حَمَلَ الدُّنْيَا عَلَى أَعْرَاضِهَا وَزَهْرَتِهَا فَالْخَيْرُ إِمَّا مُجْرًى عَلَى زَعْمِ مَنْ يَرَى فِيهَا خَيْرًا أَوْ يَكُونُ مِنْ باب: ﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا﴾ [مريم: 73]، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَكُونُ هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ أَكْثَرَ ثَوَابًا مِنْهَا، وَقَالَ الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله الْبَالِغَةِ: إِنَّمَا كَانَتَا خَيْرًا مِنْهَا؛ لِأَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ وَنَعِيمُهَا لَا يَخْلُو عَنْ كَدَرِ النَّصَبِ وَالتَّعَبِ، وَثَوَابُهُمَا بَاقٍ غَيْرُ كَدِرٍ].


وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحرص على أن يصلي أربعًا قبل الظهر، فإذا لم يصليهنّ قبل الظهر صلاهن بعدها؛ روى الإمام الترمذي في "سننه" عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ إِذَا لَمْ يُصَلِّ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ صَلاَّهُنَّ بَعْدَهُ"، وفي رواية ابن ماجه أنها قالت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا فَاتَتْهُ الأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ صَلَّاهَا بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ"؛ قال العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار" (3/ 32، ط. دار الحديث): [الحديثان يدلّان على مشروعية المحافظة على السنن التي قبل الفرائض، وعلى امتداد وقتها إلى آخر وقت الفريضة؛ وذلك لأنها لو كانت أوقاتها تخرج بفعل الفرائض لكان فعلها بعدها قضاء وكانت مُقدَّمةً على فِعل سنة الظهر].


 


-