الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

طالبة «الفستان».. وتاريخ «بنطلون» المرأة

" أنت نسيتي تلبسي البطلون " ، هذه العبارة التي سخرت بها  إحدى الموظفات بجامعة طنطا من ، حبيبة طارق،  الطالبة بالصف الثاني ، بكلية الآداب بنفس الجامعة ، لارتدائها فستانا  في قاعة الإمتحانات ، تعكس التغير الكبير الذي طرأ على تفكير العالم ،  و  ليس تفكير بعض المصريين  فقط حيال إرتداء المرأة للبنطلون . فبعد أن كانت المرأة التي ترتدي بنطلونا  تخضع للمساءلة القانونية لكونها خارجة  عن التقاليد الدينية لتشبهها بالرجال ، أصبحت من ترتدي فستان النساء تخضع ، للتهكم و السخرية،  و التنمر،  حتى لو كان هذا الفستان محتشم،  ففستان حبيبة طارق  لم يكن  ميني جيب أو حتى ميكروجيب .

  و تمتلك المرأة ، تاريخا طويلا من الكفاح ، لكي تتمكن من إلغاء القوانين التي تحظر عليها إرتداء البنطلون خضوعا لتعاليم الكتاب المقدس الذي يحظر على المرأة المسيحية و اليهودية التشبه بالرجال لا سيما في الملبس . و  كانت المرأة الفرنسية ، و معها  المرأة الأمريكية  ، في طليعة النساء اللاتي نجحن في إنتزاع حق المرأة في إرتداء البنطلون،  رغم إعتراض رجال الدين المسيحي و الشخصيات المحافظة في أوروبا و أمريكا منذ القرن الثامن عشر ، لسببين أولهما : أن  البنطلون ينتمي  لملابس الرجال الأمر الذي سيشجع الرجال في المستقبل على التشبه بالنساء ، في حال السماح للمرأة بأرتداء البنطلون ، و ثانيهما : أن  البنطلون يبرز مفاتن المرأة خلافا للفستان لذي يستر أكثر مفاتنها .  

   وفي واقع الأمر،  فقد بدأ كفاح المرأة في سبيل إنتزاع حق  إرتداء البنطلون،  منذ أن صدر مرسوم  العام  1800 من جانب مديرية أمن باريس ، خضوعا لضغوط الكنيسة ،  و الذي أجبر أي إمرأة تريد إرتداء البنطلون ، سواء بسبب المشاركة في حفلات تنكرية،  أو بسبب ممارسة عمل من الأعمال التي يمارسها الرجال،  أو لأسباب تتعلق بالصحة  ، على ضرورة  التوجه لأقرب قسم شرطة تابع لمنزلها ، للحصول على التصريح اللازم ، لإرتداء البنطلون ، و إلا ستخضع للغرامة المالية المقررة،  و التي كانت تزيد قيمتها في حال تكرار مخالفة المرسوم  الأمني .

  و مع مشاركة المرأة الأوروبية و الأمريكية في الثورة الصناعية بكثافة عالية ، بدأت المصانع تسمح للعاملات  بارتداء البنطلون ، بشرط خلعه بعد الخروج من المصانع ، لكي  لا يخضعن للمساءلة القانونية . و بمرور الوقت ،  ازدادت  أعداد النساء اللائي يرتدين البنطلون ، بعد أن قادت نساء شهيرات مسيرة كفاح  المرأة من أجل السماح لها بإرتداء  البنطلون في إطار السعي  للمساواة بين الرجل و المرأة . و كانت الكاتبة الفرنسية الشهيرة ، جورج ساند ، أول من  ارتدت البنطلون أكثر من مرة في نهايات القرن التاسع عشر ،  في تحدي صارخ للمرسوم الأمني الفرنسي ،  فيما شهدت الولايات المتحدة في نفس التوقيت ، قيام الناشطة الأمريكية ، أميليا بلومر،  المدافعة عن حقوق المرأة و المساواة بين الجنسين ،  بإرتداء البنطلون تحت الفستان ، لتثير بذلك  ضجة كبيرة بين الأمريكيين ، لأنه لم يكن شيئا   مألوفا في الولايات المتحدة في ذلك الوقت ، خشية أنتشار عدوى تشبه الرجال بالنساء ، لو سمح للنساء بأرتداء ملابس الرجال  .

 و في النصف الثاني من  القرن العشرين،   أنتشر البنطلون النسائي بشكل كبير ،  خاصة بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية ،  لكن ظل البنطلون محظورا مع ذلك  على النساء في  مؤسسات الدولة الفرنسية و الولايات المتحدة  . و قد شهدت ستينات و سبعينات القرن الماضي أهم حادثتين في إطار كفاح المرأة لأنتزاع حقها في أرتداء  البنطلون . الحادثة الاولى ، جرت سنة 1965 ، عندما ظهرت المذيعة الفرنسية ، نوال نوبلكور ، على شاشة التلفزيون الفرنسي و هي ترتدي فستانا أظهر ربكبتيها ، أحتجاجا على تعنت مسئولي التلفزيون الفرنسي ،  الذين ظلوا يرفضون بشدة  الحاحها المتكرر للظهور على الشاشة  بالبنطلون فكان من الأعلامية الفرنسية المتمردة ، أن أرتدت الميني جيب ، الذي روجت له بيوت الأزياء الفرنسية الشهيرة بكثافة  في منتصف الستينات مثل ،  شانال ، و كارتييه،  و ديور ، و جيفونشي  . و كان من نتاج هذا التحدي  أن قام أتحاد الإذاعة و التلفزيون الفرنسي ، بفصل نوال نوبلكور من عملها   .  

أما الحادثة الأشهر التي فتحت الباب للمرأة لأرتداء البنطلون في مؤسسات الدولة ، فكانت بطلتها  النائبة في البرلمان الفرنسي ، ميشال اليو ماري ، التي تجرأت و هي تشغل منصب وزيرة الأشغال العامة،  في 1973 ، بدخول البرلمان الفرنسي،  و هي ترتدي البنطلون . و كانت صدمة حرس البرلمان الفرنسي كبيرة ، و هم يرون وزيرة ، تخالف القانون الفرنسي ، و تحاول دخول البرلمان بالبنطلون،  فكان من رئيس الحرس أن أبلغها بأنه سيضطر ، مع الإحترام  لمنصبها ، من منعها من دخول البرلمان ، فكان رد فعل ميشال أليو ماري،  التي كانت تبلغ من العمر آنذاك  26 عاما ، أن هددت الحرس بخلع البنطلون في الحال ، فذهل رئيس حرس البرلمان من موقف النائبة الوزيرة ،  و أضطر أن يسمح لها بدخول البرلمان،  لتفتح الباب للموظفات  بالذهاب لمقار أعمالهن بالبنطلون .

 و قد كان لي موقف طريف مع ، ميشال أليو ماري،  في مقر وزارة الدفاع الفرنسية بباريس ، عندما كنت مديرا للمكتب الصحفي لوكالة أنباء الشرق الأوسط بفرنسا  . و أثناء أستعدادي لتغطية زيارة قام بها لباريس وزير الدفاع المصري آنذاك و كان يشغل المنصب  المهيب ، المشير حسين طنطاوي ، تلبية لدعوة من  نظيرته الفرنسية  ميشال أليو ماري ، التي  كانت تشغل في العام ، 2006 ، منصب وزيرة الدفاع الفرنسية ، فوجئت ، بأليو ماري ، تقترب مني ، لتبلغني قبل وصول المشير حسين طنطاوي،  بأن الحكومة الفرنسية قررت تنظيم إستقبال حافل للمشير طنطاوي  ،  تقديرا لمصر،  و لقواتها المسلحة ، و ذلك بتخصيص موكب مهيب على شرفه بالخيل ، مصحوبا بموسيقات عسكرية ، في مراسم أستقبال تتشابه في عظمتها مع زيارات رؤساء الجمهورية . و قد بادرت بنشر تصريحاتها ، لكني وجهت لها سؤالا يتعلق ببنطالونها قائلا لها : معاليكي  لازلتي ترتدين البنطلون فضحكت و قالت لي،  أنها لم تخلعه  منذ أن دخلت به البرلمان سنة 1973 ، لأنه رمز مهم في إطار المساواة بين  الرجل و المرأة .  

 أما الأمر المدهش في تاريخ البنطلون النسائي ،  أن فرنسا لم تصدر قرارا بالغاء قانون سنة ،  1800 ، الذي يحظر على النساء ارتداء البنطلون إلا في  سنة 2013 فقط ، رغم أن البنطلون أصبح الملبس الأكثر إنتشارا بين النساء في فرنسا و العالم منذ منتصف ستينات القرن الماضي سواء في الشوارع أو في المصالح الحكومية .  

  و نهاية فقط أثبتت الاحداث صحة مخاوف من كانوا يحاربون إرتداء المرأة   للبنطلون ، فقد أدى ذلك الى ما كانوا  يخشون منه ، و هو تقليد بعض الرجال للنساء في الملبس ، وحتى في طريقة قص الشعر،  لدرجة أنه  أصبح من الصعب في بعض الأحيان التمييز بين الشباب و الشابات . و لذلك بدأت بيوت اللأزياء العالمية إعادة الوقار للمرأة بالترويج للفستان . و وقوع إختيار بيت الأزياء الفرنسي الشهير  ، "كارتييه " على النجمة المصرية ، ياسمين صبري ،  للترويج لآحدث  صيحات الموضة في مجال تصميم الفساتين خير دليل على ذلك.

 

   

   

 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط