الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قلب أمه

يقولون والعهدة على الراوى انه فى زمن ما كان هتاك رب اسرة قليل الكلام لايحب الاصوات المرتفعة ويعشق الهدوء ويسعد بالعزلة ويفضلها على كل شىء . هذا العائل كان يرث صفات امه التى كلفتها انفصالها عن زوجها واحتضانها لوحيدها والعيش معه فى بيت ريفى منعزل تزرع حوله مايكفيها هى وابنها  ليتقوتا به ، ويقولون ان زوجها ابو بطل قصتنا هذه تزوج من امرأة ثرثارة ولودة ملأت بيته اصواتا وابناء مما جعله يكتفى بارسال نفقة ابنه وطليقته ومن حين لاخر يزورهما .آثرت ام ابنه العيش بعيدا واحتضنت عزلتها وابنها معا. فى هذه البقعة المباركة بوجود امه معه عاش عمرا كل مافيه هادئا الى ان جاء اليوم الذى انتزع منه شريان حياته وماتت امه بنفس طريقة حياتها الهادئة الصامتة .فهو يتذكر جيدا هذا اليوم فقد بدت شاحبة الا ان ابتسامتها تملأ وجهها ونادت عليه وقالت : انا شفت حلم تفسيره ان هسيبك ، فعاوزه اطلب منك تسعد نفسك عشان خاطرى لان انا روحى هتتواصل معاك وهعرف كل حاجه وهزعل لو زعلت وهفرح لفرحك ، انت عمرى كله اللى عشته وعشت عشانه .. وماتت بعدها قبل ان  يرد عليها ويقول لها انه لايستظيع العيش بدونها وبأن حياتها ان انتهت فقد حكمت عليه بالموت الروحى وان ظل جسده حيا .. لم تسمعه ولكنه كان على يقين انها تشعر به وتطبطب عليه وتلملم احزانه وتزشده الى طريق السعادة . لم يدر حينها ماذا يفعل وكيف يتصرف الا انه فعل ماكانت تحرص على قوله له منذ ان كبر واصبح رجلا يعتمد عليه فقد اوصته حين وفاتها ان يتكفل بتغسيلها والا يجعل اى احد يرى جسدها وعلمته كيف يغسل وحقظ الدرس جيدا وهاهى قد ماتت وعليه ان ينفذ وصيتها ويحضر كفنها الذى اشترته بنفسها وزمزمته وهى فى الحج حتى يكون مباركا وبردا وسلاما على جسدها الذى لم يلمسه احد بعد طلاقها من زوج لم تدم عيشتها معه طويلا لاختلاف الطباع والارواح . عندما خلع عن امه ملابسها ليقوم بتغسيلها خلع قلبه من بين ضلوعه وتذكر عمره معها ومداعبتها له حينما كانت تقوم باستحمامه وحرصها على ان تقص عليه الحكايات الجميله وهى تسكب المياه على راسه وتزغزغه حتى لايشعر بالصابون وهو ينهمر على وجهه وعينيه ، وجد نفسه وهو يغسل امه يغنى اغنيتها التى كانت تغنيها له بصوتها الجميل وتقول فيها : الغلاوه فى قلبى بتزيد قريب كنت او بعيد ، ماهو انت الفرحه والعيد ، انا عشانك بعيش لانك انت حبى الوحيد ... انتهى من هذه المهمة الحزينة التى استبقها بالذهاب الى الوحدة الصحية لاحضار تصريح الدفن بعد كشف الطبيب على امه وذكره ان سبب الوفاة هيوط حاد فى الدورة الدموية . طرق باب جيرانه الذين كانوا على اطراف قريته وكانت تربطهم بأمه علاقة طيبة لانهم كانوا يقدرون كونها لاتتدخل فى شئون الغير وواضحة وصريحة ، وطلب ابيه وابلغه بالخبر ، والغريب انه سمع بكاء ابيه واعقبه تأكيده بان لايدفنها ولاتخرج من البيت الا عندما يحضر ومعه ابناءه واعمامه . ومع انه لاول مرة يسمع ابيه يأمره واعتاد ان تكون امه هى الآمر الناهى الا انه وجد نفسه ينفذ امر ابيه مع ان المأمور عليها لم تكن على ذمة الآمر. مر من الزمن ساعة ونصف الساعة وهو معها منتظرا قدوم ابيه وهاهو قد جاء ودخل عليهما منهارا احتضن ابنه وارتمى امامها  وهو يقول لها باكيا :سامحينى مكنش نفسى ابدا تبعدى عنى بس انا افتقدت حاجات كتيره ودورت عليها بره ومن جهلى كنت بحسب ان هى ديه السعاده ، انا رديتك ليا قبل نفاذ عدة الطلاق ، بس كنت عارف انك مش هترجعى ليا وانا متجوز ، سامحينى .. لم يندهش الابن من اعترافات ابيه لانها لن تضيف شيئا ولن تعيد امه وتسعدها .. حمل جسدها ونزل به الى مثواها الاخير وكشف عن وجهها فوجده كما القمر فى اكتماله ، دقق النظر فيها فوجدها مبتسمة فبكى وقال : سعيدة ياامى بأنك تركتينى حزينا وحيدا ؟ ام لانك سمعتى ابى وهو يعترف لكى بحبه وبانك زوجته ولست طليقته ؟ ولكن اين هذه السعادة التى تأتى بعد الموت ؟!.. نزل اليه ابيه واخوته واعمامه واصروا على خروجه وامتثل لهم وخرج جسدا بلا روح وهاهو يعيش ويسير على خطاها وينتظر يوم لقاها ويتمنى ان يكون قريبا.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط