الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فن الفذلكة

العالم الحق هو الشخص المتواضع، الذي كلما زاده الله علما، زاد هو تواضعا، وحبا للاستزادة من العلم، لأستلهم فكرة مقالي هذا من حديثي مع البعض، ليلفت نظري التعجرف وتحميل الكلمات بأكثر من معنى والجدال المتزايد، ويصل الامر مع البعض إلى التحدث بإشارات تحمل الاستهتار بمن أمامهم، دعوني أقولها صراحةً ألا وهي "الفذلكة"؛ التفنن في تصدير الأفكار التعقيدية التي من المفترض أنها تعطي انطباع بمدى المعرفة.

لأتابع أحد الحلقات الدينية لأحد مشاهير الدعوة الإسلامية، وكان يتحدث أن أهمية البساطة، وعدم التكلف في الحديث، وكيف كان الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، يتسم بالود والتلقائية في الحوار، وهو الأمر الذي كان يساعد على كسر الحاجز النفسي عند التحدث مع الآخر، وهو الأمر الذي أكد لي وجهة نظري في بغض نبرة التعالي والجدال في النقاش، أي "الفذلكة".

فقد كنت أعتقد أن كلمة "فذلكة" هي كلمة من كلمات اللغة العامية، إلا إنني وجدت أن لها معنى في قاموس اللغة العربية، ألا وهو الإسهاب المعرفي دون الداعي في أغلب الأحيان، وذلك لمحاولة فرض الرأي، وإعطاء إنطباع بالقوة التي لا يستهان بها، وهو الأمر الذي يقودنا بلا جدال إلى التعقيد من أوسع أبوابه.

فغالباً الشخص الذي يتصف بتلك الصفة يعاني من نوع من الفوبيا من الممكن أن نسميها الهوية فوبيا، أي المحاولة الدائمة لفرض هويته.

وإذا ما نظرنا إلى الفذلكة نجد أنها قد أصبحت سلوكا، لا يمارس على نطاق فردي فقط، وإنما انتقلت للممارسة على مستويات الدول ممثلة في مؤسساتها المختلفة، بل وامتدت تلك الفوبيا لتطول عددٍ من المؤسسات الدولية ووسائل الإعلام العالمية أيضاً، وهو ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح ممارسة "الفذلكة الدولية"، وبالتالي نجد أنفسنا محاطين بكم من التعقيدات الفكرية المفروضة علينا، وذلك على جميع المستويات الداخلية منها أو الخارجية.

وهو الأمر الذي يؤثر بلاشك على تنشئة الأجيال المستقبلية، حيث ترسٌخ في أذهانهم تلك التعقيدات الفكرية، فمنهم من يسير على خطاها، فينشأ جيل معقد، ومنهم من يبتعد ليسلك طريقاً يجتذبه، فلا نستطيع السيطرة عليه بأي شكل من الاشكال، وفي كلتا الحالتين نفشل في الاحتواء السليم لتلك الأجيال، وهذا الأمر هو نتاج طبيعي لتلك التعقيدات الناتجة عن الفذلكة، فتلك هي التكلفة البشرية.

وبالنسبة إلى التكلفة المادية، فهناك تقارير دولية ترصد الإجراءات الدولية التي من شأنها المنافسة بين الدول في تيسير الإجراءات المرتبطة بالاستثمار، فترى تلك التقارير الدولية أن تبسيط الإجراءات من شأنه خفض التكاليف التي سيتكبدها المستثمر أو من يريد أن ينشيء مشروع.

ولكن هل تسائلنا كيف ستتحقق تلك التيسيرات ونحن نمارس على بعضنا البعض "فن الفذلكة" على كافة المستويات.

ففي رأيي المتواضع، أرى إنه يجب علينا أن نتحقق مما نتلقى من معلومات، فعلينا أن نتحقق وننقح ما نتلقاه من معلومات ونتدبر الأمور بهدف بناء الثقافات.  على ألا ندعو "فن الفذلكة" أن يجتذبنا إلى غيابات التعقيدات التي لا نهاية لها، فتعمل على محو هويتنا وأحلامنا وكياننا إن صح التعبير، فتتحول "الفذلكة" فيه من مجرد أمر سلبي، لتصبح ثقافة فكرية وسلوك يومي نعتاد عليه، وهو ما يكبدنا الكثير من التكاليف، فمنها ما يصب مباشرة في جانب التكاليف البشرية، ومنها من يمتد ليسيطر على جانب التكاليف المادية.
فالتعالي مرفوض
والاستحواذ مهدور
والحلقات المغلقة حتى وان كانت بين من يعتقدون انهم علماء حتما ستؤدي إلى العدم
وعلى النقيض
فكل متواضع مقبول
وكل مشارك بناء
ومن يسعى إلى الاستفادة بتجارب الآخرين وان صغرت حتما سيصل إلى التنمية

ونهايةً هذا المقال هو مجرد فكرة تكونت بمرور الوقت، ووددت أن أشارككم إياها ليس إلا، وكله بسبب فن الفذلكة وما أدراك ما فن الفذلكة!

 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط