الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

دبلوماسية الجزائر صوت العقل الأفريقي .. نافذة جديدة لانفراج أزمة سد النهضة وحل نزاعات القارة السمراء .. خبرة تاريخية وأوراق قوية تسند دور رجل الإطفاء

علم الجزائر
علم الجزائر

عودة قوية للدبلوماسية الجزائرية تنبئ بدخول عامل إيجابي جديد على خطوط الأزمات المستمرة والجبهات المفتوحة في أفريقيا، القارة الأكثر معاناة من الأزمات العالقة والنزاعات المعقدة.

وبدأت الجزائر مساع حثيثة خلال الأيام الماضية بدأت تتضح معالمها في أعقاب تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون بأن بلاده لديها مبادرة لحل أزمة سد النهضة، وأن الجهود الجزائرية لقيت تجاوباً كبيراً من كل الأطراف المعنية.

أطراف الأزمة تقبل الوساطة

أبدى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ثقة كبيرة في إمكانية نجاح وساطة بلاده في حلحلة الأزمة بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة، مؤكدًا أن المبادرة "جزائرية خالصة لم تملها علينا أية جهة". وتابع: "طالبنا بعدم وصول الأشقاء بسبب نزاع سد النهضة إلى أمور ساخنة".

ووفقًا لتقرير نشرته إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية، سبق تصريحات الرئيس الجزائري تحركات مكوكية قام بها وزير الخارجية الجزائري المخضرم رمطان لعمامرة، الذي اجتمع برئيسة إثيوبيا ورئيس وزرائها.

وكانت وزيرة الخارجية السودانية مريم المهدي، التي التقاها لعمامرة قبل وصوله مصر، قد أكدت أن هناك مبادرة جزائرية تدعو إلى عقد لقاء مباشر بين أطراف السد لحل الخلافات، مؤكدة أن بلادها ترحب بها، وفق بيان لمجلس السيادة السوداني.

وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية سامح شكري، بعد اجتماع عقد بينهما فور وصوله إلى القاهرة، قال لعمامرة إنه من الأهمية بمكان الوصول إلى حلول مرضية في قضية "سد النهضة" الإثيوبي خاصة وأن "علاقات أطراف الأزمة تمر بمرحلة دقيقة".

وأكد الرئيس الجزائري تلقيه ردود فعل إيجابية من دولتي المصب – مصر والسودان – مضيفاً أنه "لا بد من تحكيم العقل والمنطق حتى تنعم أفريقيا بالاستقرار وتعود للمحافل الدولية، خاصة وأن مجلس الأمن لم يفصل في القضية وأعادها إلى الاتحاد الإفريقي".

وأكد تبون أن "الوساطة الجزائرية في ملف سد النهضة لن تتوقف إلى أن تحل"، وأن بلاده ليس لديها في القضية "لا ناقة ولا جمل إلا المسعى في تقريب وجهات النظر".

خبرة سابقة في "إطفاء الحرائق"

يحفل رصيد الجزائر بتجارب غنية في مجال حل النزاعات الدولية سلمياً، إذ نجحت الدبلوماسية الجزائرية على مدى عقود في نزع فتيل عدد من الأزمات، لعل أبرزها الدور المحوري الذي لعبته في إنهاء النزاع العراقي – الإيراني وتوقيع اتفاقية الجزائر عام 1975 وهو الدور الذي لعبه الرئيس الراحل هواري بومدين ووزير خارجيته وقتها عبد العزيز بوتفليقة.

كما لعبت الجزائر دوراً هاماً من أجل التوصل إلى إبرام اتفاق للسلم والمصالحة بين الفرقاء في مالي وغيرها من الملفات الإفريقية الشائكة. ويرى خبراء ومراقبون أن مهمة العمامرة تتمثل في "إحياء دور الجزائر كوسيط في الأزمات الدولية" خاصةً في محيطها المباشر.

وكان العمامرة قد التقى، خلال تواجده في إثيوبيا بمفوض الاتحاد الإفريقي المكلف الشؤون السياسية ومسائل السلم والأمن أديوي بانكول، و"استعرض الطرفان حالات النزاعات والأزمات في جميع أنحاء القارة وآفاق حلها"، بحسب ما أعلنت الخارجية الجزائرية التي نقلت عن العمامرة أن الجزائر "تدعم العمل الجماعي للقارة الهادف إلى إسكات البنادق وتكريس مبدأ الحلول الإفريقية لمشاكل القارة".

الوساطة الجزائرية.. لماذا الآن؟

تحركات الجزائر الدبلوماسية في الفترة الأخيرة جاءت بعد ما وُصِفَ بفترة ركود دبلوماسي عانت منها الجزائر، عزاه البعض إلى الأزمة الداخلية التي وقعت في البلاد وما تلاها من حراك وتظاهرات جعل البلاد تمر بفترة من عدم الاستقرار.

ويرى الدكتور توفيق بوقاعدة أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر أن هناك العديد من الظروف المحلية الإقليمية والدولية استدعت تدخل الجزائر على خط الأزمة في هذا التوقيت، "فعلى مستوى القارة تشهد إفريقيا عودة للتوترات على عديد من الأصعدة سواء حروب أو نزاعات بينية أو أزمات وتوترات داخلية كما هو الحال في منطقة الساحل وفي منطقة القرن الإفريقي وفي تونس ومناطق أخرى".

ويضيف بوقاعدة في حواره مع إذاعة "دويتشه فيله" أن "غياب الاهتمام الدولي بمثل هكذا نزاعات يستدعي وجود قوى داخل القارة السمراء تعي جيداً وتفهم طبيعة المشكلات التي تعرفها إفريقيا بما يساعد في توطين الاستقرار في القارة".

ويرى أستاذ العلوم السياسية الجزائري أنه "على مستوى الظروف الإقليمية فإن الجزائر واحدة من الدول المتضررة للغاية من حالة النزاعات التي تشهدها إفريقيا وخاصة ما يحدث في منطقة الساحل الإفريقي وفي ليبيا وكذلك مايحدث في تونس، لذا فهي تسعى من أجل أن تدرأ هذه المخاطر الأمنية وتعزز من مكانتها السياسية حتى يمكن أن تساهم في عمل استباقي بما يحول دون تحول أزمات من هذا النوع إلى أزمات مستعصية على الحل".

ي منطقة الساحل الإفريقي وفي ليبيا وكذلك مايحدث في تونس، لذا فهي تسعى من أجل أن تدرأ هذه المخاطر الأمنية وتعزز من مكانتها السياسية حتى يمكن أن تساهم في عمل استباقي بما يحول دون تحول أزمات من هذا النوع إلى أزمات مستعصية على الحل".

أما آخر العوامل التي استدعت تدخل الجزائر وفق ما يرى الخبير السياسي الجزائري فهو العامل الداخلي، "وذلك بعودة رمطان لعمامرة إلى الدبلوماسية الجزائرية والذي يعد شخصية إفريقية بامتياز بما لديه من اطلاع واسع على الكثير من الملفات في القارة".

وكان لعمامرة منسقاً للسلم والأمن في منظمة الاتحاد الإفريقي، و"بالتالي لديه نزوع نحو إفريقيا ومشكلاتها، بالإضافة إلى وجود ما يجمع كل هذه العوامل هو طبيعة الدبلوماسية الجزائرية التي دائماً ما كانت تقوم على مبادئ احترام القواعد والقوانين الدولية"، حسب بوقاعدة.

أوراق في يد الجزائر

لكن أزمة سد النهضة آخذة في التعقيد، خاصة مع استمرار إثيوبيا في مراحل ملء السد دون أي اتفاق مع دولتي المصب على موعد محدد لتلك المراحل ولا على كميات المياه التي تحتجز خصماً من رصيدهما من مياه النيل.

كذلك الرفض المطلق لأديس أبابا التوقيع على أي اتفاق ملزم بشأن السد أياً كانت بنوده، وهو ما أغضب مصر والسودان بشدة لترتفع حدة التصريحات المتبادلة بين الطرفين بما خشي معه البعض من اندلاع مواجهات عسكرية، خاصة بعدما رفع مجلس الأمن يده عن القضية وأحالها مجدداً للاتحاد الإفريقي.

ويعتقد بوقاعدة أن الجزائر تملك بالفعل رؤية مختلفة للحل تستند بالأساس إلى ضرورة عودة الأطراف إلى طاولة الحوار، "على أن الأهم من ذلك هو عملية تصحيح للمفاهيم الخاطئة التي نشأت نتيجة المشاحنات السابقة بين الأطراف سواء على المستوى الإعلامي أو حتى المستوى الدبلوماسي".

ويضيف المحلل السياسي الجزائري أن وزير الخارجية لعمامرة "لديه قناعة بأن الكثير من المصطلحات والمفاهيم التي تستخدمها الأطراف خلال الأزمة هي مصطلحات متطابقة، لكن الأزمة بحاجة إلى إعادة ضبط للمفاهيم، كما يجب وضع حد لتخوفات الأطراف وتحديد الآمال التي يرجوها كل طرف من الآخر ونقل موقف كل طرف وتخوفاته بدقة إلى الطرف الآخر".

ويرى بوقاعدة أن هذا "لا يمكن أن يحدث في ظل أجواء مشاحنات ومناكفات دبلوماسية طبعت المرحلة السابقة، مضيفاً أنه من الأكيد أن لدى لعمامرة خارطة طريق لكيفية الوصول لحل عادل ومرضٍ للجميع".