الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الكراسي الموسيقية

 

استوقفني منشور عن لعبة الكراسي الموسيقية في "كوكب اليابان العجيب" على حد وصف الجماعة الفيسبوكية لسكانه.. فقواعد اللعبة هناك مغايرة تماما لما نعلمه لأبنائنا،.. فهم يأتون بمجموعة مقاعد أقل من عدد الأطفال ويخبرونهم أن كل من تزاحم وتسابق لحرمان غيره من الكرسي خاسر، والفائز هو من لم يجد مكان له وليس العكس!.. فيتنافس الصغار على احتضان بعضهم حتى لا يبقى احد دون مقعد فيخسروا جميعاَ.. هكذا، يحفرون على حائط ذاكرتهم مفاهيم التعاون وثقافة العمل بروح الفريق.. ولا أعرف لما أعادتني تلك اللعبة لمرحلة الطفولة وتحديداً إلى لعبة "الأولى" التي غيرت معنى حياتي..

أسمحوا لي أن أحدثكم عن معاهدة سعادة أبرمتها مع صديقة عمري "سالي أمين"  خلال طفولتي المبكرة، ربما وجد أحدكم في تفاصيلها سر النجاح.. 

الحكاية بدأت خلف أسوار المدرسة.. حين تعارفنا ولم تكن أعمارنا تتعدى أصابع اليد الواحدة، وسرعان ما تقاربنا، وأصبحنا نتشارك الصغيرة قبل الكبيرة في عالمنا،.. لم تعرف المشاجرات يوماً طريقاً لعلاقتنا إلا في لعبة واحدة "الأولى"،.. وقتها كنا وصلنا للصف الأول الإعدادي، وذات مشاجرة  كادت أن تعصف بصداقتنا تسألنا.. لماذا نلعب؟!.. وأيهما أهم للحفاظ عليه، تحقيق الربح أم دوام الصداقة؟!.. ورغم صغر سننا حينذاك، إلا أننا اتفقنا أن قضاء وقت حلو هو هدفنا من اللعب.. لذا أصبحنا ننهيه على التعادل حال حدوث أي خلاف.. لأننا ببساطة نجد فرحتنا في نجاحنا سوياً وليس فوز أحدنا على الأخرى.. والنتيجة،... صداقة دامت لأكثر من 40 عام، دون أي من أمراض المشاعر التي نسمع عنها في كثير من صداقات هذه الأيام.. 

ربما يعتقد البعض أن حماية صداقتنا من أوبئة المشاعر القاتلة لكل حلو ترجع لتقاربنا في زمن البراءة لكن تجربتي في الحياة العملية تؤكد العكس.. ففكرة الاستمتاع بالوقت لم تقتصر على لعبة "الأولى" مع صديقة عمري فحسب،.. بل امتدت لكافة مساراتي.. 

وأصدق دليل على كلامي تجربتي بدنيا الصحافة، وتحديداً عند التحاقي بمجلتي الحبيبة "حواء" عام 1995. حينها كانت الكاتبة الصحفية الكبيرة إقبال بركة ترأس تحريرها، وهي من أكثر المشجعين على العمل الجماعي بل وتعتبره أساس التفوق،.. الأمر الذي فرض على الجميع العمل في موضوعات مشتركة، ولأن بناية حياتي المهنية قامت على الأوقات الحلوة وليس إثبات الأفضلية، فلم أجد ضالتي إلا مع الزميلة وعشرة الزمن الجميل الكاتبة الصحفية إيمان العمري.. فهي الأخرى تجد السعادة في كل تفصيلة تكتبها، فجمعتنا رغبة أن ننجح سوياً كل في مجاله، وتميزت ملفاتنا وتحقيقاتنا المشتركة بالتكامل وليس التفاضل!.. وهو السر في وقوف صداقتنا لأكثر من ربع قرن كحائط صد أمام أعاصير العمل العاتية، وحرائق الغيرة المهنية المدمرة..

باختصار،.. السعادة ليست في الفوز بلعبة الكراسي الموسيقية على طريقة الرابح هو الحاصل على المقعد بل بمحبة واحتضان الآخرين.. فيجد كل منا نجاحه في إتاحة المكان المناسب لغيره على حد درس اللعبة اليابانية .. 

ليتنا نتعلم ونعلم صغارنا أن الفرحة تكمن في المشاركة.. والتفوق وسيلة للاستماع بالمعيشة وليس غاية قائمة على "أنا ومن بعدي الطوفان".. وقتها فقط، نحصد ثمار النجاح في العمل..الحب.. الصداقة.. الزمالة.. وجميع المناحي الحياتية...           

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط