الثقافة والوعي ، جزءان مكملان لبعضهما البعض ، إذ لا يمكن أن تكون هنالك ثقافة من دون وعي ، ولا يمكن للوعي أن يؤدي دوره من دون ثقافة ، وهذه العلاقة التكاملية بينهما لابد أن تتوازن في مقدار كل منهما .. لتؤدي الثقافة هدفها الأسمى وتأخذ دورها في المجتمع.
ولكن للأسف ، ثقافتنا اليوم خالية من الوعي إلا ما ندر ... فالثقافة أصبحت في وادٍ والواقع في وادٍ آخر، ومثقفينا أغلبهم إلى الآن لم يتسلحوا بأدوات قادرة على مجاراة التطور والتأثير في الناس وخاصة "الشباب" ، وأخذ مكانهم المؤثر .. ولا زالوا متمسكين بطرقهم القديمة التي أكل عليها الدهر وشرب ، والسبب هو امتلاكهم لثقافة خالية من الوعي ،مجردة من الزمان والمكان ، ولأننا في عصر السرعة والسباق يشتد بين المتصارعين والفوز لمن يصل أولاً، لم تعد ثقافتنا تجدي نفعاً .
لقد أصابتني الدهشة ، عندما علمت أن الهيئة العامة لقصور الثقافة كمثال ، تمتلك ما يقرب من 575 قصرًا موزعة على مستوى الجمهورية ... تكاد تكون في كثير منها،غير قادرة عن أداء دورها الثقافي والتنويري ، ودون نشاط فني وثقافي مؤثر وفعال ، وليست قلة الإمكانيات المادية وحدها هي العقبة أمام أداء هذه الكيانات لدورها ، لكن أيضًا عدم ملاءمة المنتج الثقافي للواقع الحالي ، علاوة على أن أغلب أوجه إنفاق الموازنة تخصص لرواتب العاملين ، وأعمال التجديدات والصيانة ... كما أن العديد منها لا يوجد بها مسارح ولا أماكن للاجتماعات والندوات ، ولا تفتح إلا في الزيارات .. والأكثر دهشة أن وزارة الثقافة يتبعها ما يقرب من 600 موقع ثقافي نصفها مغلق أو غير مناسب .
لقد واجه الرئيس السيسي في لقاء سابق مع الشباب ، سؤالًا في فقرة "اسأل الرئيس" ، حول انعدام دور المؤسسات الثقافية وانعزالها عن المجتمع وانحسار دورها في أنشطة قديمة مكررة منذ عقود طويلة ، واهتمامها بالعناوين الخاصة بالأنشطة وليس بالمحتوى المقدم ، وهيمنة ثلة قليلة على مقاليد الثقافة في مصر ... وفي ذات السياق ، أود أنا أيضًا أن اتساءل .. الآن ، وبعد مرور أكثر من عامين على دعوة السيد الرئيس لتجديد الخطاب الثقافي والديني ، والذي أكد أنه كما هو منذ 70 عامًا ... هل وضعت وزارة الثقافة استراتيجية ثقافية للدولة تقوم على إحياء دور قصور الثقافة ، والتوسع في تنفيذ الندوات والفعاليات والمسابقات الثقافية والفنية بها في سياق رؤية تسعى إلى تغيير حقيقي ، يغلق روافد التطرف ، ويواجه الفكر المنحرف الضال ؟ وإذا كانت قامت بذلك ، هل عاينت الوزارة على الطبيعة أحوال بعض قصور الثقافة وأنشطتها ، والتي شبهها البعض بـ " بيوت الأشباح " أو "الجبانات" ؟
إن غياب الوعي الثقافي عن الساحة في هذه الآونة قد أدي إلى كثير من السلبيات والكوارث ، أهمها سيطرة أفكار التطرف والإرهاب على عقول بعض الشباب ، وانتشار التدني والهبوط في الذوق العام ... وهذا الوضع ينذر بتساؤلات موجهة إلى أرباب الفكر والمثقفين والمسئولين بوزارة الثقافة ، والذين يتحملون الجزء الأكبر من المسئولية بحكم تغييب أنفسهم عن مواجهة التحديات والرياح الجارفة ، والتي تنبيء بإعصار يمس تاريخنا وثقافتنا وهويتنا .. فالثقافة لغة الشعوب والمتحكم بمصائرها ، والعقل الذى لا تملؤه الثقافة ، يسهل حشوه بأفكار التطرف والإرهاب .
ولذلك ، نحن بحاجة إلى وضع استراتيجية وطنية لمواجهة التحديات التي تواجهنا ، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو فكرية أو اقتصادية.. وجعل المواطن جزءًا رئيسًا منها ، إضافة إلى ترسيخ سياسة الشفافية ، والحوار ، وتدفق المعلومات ، التي يمكن من خلالها بناء المخزون المعرفي المعين على تحقيق متطلبات الوعي السليم .. كما أننا في حاجة إلى وضع استراتيجية ثقافية حقيقية تطبق على أرض الواقع، وتكرس المواطنة، والإنتماء، وتدافع عن الوطن ، وتسهم في توجيه الرأي العام بما يخدم الوطن والمواطنين ... كفانا خطط واستراتيجيات نظرية، لا تطبق.. وكفانا خطب رنانة .. لقد حان وقت العمل ، فالتحديات كثيرة ، والمواطن الواعي والمثقف والمدرك لمسئولياته هو حجر الأساس الذي تعول عليه الدولة في مواجهة تلك التحديات.