الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مفتي الجمهورية: الاحتفال بالعام الميلادي والتهنئة به جائز شرعًا ..مواقف قداسة البابا تواضروس مشرفة.. النسيج المجتمعي لايميِّز بين مواطن وآخر.. الإسلام لا يعترف بالدولة الدينية التي تتسلط على الناس

الدكتور شوقي علام
الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية

 الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية :

 كثرة الأسئلة الواردة في دار الإفتاء دليل على عودة ثقة الناس بالمؤسسات الدينية الرسمية

 افتتاح فروع جديدة للدار بالمحافظات ستوفر على المواطنين عناء السفر 

 تزايد الطلب على الفتوى من دار الإفتاء لا يعني تكريس مفهوم الدولة الدينية بمفهومها الغربي

 نُدرِّب المتخصصين الجدد في الفتوى على طمأنة المستفتي ونصحه وإزالة الحيرة لديه

 الإسلام لا يعترف بالدولة الدينية التي تتسلط على الناس باسم الدين بل عرف بالدولة المدنية الحاضنة للجميع

 

قال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: "إن تزايد الطلب على الفتوى من دار الإفتاء لا يعني تكريس مفهوم الدولة الدينية؛ فالإسلام لا يعترف أبدًا بالدولة الدينية التي تعني الحكم بناء على تفويض إلهي والتسلط على الناس باسم الدين، بل إن الإسلام عرف الدولة المدنية الحديثة الحاضنة للجميع".

جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج نظرة مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية صدى البلد، مضيفًا فضيلته أن الإسلام يؤمن بقضية الاختصاص ووضع حدود للسلطات، ودساتير وقوانين للمحاسبة وَفق أمر مؤسسي، فالمؤسسية هي عنوان الدولة المدنية الحديثة؛ فاحترام ولي الأمر هو احترام لكل السلطات والمؤسسات الرسمية.

وأكَّد فضيلة المفتي أن الإسلام يحبذ الدولة المدنية الحديثة القائمة على العدل والمساواة، كما أن الإسلام لم يسعَ يومًا لترسيخ المفاهيم والنظم التي تبيح التسلط على رقاب الناس الذين ولدتهم أمهاتُهم أحرارًا، فلم يُعرف في تشريعاته ولا في حضارته عبر تاريخه العظيم شيء من هذه المفاهيم أو تلك النظم؛ ولا يوجد في الحضارة الإسلامية ما يسمى بالدولة الدينية أو الثيوقراطية كما عرفها الغرب.

وقال فضيلة مفتي الجمهورية موضحًا: إن كثرة الأسئلة الواردة إلينا في دار الإفتاء المصرية ليست ظاهرة سلبية، بل لها جوانب إيجابية كعودة ثقة الناس بالمؤسسات الدينية الرسمية بعدما سحبت الجماعات المتطرفة البساط منها لسنوات طويلة مضت، ولا تعني كذلك وجود وسوسة عند أغلب الناس، لكن الردود والفتاوى تتعلق بجوانب شرعية، غالبًا ما تشمل بيان الحكم الشرعي المطلوب بالإضافة إلى مراعاة العامل النفسي للمستفتين؛ فالفتوى ليست ملزمة، بل مطمئنة وناصحة؛ فالمستفتي يريد أن يطمئن ويريد من يأخذ بيده. وهذا واضح وجليٌّ في مشاكل الطلاق التي لم يقع بالفعل منها إلا القليل جدًّا.

ولفت فضيلته النظر إلى أن كثرة الفتاوى الرسمية لا يمكن أن تفسَّر في المجمل على أنها لجوء إلى الدين من جانب المستفتي على حساب الحلول المفترضة الأخرى، ولا تعني كذلك التدخل من جانبنا في المجالات الأخرى المتخصصة؛ فالدار تحترم التخصص، فقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم احترام التخصص؛ فبرغم علمه الرباني كان يستشير المتخصصين في كافة الشئون الدنيوية من الصحابة؛ ليعلمنا اللجوء إلى المتخصصين.

وأشار فضيلة المفتي إلى أن الفتوى تختلف عن القضاء والفقه؛ فالفتوى واقعة معينة تراعي أحوال المستفتي. كما أن التكلم في علوم الدين بغير علم يئول إلى فساد في الاعتقاد والدين، وكذلك التجرؤ في سائر التخصصات الأخرى من طب، وصيدلة، وهندسة، وغيرها قد يئول إلى فساد في الأنفس، وقد يعرِّض حياةَ الإنسان إلى الخطر، ومن المقاصد الشرعية العليا حفظ النفس، وتعد أهم الضروريات المقاصدية الخمس التي قام على أساسها الشرع الشريف، فكان حفظها أصلًا قطعيًّا، وكليةً عامةً في الدِّين؛ ولذا وجب احترام التخصص.

وعن علاقة الفتوى بالأخلاق قال فضيلته: إن رسالة الفتوى الشرعيَّة وأهدافها تكاد تتطابق مع رسالة منظومة الأخلاق والقيم وأهدافها في نظر الشريعة الإسلامية، فما هي -الفتوى- إلا أنماط للسلوك الإنساني في صورة فتاوى شرعية تصدر من المفتي وَفق مقاصد الشرع الشريف وقواعده وأحكامه؛ لأن موضوعها -في حقيقة الأمر- هو بيان الحكم الشرعي بخصوص واقعة مسئول عنها؛ مما يعني أن موضوعها يلتقي مع موضوع علم الأخلاق بصورة تكاملية حيث يختصان بأفعال الإنسان المكلف وضبط سلوكياته حتى يكون الفرد كائنًا صالحًا وأداة بناء لا كائنًا مشوهًا وأداة هدم وتدمير وإشاعة الفساد والفوضى والاضطراب في الأرض.

وأوضح المفتي أن افتتاح فروع جديدة بالمحافظات يأتي في إطار جهود دار الإفتاء المصرية لتطوير أدائها ونشر خدماتها في مختلف محافظات مصر، وضبط بوصلة الإفتاء ببيان صحيح الفتوى ومواجهة الفتاوى الشاذة والمتشددة ومحاربة الفكر المتطرف، وتنفيذًا لخطتها الاستراتيجية الخمسية التي بدأتها الدار، وتهدف في المقام الأول إلى تعزيز قنوات الاتصال مع الجمهور والتيسير عليهم للحصول على الفتوى الصحيحة من أمناء الفتوى المتخصصين بدار الإفتاء، وغيرها من الخدمات الشرعية. ومؤكدًا فضيلته على أن الفروع ستوفر على المواطنين مشقة وعناء السفر للذهاب للقاهرة، وخاصة في الفتاوى التي تتطلب حضورًا مباشرًا كأغلب مشكلات الطلاق.

ولفت فضيلة مفتي الجمهورية النظر إلى أننا في تدريب المتخصصين الجدد في الفتوى ندربهم على طمأنة المستفتي ونصحه فيما يتعلق بالجوانب الدينية في الفتوى، بل إزالة الحيرة عند المستفتي وإرشاده للجوء للمتخصصين لعلاج مشكلة عنده وخاصة في الجوانب النفسية والاجتماعية.

وأكد فضيلة المفتي أن رد الدار على أكثر من مليون فتوى سنويًّا، تختلف في أهميتها وفحواها، ليس بالعدد الكبير جدًّا عند مقارنته مثلًا بعدد الفتاوى الصادرة من الدار في منتصف القرن الماضي من واقع السجلات بعد الأخذ في الاعتبار نسبة الردود أو الإجابات إلى نسبة عدد السكان، وربما زاد قليلًا كنسبة مئوية بحكم تطور الحياة وتعقدها.

وأكد فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية،: "إن الاحتفال برأس السنة الميلادية المؤرَّخ بيوم ميلاد سيدنا المسيح عيسى ابن مريم على نبينا وعليه السلام، والتهنئة به: جائز شرعًا، ولا حرمة فيه؛ لاشتماله على مقاصد اجتماعية ودينية ووطنية معتدٍّ بها شرعًا وعرفًا؛ من تذكُّر نعم الله تعالى في تداول الأزمنة وتجدد الأعوام.

وأوضح فضيلة المفتي أن الشريعة الإسلامية قد أقرت الناس على أعيادهم لحاجتهم إلى الترويح عن نفوسهم، ونص العلماء على مشروعية استغلال هذه المواسم في فعل الخير وصلة الرحم والمنافع الاقتصادية والمشاركة المجتمعية، وأن صورة المشابهة لا تضر إذا تعلق بها صالح العباد، ما لم يلزم من ذلك الإقرار على عقائد مخالفة للإسلام، فضلًا عن موافقة ذلك للمولد المعجز لسيدنا المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، الذي خلَّده القرآن الكريم وأمر بالتذكير به على جهة العموم بوصفه من أيام الله، وعلى جهة الخصوص بوصفه يوم سلام على البشرية، والنبي صلى الله عليه وسلم أَوْلَى الناس بسيدنا المسيح صاحب هذا المولد المبارك.


وأثنى مفتي الجمهورية على المواقف المشرفة والحكيمة لقداسة البابا الأنبا تواضروس الثاني، وأكد فضيلته على أن النسيج المجتمعي المصري لم يميِّز بين مواطن وآخر، في منظومة متناغمة تحقق العيش المشترك الذي تحيطه المحبة والتسامح والسلام، مشيرًا إلى أنه تم تتويج هذا التاريخ الطويل بافتتاح مسجد الفتاح العليم وكنيسة ميلاد المسيح في نفس اليوم وبحضور أكبر قيادتين دينيتين في مصر وبحضور ورعاية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهي رسالة واضحة تؤكد أن المصريين جميعًا على قلب رجل واحد.