الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى يناير..ياسر رزق وسنوات الخماسين.. كيف كان اللقاء الأول مع اللواء أركان حرب عبدالفتاح السيسي؟|عروض كتب

صدى البلد

بلغة أدبية بديعة قدم الكاتب الصحفي الكبير ياسر رزق كتابه الجديد "سنوات الخماسين.. بين يناير الغضب ويونيو الخلاص" والذي يعد الجزء الأول من ثلاثية "الجمهورية الثانية" والتي لا يقدم من خلالها رزق تأريخًا لوقائع عاصرناها بل يقدم رصد لوقائع مرحلة الانتقال الأولى، وتحديدًا حين تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة البلاد.

ينتقل رزق في كتابه باللغة إلى آفاق جديدة، حيث يتخلص من اللغة الصحفية “الجامدة” ليقدم مادة ثرية بأسلوب لا 

يمكن وصفه سوى أنه “أدبي بامتياز” إذ يسهب في شرح تفاصيل ربما لا يعلمها الكثيرون عن تلك الفترة الحرجة في تاريخ مصر الحديث، ويتتبع الظروف المحيطة بالوطن خلال سنوات “الخماسين”. 

 

اللقاء الأول

يحكي رزق في كتابه عن تفاصيل اللقاء الأول الذي جمعه باللواء أركان حرب عبد الفتاح السيسي، إذ يرجع ذلك اللقاء إلى شهر مارس من عام 2011، وذلك عندما دعاه اللواء محمد سعيد العصار مساعد وزير الدفاع والعضو البارز بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة من خلال مكالمة تليفونية للمشاركة في لقاء ينعقد بعدها بيومين، أسماه لقاء "٤+٤ "، أي بحضور 4 من رجال الفكر والسياسة والكتاب و4 من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة  وأبلغ العصار رزق أن الهدف من اللقاء هو  عرض دور المجلس في إدارة شئون البلاد بعد تنحى الرئيس حسني مبارك يوم 11 فبراير، وتبادل الرؤى والأفكار حول أولويات المرحلة المقبلة، بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية.
يقول رزق كان اللواء العصار معروفاً بصلاته الوثيقة بالمؤسسات العسكرية في الخارج، خاصة البنتاجون، ذلك لأنه كان مسئولاً عن ملف تسليح الجيش حينما كان رئيساً لهيئة التسليح، ثم تولى بعد ذلك ملف العلاقات العسكرية الخارجية وقبيل هذه الدعوة، كنت حضرت عدة لقاءات مع أعضاء بالمجلس الأعلى من القادة الذين استدعوا للخدمة وضموا إلى المجلس للاستنارة بخبراتهم في هذه المهمة العويصة والطارئة على الجيش وهي إدارة شئون البلاد.


ذهب رزق في الموعد المحدد إلى مكان اللقاء بفندق "تريومف" بشارع الخليفة المأمون، وهو تابع لإدارة المخابرات الحربية، وكان معه من الكتاب والمثقفين الأربعة، الشاعر فاروق جويدة والدكتور عمرو الشوبكي المحلل السياسي والدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية. ومن جانب المجلس الأعلى شارك في اللقاء اللواء العصار، واللواء محمود حجازی رئیس هيئة التنظيم والإدارة، واللواء طارق المهدي مساعد وزير الدفاع ورئيس الأركان السابق للدفاع الجوى، واللواء عبدالفتاح السيسي مدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع.

فضول صحفي


‏يشرح رزق تفاصيل هذا اللقاء الذي جمعه باللواء أركان حرب عبدالفتاح السيسي إذ أعجبه هذا الرجل الذس التقاه لأول مرة في هذه الجلسة، فقد أعجب رزق بأفكاره والكم الهائل من التحليلات التي يقدمها خلال الجلسة يقول: كنت أعرف ثلاثة من رجال المجلس الأعلى، التقيت بهم في مناسبات مختلفة واحتفالات عديدة بحكم عملي سنوات طويلة كمحرر عسكرى لجريدة "الأخبار" منذ نهاية الثمانينيات لكنها كانت المرة الأولى التي التقى فيها باللواء أركان حرب عبدالفتاح السيسي، برغم ٢٣ عاماً أمضيتها حتى ذلك الحين في تغطية الأحداث والشئون العسكرية. وكان حظي أن أجلس إلى يمين اللواء السيسي خلال اللقاء الذي بدأ بحديث عام للواء العصار، ثم اللواء حجازي، فاللواء المهدي، بينما كان اللواء السيسي صامتاً هادئاً، منكباً على أوراقه يطالعها في أجندة أمامه على المائدة. وككل الصحفيين.. أخذت أطل على أجندة مدير المخابرات الحربية واختلس النظر إليها، ويبدو أن اللواء السيسي لاحظ إطلالاتي الشغوفة نحو أوراقه، فارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة، فقلت له في خجل: إنه الفضول الصحفى وليس التلصص..! أنصت إلى أحاديث القادة الثلاثة، بينما تركت عيني تتفرسان في القائد الرابع. لم يكن اسمه غريباً على مسامعى ولا مسيرته العسكرية، وكنت قابلته مرات في مصافحات سريعة، لكني لم أجلس إليه أبدأ قبل هذا اللقاء.

ثقافة رفيعة


‏يضيف: بدا لي السيسي أكثر شباباً من حقيقة عمره، وكأنه أصغر عشر سنوات من زميليه المقاربين له في السن، اللواء حجازي واللواء مهدی. ‏وعندما شرع السيسي في الكلام، وطلب أن يعطى 45 دقيقة ليتحدث فيما يريد ويشرح ما يعتقد في أهمية تفاصيله، وبعدها يستمع إلى الأسئلة التي نرغب في الحصول على إجابات لها. تكلم السيسي بنبرات هادئة واثقة متزنة، تنطق بقوة شخصية، وأفصح كلامه عن عقلية منظمة مرتبة وعن أفكار ذات مقدمات منطقية، وتصورات تستند إلى رؤى واقعية. 
‏ما لفت نظر رزق وقتها هو إلمام السيسي غير المحدود بالأوضاع في مصر، والأزمات التي نعيشها قبيل الثورة بسنوات وما بعدها، ثم توقعاته لمجريات الأحداث وتداعياتها في المستقبل القريب. ورغم الصورة التي ظهرت معالمها قاتمة إلى حد كبير، بالأخص في جانبي الصحة والتعليم والمخصصات المالية الهائلة المطلوبة للنهوض بهما، كان السيسي متفائلا بقدرة مصر على نفض هذه العوائق، والنهوض والانطلاق بالبلاد إلى حيث يجب أن تكون. كان السيسي يتكلم وكنت أطل على النقاط التي دونها في مفكرته بالألوان الزرقاء والخضراء والحمراء، ولاحظت أن خط يده واضح وصريح وان حروف كتاباته منمقة وأنيقة. أبحر السيسى بنا بين شواطئ عدة داخلياً وخارجياً، مرتكزاً على أرقام وبيانات دقيقة توافرت له بحكم عمله، وكان يطل أحيانا على التاريخ متقصياً جذور بعض القضايا والموضوعات، واكتشفت وزملائي أنه يتمتع بثقافة رفيعة، معجونة بولع بتاريخ مصر ووعى بذروات مجدها، وعرفت في عجالة أنه من أبناء منطقة الجمالية بالأزهر في قلب القاهرة الفاطمية.

 

فرص ضائعة

 

ويكمل حديثه ويقول: يصعب أن تنظر في عيني السيسي إلا للحظة واحدة، تكفيك أن تعرف صلابة عزم هذا الرجل ذي العينين العميقتين والنظرات السديدة نحو مراميها. بدا السيسي مؤمناً بمستقبل زاهر لمصر، وكنت لا أجد سنداً قوياً له على أرض الواقع يعزز هذا الإيمان، إلا الثقة الكاملة في عبقرية شعب مصر. وبدت عاطفة السيسي جياشة، وكأنه زعيم وطني قفز من صفحات تاريخ القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين إلى قلب الواقع في مستهل القرن الحادي والعشرين. أخذت أتفكر في كلام السيسى وسرده لما تعرضت له مصر منذ عدوان 1967، وما تحقق لها بنصر أكتوبر 1973، ثم انتهاء حكم السادات باغتياله على يد الجماعات المتطرفة، وتقييمه لما جرى في عهد مبارك والفرص التي ضاعت على البلاد في 30 عاما مضت. ثم انتقل من سرده إلى تحليل ما جرى في السنوات العشر الأخيرة لحكم مبارك، ومقدمات ثورة يناير.

استبصار مستقبل

وطرح السيسي رؤيته لما هو متوقع إذا تركت الأمور في مسارها الخطر الذي يهدد بكارثة، ثم عرض بوضوح ما هو مطلوب من كل فئة في المجتمع، وما هو منشود من القوى السياسية والجهات الاقتصادية وركز بصفة خاصة على وسائل الإعلام والإعلاميين. وبدا السيسي ملماً بخريطة الحكم والسلطة في مصر ومدركا لأهمية دور مؤسسات الدولة المختلفة مع القوات المسلحة في احتضان دعائم الدولة ومنعها من التداعي، حتى يمكن اجتياز المرحلة الانتقالية واختتامها بتسليم الحكم إلى السلطة المدنية المنتخبة التي يرتضيها الشعب وهي البرلمان والرئيس. أثناء حديث السيسي، قاطعه أحد الأساتذة الحاضرين بحفنة أسئلة، لا معنى لها ولا جدوى -في رأيي- سواء من الجانب السياسي أو الإعلامي، ووجدتها محاولة لتقديم الذات إلى مجموعة من الحكام الجدد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة ولم أستطع منع نفسي من أن أقاطع الأستاذ الجامعي، وأن أطالبه بإدخار أسئلته لوقتها، وبعدم إخراج المتحدث عن تركيزه وتسلسل أفكاره ومعلوماته، التي بالقطع يتشوق إليها الجميع سواء كرجال سياسة أو صحافة. وحينما جاء أوان الأسئلة. سأل كل منا عما يريد من إيضاحات، وعما يعن من استفسارات،  ولم يبخل أحد من أعضاء المجلس الحاضرين بالإجابات، دون إعطاء بعض تفاصيل عما لم يحن الوقت بعد للكشف عنه. ولم يتعلل أعضاء المجلس بأعذار عن أخطاء ارتكبت في الأسابيع الأولى التوليه مسئولية إدارة شئون البلاد.. بل اعترفوا بصراحة بالأخطاء، وأرجعوها إلى نقص خبرتهم بشئون السياسة والحكم المدني. له ووجدت نفسي أقترح على الحضور الالتقاء بمن وصفته بـ "شخصية هي الأهم في الصحافة العربية والأقدر على التحليل واستبصار مستقبل الأحداث من بين المفكرين ورجال السياسة، بحكم قدراته الخاصة واقترابه اللصيق من دوائر الحكم منذ الحرب العالمية الثانية"، وقلت إن هذه الشخصية هي أفضل من يفيد المشير طنطاوي وأعضاء المجلس في تقديم الخبرة والمشورة السياسية.
انبرى اللواء محمد العصار ضاحكا وهو يقول: "طبعا، أول حرف من اسم هذه الشخصية هو الأستاذ محمد حسنين هيكل! "لاحظت وجه اللواء السيسى يحمر بزملائه في لمحات خاطفة. اعتقدت وقتها أن أعضاء المجلس الحاضرين أو غيرهم، قد التقوا بالأستاذ هيكل واستمعوا إليه، وفيما بعد تأكدت أن اعتقادي كان سليماً، وأن المشير وأعضاء المجلس، وفي مقدمتهم السيسي يكنون احتراماً شديداً للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، أو "الأستاذ" كما نسميه نحن من أهل الصحافة، وكما صار اسمه لدى كبار قادة القوات المسلحة.. وعرفت أن اللواء السيسي جلس إليه عدة مرات، منها جلسة استمرت 6 ساعات كاملة، وأن الأستاذ جلس إلى المشير طنطاوى عدة مرات.

 

هيكل والمشير


علمت أن في أول لقاء قال المشير لهيكل: "قل لي يا أستاذ ماذا نفعل؟".. فرد عليه هيكل: "قل لي أولا يا سيادة المشير ما الذي تقدر عليه وما الذي لا تستطيعه، حتى أقول لك ماذا تفعل؟!" .. وكان كلام هيكل هو رأس الصواب وعصير الحكمة، في ذلك الوقت وفي أي وقت.
أثناء نزولي من الدرج العالي لمدخل فندق "تريومف"، سألت صديقي القديم الدكتور عمرو الشوبكي: ما رأيك؟ فبدأ يتحدث عن خارطة الطريق التي وضعها المجلس الأعلى للقوات المسلحة للمرحلة الانتقالية، وكان رأيي الخاص أن هذه الخريطة هي رفع لبناء من قبل إرساء الأساس، لكني قلت للشوبكي: أسالك عن رأيك في الرجل وفهم الدكتور عمرو مقصدي قائلا: تقصد اللواء السيسي..؟! وأخذت أنا وعمرو نتبارى في سرد مناقب هذا القائد الشاب الهادي المثقف المتزن، المفعم بالوطنية، وصاحب الرؤية السياسية والاقتصادية الواضحة. وقلت للشوبكي: هذا الجنرال الشاب هو طبعة حديثة عصرية من الجنرالات العظام في تاريخ العسكرية المصرية.. وأظن طريقه نحو قمة المناصب العسكرية، هو "أوتوستراد" متسع..!

إعجاب متبادل

يحكي ياسر رزق أنه طوال طريق عودته إلى مكتبه كان يسأل نفسه ويقول: "لماذا لا نجد شخصية كهذا الرجل على رأس سلطة الحكم في مصر .. ولكن كيف هو السبيل؟" بعد أسابيع من هذا اللقاء عرفت قصة الجنرال الشاب، وتقدير الموقف الذي توصل إليه تنبأ بثورة ٢٥ يناير، وعندما سألت حينئذ اللواء السيسي عن تلك القصة ولقائه يومها بالمشير طنطاوي اكتفى بأن أكد صحتها. في الليل وعقب انتهاء لقاء (٤+٤)، اتصلت برجلين من أعز من عرفت من رجال، هما الأستاذ هيكل والفريق عبدالعزيز سيف الدين. إذ عرفت "الأستاذ" هيكل منذ صبای عبر مقالاته ومؤلفاته التي هي بحق سجل تاريخ مصر والمنطقة العربية على الأقل في النصف الثاني من القرن العشرين. ثم تعرفت عليه عام ١٩٩٩، حينما فاز بجائزة نقابة الصحفيين التقديرية التي دشنتها النقابة لأول مرة في ذلك العام كتقليد نقابی جدید، وكنت حينئذ عضواً بمجلس النقابة ومسئولاً عن جوائز النقابة الصحفية. غير أن علاقتي بالأستاذ توثقت للغاية منذ الأيام التي سبقت ثورة ٢٥ يناير، وما بعدها، بعد أن توليت منصب رئيس تحرير "الأخبار" وقبلها كنت أتلقى عبارات إشادة وثناء منه عن طريق تلامذة له وأصدقاء لى، على جهودي في مجلة الإذاعة والتليفزيون التي ترأست تحريرها منذ أغسطس ٢٠٠٥ وحتى فبراير ۲۰۱۱ منذ ذلك الحين وحتى رحيل الأستاذ 16 فبراير ٢٠١٦  لم يفت أسبوع إلا وكنت ألتقى بالأستاذ هيكل في مكتبه، وأحيانا أتناول معه الطعام في منزله بالشقة الملاصقة لشقة المكتب في الجيزة المطلة على نهر النيل، أو كنت أزوره وأجلس إليه في عزبته بـ "برقاش" التي شهدت رسم جانب من تاريخ مصر والمنطقة، في لقاءات مع عبدالناصر والسادات أو زعماء العالم ومنهم الرئيس الأمريكي نيكسون ووزير خارجيته كيسنجر . وفي الصيف، اعتدت أن أذهب إليه في فيلا المصيف الخاصة به في قرية "الرواد" بالساحل الشمالي، إما منفرداً أو مع صديقي العزيز وتلميذه الكاتب الكبير عبدالله السناوي. صارت علاقتي بالأستاذ أقوى من علاقة تلميذ شغوف بأستاذ لا نظير له، وأقرب إلى علاقة ابن بأبيه الحنون والحكيم والسند. قلت للأستاذ هيكل في المكالمة عقب لقاء فندق "تريومف"، موجزاً شديداً لما جرى ودعاني إلى لقاء بمكتبه في اليوم التالي، لنتحدث بالتفاصيل  وظهر اليوم التالي ذهبت إلى مكتب الأستاذ، وجلست إليه أمام مكتبه الذي ترتفع من خلفه على الحائط، خريطة تاريخية لمصر، لعلها رسمت في عصر الرومان. قلت للأستاذ ما عندي من أخبار ومعلومات وانطباعات وكشفت له عن انطباعي عن اللواء السيسي، ووجدت الأستاذ يبادلني نفس الانطباع، وعرفت منه أنه كان يطلب من المشير طنطاوي أن يحضر لقاءهما معا، الجنرال الشاب "ذو العينين الذكيتين" تشجعت بكلام "الأستاذ" وقلت له: "تصور أن إعجابي بهذا الرجل وصل إلى أني تمنيت أن يصل إلى سدة الحكم"! لمعت عينا الأستاذ هيكل، بتلك اللمعة التي لم أشهدها عند غيره، والتي تكشف عن معجون ذكاء بدهاء بخبرة بحكمة بجاذبية بخفة ظل! ثم قال لي في عجلة: "احتفظ بأمنياتك لنفسك، واوعى تكون فاتحت أحداً من أصدقائك الجنرالات أو من زملائك، بهذا الأمل أو الأمنية، إذا كنت تحب هذا الرجل وتعتقد في قدراته ووطنيته". بعد ذلك ربما بأسابيع أو شهور عرفت من هنا ومن هناك معلومات تكشف لى عمق العلاقة التي جمعت اللواء السيسي بـ "الأستاذ"، وتوثقت أكثر فأكثر حتى رحيل الأستاذ هيكل.

آراء سديدة

يقول ياسر رزق أنه علم فيما بعد أن اللواء عبدالفتاح السيسي من أشد المعجبين بمقالات الأستاذ ورؤاه وأفكاره، وأنه طالع جميع مؤلفاته أكثر من مرة. وحينما تولى السيسي منصب وزير الدفاع، لم يتردد في أن يفصح لي في حواره الأول للصحافة الذي اختصنی به حينما كنت رئيساً لتحرير "المصري اليوم" عن اسم كاتبه المفضل وهو الأستاذ محمد حسنين هيكل. ولم يتردد حينما أصبح رئيساً للجمهورية في أن يقول في أحد حواراته معى وزميلي رئيسي تحرير الأهرام والجمهورية أن الكاتب الذي طالع كل مؤلفاته هو الأستاذ محمد حسنين هيكل، وحتى في اللقاءات العامة بعد رحيل الأستاذ. كان الرئيس السيسى يبادر بالترحم على هيكل، كلما جاءت مناسبة، معدداً مناقبه ككاتب ومفكر افتقدناه وافتقدنا إخلاصه وآراءه السديدة.

إعجاب شديد

ظهر نفس اليوم جمعتني مكالمة مطولة بالفريق عبدالعزيز سيف الدين الرجل الثالث في المجلس العسكري وقائد قوات الدفاع الجوى وأحد رموز العسكرية المصرية الحديثة ممن يحظون بالاحترام ويتمتعون بنزاهة الرأي والقصد والنفس. كان الحديث منصباً على لقاء الليلة السابقة بفندق "تريومف"، وتطرقت إلى شخصية اللواء السيسي، وأبديت إعجابي الشديد به. ولم يبخل الفريق سيف الدين في إسباغ الثناء على اللواء السيسي وشخصيته وفكره وقدراته القيادية. واتفقت مع الفريق سيف الدين أن التقيه في أقرب وقت، وقال لي: "سوف أدعو اللواء عبدالفتاح معنا". وأبديت سعادتي، متطلعاً لهذا اللقاء. منذ ذلك الحين.. وعقب هذا اللقاء الذي تم في دار الدفاع الجوى، تعددت لقاءاتي إما منفرداً أو بصحبة عدد محدود من الزملاء مع اللواء السيسي في فندق "تريومف" وفي مقر المخابرات الحربية بالقيادة المشتركة، وزادت معها قناعتي التي وقرت في وجداني منذ اللحظة الأولى. التقيته مرات عديدة في مقابلات خاصة وأخرى صحفية بمقر الأمانة العامة لوزارة الدفاع حينما أصبح قائداً عاماً، ثم في فندق الماسة حينما كان مرشحاً للرئاسة عام ٢٠١٤ ، ثم في مقر رئاسة الجمهورية بقصر "الاتحادية" بعدما أصبح رئيساً للجمهورية اعتباراً من 8 يونيو 2014.