الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أريد أن أرحل بسلام

نيفين منصور
نيفين منصور


أعلم أنني سوف أرحل عن هذا العالم يوما ما، ولكن كل ما أتمناه عندما يحين موعد رحيلي ،،  أن أرحل بسلام.. دون أن تكون رحلة النهاية محملة بالشقاء لمن حولي .. من هول ما رأيت  من ابتلاءات وأوجاع ومعاناة وصعوبة الفراق  في نطاق حياتي وحياة المقربين وغيرهم ،،تمنيت أن أرحل بسلام.. وأنا لا أحتاج لمن يخدمني .. ولا لمن يعاني في تدبير أموال لعلاجي كما رأيت في قصص متعددة .. ولا أن أجد نظرة البؤس في عيون من أحب وهم يعيشون بقلوب منفطرة منتظرين موعد رحيلي ..

كلنا نعلم أن الحياة الدنيا مرحلة وسوف تنتهي ومنا من يرضي بقضاء الله وقدره ومنا من يعترض ،، ولكن يظل ألم الفراق محفور في القلوب مهما مرت الأيام ،،، ليس اعتراضاً علي القدر وإنما حزنا لفقد من نحب،، عشت سنوات من الشقاء والألم عندما مرضت أمي حتي توفاها الله ،، ولم أنساها يوماً رغم أنها توفت منذ عدة سنوات،، لا تزال الذكريات تحاصرني ،، الشوارع التي كنا نمشي فيها ،، الأطعمة المفضلة لديها،، مواقفها معي ومع الجميع،، ذكريات محفورة لم تفارقني يوما ،، وازدادت بموت والدي .

ربما لأنني لا أحتمل ألم الفراق لم أتحمل أن أظل في نفس المنزل الذي ماتت فيه أمي ثم أبي ،، كان الحل الوحيد أمامي هو أن أبحث عن مكان جديد لعلي أجد فيه الراحة والطمأنينة التي أحسست أنني فقدتها برحيلهما،، ولكن كلما اضطرتني الظروف للمرور في نفس الأماكن التي كانت تجمعني بهما ،، يعود الألم والمرار ويستمر ويزداد من جديد،، رغم أنني أؤمن بقضاء الله وبأننا كلنا راحلون ولكن لكل منا موعد محدد ،، وتنتهي الحياة .

البعض يعاني كثيرا حتي موعد الرحيل ويعاني معه من حوله ،، ونقف في حيرة،، هل فتنة المرض ومحنة الألم تأتي للراحل ،، أم للراحل ومن حوله،، وفي الحقيقة الفتنة تأتي للجميع لكل منا نصيب منها بقدر ،، قد تأتي تلك المحن لنتعلم ،، أو لنتأهل للفراق،، فالبعض موت الفجأة يذهب عقله ،، ويفقده إيمانه،، فيأتي المرض رحمة للمريض ورحمة لمن حوله ،، والبعض يكون سببا رئيسيًا في مأساته عندما يرفض الحياة ويتمسك بالمرض دون مقاومة فيعاقب نفسه ويعاقب من حوله حتي يأتي موعده فيرحل تاركا آثارا قد لا يمحوها الزمن مهما مر تبقي في قلوب المقربين له.

الرحيل قادم لا محالة ،، ولكن لكل منا الاختيار إما أن يتحول إلي مأساة من المعاناة والاستسلام وإما أن يكون رحيل بسلام مهما كانت شدة المرض أو شدة المعاناة،، كل ما تحتاجه فقط لتمضي رحلتك بسلام أن تتمسك باليقين وبقناعة أن الدنيا إلي زوال ،، طالت أو قصرت ستنتهي ،، وأهم فقرات الحياة هي فقرة النهاية ،، تلك الفقرة هي حصاد العمر بأكمله ،، نقف فيها ننتظر قطار الرحيل لنعود من حيث أتينا إلي الحياة الحقيقية ،، حياة الآخرة ،، يقول المولي عز وجل في كتابه الكريم (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).