الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

يارا زكريا تكتب: يختارون حياة الآخرين

يارا زكريا كاتبة
يارا زكريا كاتبة صحفية

مما لا خلاف عليه أن المحور الرئيسي في حياة كل إنسان يدور حول «الوقت» فمن استغله في المنافع نجا في دنياه وآخرته، ومن استغله في ضرر أضاع الكثير على نفسه دون تغيير للحقيقة المؤلمة من أن الوقت لا يعوض وأنك محاسب عليه يوم العرض على ربك، فهل تستغله من أجل بناء حياة صالحة لك وكف الأذي عن غيرك، الذي لن تحيط بكل جوانب حياته، أم أنك تختار بكامل إرادتك أن تكرس وقتك لحياة الآخرين وليس حياتك وفي سبيل ضرر لا نفع.

في القرآن الكريم يقول -تعالي- في سورة الفجر: «يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي»، وفي الحديث عن عبدالله بن عباس - رضى الله عنه- قال رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لرجلٍ وهو يَعِظُه: «اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك».

لا تختار حياة الآخرين على حساب حياتك التي هي مجرد امتحان من ربك لك، تخيل أنك تستيقظ أو تنام وكل همك أن تتطلع على كل جديد فعله غيرك في يومه ليس لمجرد الاطمئنان عليه كشخص تعرفه، وإنما رغبة منك في مقارنة نتاج يومه بنتاج يومك، فأنت من قرارة نفسك لا تريد أن تقول: «لقد فعلت كذا في يومي من أجل كتابي» لكنك تثبت عملياً: «لقد فعلت أكثر أو أقل من عبد آخر»، فانت هنا تضع لنفسك مهمة لم يكلفك الله - عز وجل- بها، وهي مراقبة حياة الآخرين بدون داعي لذلك.

هذا الضرر يشملك بإضاعة وقتك الذي يشبه السكين -إن لم تمسكه من مقبضه قطع يدك بقطعته- في شيء لن يفيدك، ويشمل غيرك في أن وقتك عاد عليه بالضرر الناتج عن كثرة تركيزك السلبي معه، فقد تكون متابعتك المستمرة ليست من باب الاطمئنان والرغبة في الدعم أو الاقتداء به في جزء بعينه بقدر ما أنها وسيلة للحقد عليه أو حسده أو جعله مادة للغيبة والنميمة التي حذر منها الله، فقال - تعالى- في سورة الحجرات: «..وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)».

أما عن خطورة مقارنة النفس بالآخرين والتي يأسف أنها في كثير من الأحيان تكون نتيجة تربية خاطئة اعتقاد بأنها وسيلة «تقدم» لكنها في الحقيقة وسيلة «تشتت» فلكل إنسان ظروفه وحياة مختلفة، وقدرات خاصة تزيد أو تقل من وقت لآخر، وإنه اقتناعاً بعدل الله - عز وجل- بين عباده سينال الجميع نصيبه من الخيرات والابتلاءات فلا تقلق، وعلي سبيل المثال في وقت محنتك يكون غيرك بخير كي يسندك أو يسند من يحتاجون له، وكذلك في وقت محنته بالمثل، فكل شيء لحكمة ربانية تتيقنها من أسمائه الحسني.

 وهل تظن أو يصور لك عقلك أن غيرك عاش أو يعيش أو سيعيش حياة بلا تحديات  أو الآلام أو لحظات من الإحباط يتجاوزها بمعونة ربه ثم الأقربين، فلا تجعل المظاهر تخدعك خاصة عبر وسائل التواصل، فربما أنت تعلم من خلف الكواليس أن الكثرين مما حققوا إنجازاً أو أكثر عانوا الكثير في مقابل ذلك، وربما أنت لا يمكنك «تصوره» وليس «تحمله»، وكم أنهم سعوا بمفردهم كثيراً، حتى ذلك الغني بالمال فعقله قد لا يكون مستريحاً بقدر عقلك، ولا يتمتع براحة بال واطمئنان مثلك، ولا خلاف أن هذه نعم لا تقدر بثمن.

الميزان واحد فكن انت لحياتك ولا تكن لحياة الآخرين إلا في المنافع، ولا تعتبر أن تسليتك المستمرة بالتنمر عليهم أو النميمة والغيبة باستثناء الحالات المباحة كالاستفتاء والتحذير والتظلم هي خير لك، امسك عليك لسانك كي لا يخذلك الندم، ولا تعطي لمن يكثرون من الأحاديث العادية أكثر من وقتهم المستحق، ولا تسمح بدخول شخصيات سامة لحياتك، لكن في ذات الوقت احرص على الخير في أهله وغير أهله فانت تعامل الله الكفيل بمجزاتك خير الجزاء على ذلك، ولا تصادر على إنسان حقه في إدارة حياته فحياتك جديرة بكل لحظة منك.

 ونحن البشر لا يمكن أن نكون كاملين، لكن لا تجعل سيئاتك بسبب أذي لغيرك معنوي أوعملي، فحق العبد له قدسية خاصة عند ربه، واضبط يومك بمراقبة نفسك فتجعل في كتابك ما ترضيه لآخرة لا تعلم ميقاتها، وكن كما تحب أن تلقي الله قدر اجتهادك وسعيك ورضاك عن نفسك ومنافستك لها لا مقارنتك بغيرك، فانت يمكنك السيطرة على حياتك ولن تقدر بذلك على حياة الآخرين بنعمهم وابتلاءاتهم، كما أنها ليست مهمتك ولن تحاسب عليها، فدعونا نتمرن جميعاً على فضيلة الصمت والقدوة ونتذكر مقولة السلف الصالح: «اعمل لآخرتك كأنك تموت غدأ، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً».