الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الساحر.. يوسف إدريس

صدى البلد

ﻧﺠﺢ ﻳﻮﺳﻒ ﺇﺩﺭﻳﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ البسطاء من خلال بانوراما أدبية واسعة لفئات المجتمع المصري رصد بها التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتناولت أعماله المواطن المصري ﺑﺘﻨﻮﻳﻌﺎﺗﻪ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، وﺃﻓﺴﺢ  له ﻣﻜﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﺧﻴﺎﻟﻪ ﻭﺻﻮﺭﻩ ﻭﺃﻭﺭﺍﻗﻪ فالتقط نماذج في أغلبها مطحونة وتحمل قدراً كبيراً من المعاناة؛ حيث انحيازاته الانسانية التي تاتي انعكاسا صادقا لرقة مشاعر الأديب التي تهتز للضعف الإنساني.

 
وتميز أدب يوسف إدريس بقواعد الوصف السردي واهتم بالتفاصيل والجوانب التشريحية للشخصيات المحورية وكان  شديد الإخلاص لأبطاله لا يقحم عليهم أوصافا تنتمي إلى قاموسه النخبوي ككاتب مثقف وإنما يأتي بأوصافهم من عمق بيئتهم فهو يدخل الي اعماق ودواخل الشخصية وهذا ليس بالغريب عليه وهو الطيبب النفسي.
 

لذلك تمرد على السلطة اللغوية فلم يكن يسلم نفسه للغة صنعها الاخرون فبينما تنصلت قصص من سبقوه في مجال القصة القصيرة من العامية نجده يحتفي بها في كتاباته وهو ليس انحياز للعامية بقدر ما كان انحيازا للطبقات الكادحة والمهمشين فقد فصح تعبيرات عامية مصرية وادخلها الي ديوان العربية الفصحي في اعتراف متعمد بالعامية كاحد مفردات العربية الفصحي.


وهكذا صنع يوسف ادريس لادبه لغة خاصة به لاضافة الواقعية فاللغة  كانت فاعلة وليست ناقلة للفعل  وهي عبقرية اخري تحسب له فلجأ الي التعددية اللغوية باستخدم الفصحي في لغة السرد منتقلا بها من عليائها الي الحوار بالعامية.
وبرع في ﺇﻋﻄﺎء ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﺪﻻﻻﺕ العميقة وتفرد ﺃﺳﻠﻮﺑﻪ بخاصية الاحتفاظ بالقارئ وجذبه فالخيط في يده مثل الزمام الذي يمتلك ناصيته. 


استطاع ادريس استحضار الوجدان من ماضيه العتيد إلى حاضره ثم الارتفاع من حاضره إلى القمة التي وصل إليها العالم وهي الرؤية التي ترجمها في انتاجه الادبي فقد شهد نهج يوسف إدريس في كتابة القصة القصيرة تغيرا جذريا في نهاية الخمسينيات واوائل الستينيات حيث التصوير الواقعي  للحياة من خلال السهل الممتنع الذي لا يخلو من الرؤية الفلسفية. 


فلم يكتفي تشيخوف العرب برﺳﻢ ﺍﻹﻃﺎﺭ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﻟﻘﺼﺘﻪ  ﺑﻞ ﻳﻬﺘم بكافة التفاصيل الدقيقة من الجملة الي الكلمة ثم الصورة التعبيرية ويرتفع من ادق تفصيلة الي الظلال الجانبية التي تلقي علي الموقف الكثير من المشاعر والاحاسيس فيتنقل محلقا بقارئه من الواقع الي الخيال. 
وهكذا فقد اختزل الاديب يوسف ادريس القصة القصيرة وبحرها للامحدود في قطرة فكان كالحاوي كما وصف نفسه ومكانة متفردة لم يصل اليها احد في عالم القصة القصيرة الاصعب كتابةً وتكنيكاً  فاعطاها روحا جديدة ونقلها من موقعها الصغير الي موقعها الكبير في لالئ ابداعية. 
واستطاعت اعمال يوسف ادريس ان تصل بالقصة العربية الي العالمية من خلال الاعمال شديدة المحلية وهي المعادلة الصعبة التي نجح في  فك طلاسمها  بابداع شديد التفرد وليس هناك ابلغ من رواية الحرام فقد استطاع كاتب السيناريو والحوار سعد الدين وهبة أن ينفذ إلى جوهر رؤية يوسف إدريس ونجح المخرج هنري بركات في ترجمة العمل الادبي وتوظيف كافة ادواته بدءا من الابطال عزيزة وعبدالله  ناظر الزراعة الي الباشكاتب حتي الموسيقى التصويرية التي استخدمت الآلات الشعبية وأضافت إلى الصورة عنصراً جمالياً  جعل المشاهد يعيش الحدث مع شخوصه ليقدم الفيلم بانوراما رائعة لحياة عمال التراحيل بلا خطابة أو ثرثرة مبرزاً أشد اللحظات الدرامية في حياتهم ولذلك جاء فيلم الحرام الافضل ضمن قائمة افضل 100فيلم في تاريخ السينما المصرية.