الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الأعمدة السبعة للشخصية المصرية.. حكايات مجهولة عن العصر اليوناني الروماني|عروض كتب

صدى البلد

صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة كتاب الأعمدة السبعة للشخصية المصرية، للدكتور ميلاد حنا والذي تحدث فيه عن مراحل هامة مرّت بها مصر طوال تاريخها، إذ حاول من خلال كتابه كتابة تاريخ آخر لمصر، في محاولة منه للاقتراب أكثر من أسرار الحضارات الكثيرة التي مرت على مصر طوال تاريخها العريق.

 

في كتابه يتحدث عن العصر اليوناني الروماني، إذ يقول إنه لم تسلم المدن اليونانية من غزو الفرس - كامتداد لغزوهم لمصر فعندمى انتهى عهد «حكم الفراعنة، المصريين وكان الإغريق يرون في فارس عدوًا تقليديًا يجتهدون في الانتقام منه وقد استطاع، فيليب» قرر ملك مقدونيا أن يجمع ويعبىء كافة المدن اليونانية لغزو فارس، وعندما اغتيل قاد ابنة - الإسكندر، جيوش اليونان عام ٣٣٤ ق.م لغزو فارس وبدأت الولايات التابعة لها تتهاوى واحدة بعد الأخرى ابتداء من آسيا الصغرى (تركيا) ثم بلاد الشام (سوريا ولبنان وفلسطين) وعندما دخل مصر عام ٢٣٢ ق.م قام الوالي الفارسي بتسليمها له دون مقاومة واستقبله المصريون بالترحاب لتخليصهم من الاحتلال الفارسي.

 

تراكم حضارات

 

يضيف الكاتب: مايستلفت نظري -كقاريء للتاريخ - هو أن المصريين قد اتخذوا ذات الموقف عند فتح العرب مصر، وقد سلم الوالي البيزنطي مصر إلى عمرو بن العاص عام 641م (أي بعد نحو ألف سنة) وقد رحب المصريون (الأقباط) بالعرب لتخليصهم من «عصر العذاب العظيم» وهو حكم بيزنطة في تلك الحقبة، وكما سيأتي ذكره فيما بعد غادر «الإسكندر» مصر عام ٣٣١ ق.م ليواصل حروبه ضد الفرس وغداة وفاة الإسكندر عام ۳٢٣ ق.م اجتمع قواده في بابل لبحث مشكلة حكم الإمبراطورية المقدونية، واعترفوا بحق جنين «روكسانا» الفارسية، زوجة الإسكندر (إذا كان ذكرًا) في مشاركة عمه فيليب أرهيدوس، في الحكم وهكذا أمكن الاحتفاظ بوحدة الإمبراطورية المقدونية من ناحية الشكل ولكنها قسمت بالفعل بين قواد الإسكندر وكانت مصر من نصيب قائد يسمى بطلميوس. وهو مؤسس حكم البطالمة والذي دام نحو 300 سنة من ٣٣٣ ق م إلی ۳۰ ق.م، وقد تمكن بطلميوس الأول، من ضم بعض الأقاليم التي كانت تعتبر ملحقة لمصر كبرقة وجنوب سوريا وفينيقيا وفلسطين وقبرص، وقد زادت ارتباطات مصر طوال فترة حكم البطالمة مع اليونان ولذلك سميت تلك الحقبة بالعصر اليوناني حيث تأثرت مصر بالفكر والحضارة والفلسفة اليونانية كما سيأتي ذكره فيما بعد عند الحديث عن مكتبة الإسكندرية والتي ظهر اتجاه قوى الآن لإحيائها وقد تم بالفعل الاحتفال بوضع الحجر الأساسي لها في صيف ١٩٨٨ وذلك في ذات الموقع الشهير قرب محطة الرمل وهو الحي أو محطة الترام المسماة باسم سوتر، والذي يعني "المخلص"، وكان ذلك هو لقب بطلميوس الأول بالفعل، واستمر كل حكام هذه الفترة يحملون لقب بطلميوس من الأول حتى الثاني عشر. ومع تتالي السنوات إبان حكم البطالمة المتعاقبين ضمر نفوذهم كحكام في الوقت الذي ازداد فيه نفوذ روما إلى الحد أن كلا من بطلميوس السادس والسابع (۱۸۰ـ١٤٥ق.م) قد قبلا أن تفصل الدولة الرومانية في النزاع بينهما على حكم مصر واضطر بطلميوس الثاني عشر أن يدفع - نصف دخل مصر، إلى «يوليوس قيصر» لكي يثنيه عن غزو مصر.

أعلن قيصر اعتراف روما ببطلميوس الثاني عشر ملكًا على مصر وعند وفاته عام 51 ق.م تنازع ابنه مع ابنته، كليوباترا السابعة، والتي أصبحت ملكة وهي في سن السابعة عشر، وتزوجت أخيها وكان في سن العاشرة وكان لهما أخت في سن الرابعة عشر وأخ في سن الثامنة، وكان الجميع في انتظار ما سيسفر عنه الصراع بين القائدين الرومانيين بومبي ويوليوس قيصر، وعندما هزم بومبی سارع بالهرب إلى مصر باعتبار كونه الوصي  للأسرة المالكة المصرية ولكنه قتل في الطريق، وتبعه يوليوس قيصر وكانت كليوباترا الوحيدة من أفراد الاسرة المالكة التي سارعت لاستقباله ووقع في غرامها وانجبت منه طفلا اسموه قيصرون » وبعد وفاة يوليوس قيصر انتظرت كيلوباترا نتيجة الصراع في روما مع ماركوس أنطونيوس، ولما انتصر سارع إلى الإسكندرية وقابلته كيلوباترا وعاشا قصة حب شهدت أحداثها مدينة الإسكندرية ثم صار الحاكم المطلق للنصف الشرقي من الإمبراطورية الرومانية وبانتصار - أوكتافيوس، على أنطونيوس في موقعة أكتيوم عام 31 ق.م ودخوله الإسكندرية في العام التالي، انهارت دولة البطالمة في مصر الحقبة اليونانية الرومانية، وفي فترة حكم الإمبراطور الشهير نيرون (٥٤-٦٨ م) جاء القديس برش الرسول وبشر بالمسيحية في مدينة الإسكندرية وقد لقب بالرسولي من مطلق أنه كاتب الإنجيل المعروف باسمه وبواسطته ومن خلاله انتشرت المسيحية تدريجيًا في مصر ولكن الرومان قاموا بتعذيب المسيحيين وقاوموا الديانة الجديدة حتى بلغ اضطهاد المسيحيين المصريين اقصاء في الامبراطور دقلديانوس والذي اعتلى عرش الامبراطورية عام ٢٨٤ م من قبل مجازا أن دماء الشهداء كانت تسيل في الشوارع ، لكثرة عدد من استشهدوا ، ولذا أرخ الأقباط تقويمهم بدءا من هذه السنة وهو التقويم المعروف بتقويم الشهداء او التقويم القبطى وهو يستند إلى الشهور التي كانت مستخدمة قبل ذلك وهي توت، ولازالت هذه الشهور والمواقيت وهذا التقويم هو المستخدم عند الفلاح المصرى بصرف النظر عن الديانة وهكذا كان دخول اليونان ثم الرومان إلى مصر سبيلا للامتزاج الحضاري ، فأخذ اليونانيون والرومان عن المصريين علوم الفلك والعمارة والإنشاءات وغيرها، كما أخذت مصر بفكر الفلسفة اليونانية من خلال أساطيرها وقممها الثلاثة المرموقين: سقراط وأفلاطون وأرسطو ومن هنا فإن حضارة مصر الفرعونية القديمة قد انتقلت من خلال اليونان إلى الغرب وأوروبا فضلا عن انها قد تأثرت فيما بعد بحضارة العرب وهكذا ماوصلت اليه الحضارة الانسانية الآن من تقدم ماهو إلا تراكم للمعرفة البشرية في مراحلها المختلفة ، ولمصر إن تفخر بما قدمت من خلال الحقبة الفرعونية من خلال موقعها كجزء من صميم العالم العربي في عصور لاحقة ومن ثم فان الحديث عن الامتناع عن التعرف على الحضارة العالمية الغربية أو الأخذ بها ، اكتفاء بما لدينا من كتب وأرواق قديمة هو نوع من جلد الذات، لأن هذا التراث المسمى بالحضارة الغربية ماهو إلا تراكم حضارات قديمة متتالية ساهمنا نحن فيها كمصريين وكعرب . فلنا إذن كل الحق والمصلحة في التعرف عليها ومعرفة أسرارها ثم الانتفاع بها والإضافة إليها كأفراد أو كجماعات لأن هذا هو الأمر الطبيعي الذي يوفر السلام والتقدم والازدهار ويقرب بين الشعوب والحضارات لاكتشاف الأرضية المشتركة والتي تنمو وتتعاظم كل يوم ، وهو الانتماء إلى الإنسانية كلها وهذا ماسوف نشير إليه في الفصل الأخير ويبدو واضحا إذن أن إنتماء مصر إلى حوض البحر الابيض المتوسط ، ليس فقط من خلال التفاعل الحصاري في هذه الحقبة اليونانية - الرومانية

فضل مكتبة الإسكندرية
 

استمرت جامعة الإسكندرية منارة لنحو ثمانية قرون منذ أن أنشأها ليصبح عميدا لها فنقل إليها الطابع العقلي والعلمي الذي تميز به الفكر الأول - سوتير ، حوالی عام ۳۰۰ ق.م ثم أحضر لها وسترائون. الإغريقي وأصبحت الجامعة معهدا للبحث العلمي فكان بها مرصدا للفلك واهتمت بكافة أنواع العلوم والهندسة والرياضيات والفنون والآداب وحديقة للحيوانات ( لدراسة علم الحيوان ) وأخرى للنباتات ( لدراسة علم والفلسفة والطب والجغرافيا والموسيقى والتاريخ وغيرها وقد الحق بالجامعة ماكان يسمى بالمتحف Museum ثم مكتبة هائلة ۷۰۰ ألف كتاب كان اغلبها على هيئة مجلدات من البردي، وبعد ذلك تم إنشاء مكتبة اخرى عرفت بالمكتبة الصغرى - سرابيوم ـ بلغ عدد كتبها نحو ٤٠ ألف كتاب وكل ذلك موضع اختلاف واتفاق تاریخي ولكن مايعنينا هو إبراز أن هذه الحقبة كانت غنية بالفكر والمعرفة والعلم والاستنارة ضمت نحو ومن أساتذة جامعة الاسكندرية العظام كان . إقليدس ، صاحب النظريات الهندسية والرياضية المعروفة باسمه حتى الآن ثم بطلميوس الفلكي الذي أسماء العرب ببطلميوس القلوذي والذي وضع أعظم مصنف في الفلك المعروف بالمجسطى في 13 مجلدا ثم مصنف : المرشد في الجغرافيا ، وكذلك كان ارشمیدس السراقوسي من تلاميذ جامعة الإسكندرية وغيرهم كثيرون ، وبمناسبة وضع الحجر الأساسي لمكتبة الاسكندرية عام 1988 اعيد الحديث مرة أخرى عن مكتبة الاسكندرية القديمة ، ولعل أفضلها ماسجله د. لويس عوض، ويذكر البعض ما أصاب المكتبة الرئيسية عندما أمر يوليوس قيصر عام ٤٨ ق.م بحرق الأسطول الذي حوصر في الميناء الكبير ( الشرقي ) خوفا من أن يستولى عليه الأعداء فامتدت ألسنة النيران وأحرقت جزءا من المكتبة على أنه من المحقق أن مكتبة الإسكندرية نالها الكثير من الإهمال بعد الاحتلال الروماني اذ بدأت الكتب النادرة تتسرب في طريقها إلى روما. وفي عام ٢٧٠ م دمر الإمبراطور الروماني أوريليان الحي الملكي الذي كانت تقع فيه المكتبة انتقاما من المدينة إثر ثورة قامت بها فاضطر علماء دار الحكمة ومكتبتها إلى اللجوء إلى السرابيوم ورحل البعض الآخر إلى الخارج أيا ماكان الأمر فإنه وبفضل جامعة الإسكندرية ظلت الحضارة الإغريقية مزدهرة إلى العصر المسيحي لان جامعة الإسكندرية ظلت حاملة مشعل الحضارة والثقافة والعلم واستمرت باقية حتى عام ٥٢٩ م وهو العام الذي يؤرخ به عادة نهاية عصر العلم القديم والدخول في مرحلة ، العصور الوسطى - ومما هو جدير بالذكر أيضا أن جامعة الإسكندرية - وفي المرحلة السابقة لظهور المسيحية - قد قامت بترجمة التوراة من العبرية إلى اليونانية وهي الترجمة المعروفة باسم الترجمة السبعينية . فكان ذلك إضافة جديدة في عالم الدين يذكر بالفضل لمصر وجامعتها بالاسكندرية صورة نشاهد على قبر مهداة من المتحف القبطي بالقاهرة وهي لأحد أعيان الأقباط الملقب الآب بيجام أو أنبا ابرام وترجع للقرن السادس / السابع الميلادي ( قبل الفتح العربي ) مباشرة . وهذه الصورة تجسيد لفكرة الأعمدة السبعة ولتتالي وإستمرار رقائق وتتمثل الفرعونية في علامة غنخ ( الحضارات والتي كانت وقتها : الفرعونية واليونانية ثم القبطية ) الشهير ( مفتاح الحياة عند القدماء ) المسيحية . وقد رسمها الفنان القبطي على الجانبين بعد تطوير شكلها إلى صيغة أقرب إلى وفي أعلى اللوحة مكتوب باللغة اليونانية و الإله الواحد المخلص ، وفي وسط اللوحة رسم الصليب داخل إطار بمثل مدخل هيكل مع عنقودي عقب - إن هذه اللوحة هي تجسيد للرقائق الحضارية الثلاث وقتها.