نعيش اليوم زمنا غريبا تتغير فيه الموازين وتنقلب فيه القيم رأسا على عقب، زمن أصبحت فيه الشهرة ليست لأصحاب العلم ولا الموهبة ولا حتى للأشخاص الذين يقدمون قيمة حقيقية للمجتمع، بل صارت الشهرة لمن يملك القدرة على إثارة الجدل أو تقديم محتوى فارغ أو حتى فاضح.
أصبحنا نسمع كل يوم عن بلوجر جديد أو تيك توكر يثير ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتنتشر فيديوهاته بسرعة البرق، بينما هناك مئات الأشخاص الذين يقدمون محتوى علميا أو تعليميا أو توعويا لا يجدون من يشاهدهم إلا القليل.
والأغرب من ذلك أن المجتمع الذي ينتقد هؤلاء المشاهير هو نفسه السبب في شهرتهم. الناس اليوم لا تنتظر إلا ما يثير فضولها أو يرضي رغبتها في التسلية اللحظية، يضغط الواحد منا على زر المشاركة وينشر الفيديو المثير للجدل بين أصدقائه، ثم يعود في اليوم التالي ليتساءل: لماذا هؤلاء مشهورون ولماذا يسيطرون على السوشيال ميديا؟ الحقيقة أننا جميعا نشارك في هذه الدائرة المفرغة، ننتقد بألسنتنا ونصفق بأيدينا دون أن نشعر.
وكل يوم نسمع عن بلوجر اتحبس، فهل هو ظالم ام ضحية مجتمع مهد له الطريق؟ هل نستطيع أن نلومه وحده بينما نحن من صنع له الشهرة ومنح له الضوء الأخضر ليستمر في تقديم ما يثير الجدل؟ الحقيقة أن ما يحدث اليوم هو نتاج طبيعي لمجتمع منح الشهرة لمن لا يستحق، وأدار ظهره لمن يقدم ما يفيد.
ما يثير الحزن هو أن هناك أطباء يقدمون نصائح تنقذ حياة الناس، ومعلمين يشرحون العلوم بطريقة مبسطة، ومبدعين يحاولون نشر الأمل والمعرفة، ولكن لا أحد يلتفت لهم. لأن أغلب الناس صارت تبحث عن الضحك السريع أو الصدمة المؤقتة أو أي شيء يثير الحواس لدقائق، أما ما يفيد العقول أو يبني الشخصية فيحتاج صبرا واهتماما، وهذا ما لم يعد مرغوبا عند شريحة كبيرة من الجمهور.
لقد تحولنا إلى مجتمع متناقض، نلوم البلوجر والتيك توكرز على انحدار الأخلاق بينما نحن نمهد لهم الطريق، نستهلك محتواهم ونعيد نشره ونتحدث عنه في كل مكان، بينما نتجاهل تماما كل محاولة جادة لرفع الذوق العام أو تقديم قيمة حقيقية. أصبح زر الشير هو أداة صناعة النجوم في هذا العصر، وكل واحد فينا شريك في هذه الصناعة سواء أراد أم لم يرد.
إن الحل يبدأ من أنفسنا قبل أن نلقي اللوم على الآخرين. إذا أردنا أن نرتقي بالمجتمع فعلينا أن نعيد النظر في اختياراتنا على السوشيال ميديا، وأن نميز بين ما يرفعنا وما يهبط بنا، بين من يستحق الدعم ومن يستحق التجاهل. الشهرة سلطة، ونحن من يمنحها، فإذا توقفنا عن نشر التفاهة والجدل الفارغ، وبدأنا في دعم كل ما هو مفيد وهادف، سيختفي المحتوى الرديء تلقائيا.
زمن البلوجر والتيك توكرز ليس سوى انعكاس لذوقنا واختياراتنا، وإذا أردنا تغييرا حقيقيا فلنبدأ بأنفسنا، لأن أصابعنا على الشير هي التي تصنع المشهد كله.