الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المترجم علي بدر يشرح أسباب لجوء أوكرانيا لقتل ابنة المفكر الروسي دوغين

صدى البلد

بعد يومين من إعلان محققين روس مقتل داريا ابنة المفكر الروسي القومي المتطرف ألكسندر دوغين جراء انفجار سيارة كانت تستقلها خارج موسكو، أكدت أجهزة الأمن الروسية  أن الحادث "خططت له ونفذته الأجهزة الخاصة الأوكرانية". في المقابل سبق لمستشار الرئاسة الأوكراني ميخايلو بودولياك في حديث لتلفزيون بلاده الرسمي أن نفى الأحد أي علاقة لكييف بالأمر.

 

وفي منشور له على صفحته الشخصية “فيسبوك”  قدم الروائي والمترجم العراقي علي بدر وصفًا مطولًا حول أفكار المفكر دوغين، فقد ترجم بدر كتاب دوغين “الخلاص من الغرب الأوراسية.. الحضارات الغربية مقابل الحضارات البحرية والأطلسية”.

 

الحرب الروسية الأوكرانية

 

يقول في حديثه: “بعد اغتيال داريا ابنة المفكر الروسي ألكسندر دوغين، واتهام الروس لأوكرانيا بالضلوع بهذه الجريمة، بل اتهام زلنسكي شخصياً بأن الأوامر صدرت منه، أعتقد أن الحرب الروسية الأوكرانية ستأخذ منعطفاً أقسى من السابق. بسبب قرب ألكسندر دوغين من كبار الضباط في هيئة الأركان العامة أولاً، ولأنها أحياناً من القضايا العاطفية التي تخص شخصية بوتين، فهو يمزج في كثير من الأحيان القضايا الشخصية والعاطفية بالخيارات السياسية”.

هل يمكن أن يكون هذا الاغتيال قد صدر عن شخصيات كبيرة في الحكومة الأوكرانية، أنا أعتقد ذلك.

 

ألكسندر دوغين ومحاولة تقطيع أوكرانيا

 

يستطرد علي بدر : قبل رحلتي إلى روسيا وقبل ترجمتي لكتاب ألكسندر دوغين "الخلاص من الغرب، الحضارات الأرضية مقابل الحضارات الأطلسية والبحرية، التقيت مراسل الفينانشال تايمز الذي كتب كتاباً عن روسيا اسمه رياح سوداء وثلج أبيض، قال لي أن السكرتير الأول لوزير خارجية أوكرانيا بوتيكيو أشار لكتاب صدر حديثاً في روسيا اسمه الجغرافيا السياسية لكاتب يعد من الشخصيات المقربة من صنع القرار في روسيا وبدعم من هيئة الأركان العامة الروسية هو ألكسندر دوغين، وفي الكتاب يضع خططاً لتقطيع أوكرانيا، تتمثل إحدى المطالب المطلقة للجغرافيا السياسية الروسية في السيطرة الكاملة وغير المقيدة لموسكو على طول ساحل البحر الأسود الممتد من الأراضي الأوكرانية إلى الأبخازية ... يجب أن يكون الشاطئ الشمالي للبحر الأسود أوراسياً بشكل حصري. أي بمعنى أن الحرب الحالية المتمثلة بالسيطرة على سواحل البحر الأسود أشار لها دوغين كأهمية استراتيجية لروسيا قبل هذه الحرب بفترة طويلة.

 

الخلاص من الغرب

 

يضيف: كنت التقيت بـ ألكسندر دوغين في مكتبه في مكتبة عامة تقع في دير نوفوديفيتشي في موسكو، هو شخصية بسيطة ومرحة، أقرب إلى شخصية فنان منه إلى شخصية سياسي، له رأس كبير ولحية طويلة يذكر بالفلاسفة الروس في القرن التاسع عشر، يجيد التحدث بسبع لغات بطلاقة، وله معرفة موسوعية بالتاريخ والأدب والسياسة، منذ سنوات أشرت هنا الى أهمية قراءته وكنت ترجمت أهم كتبه، الخلاص من الغرب عن الفرنسية، لأن الفرنسيين وضعوا في هذا الكتاب خلاصة أفكاره وفلسفته ومنظوره فيما يطلق عليها بالأوراسية وهي قراءة لطبيعة الصراعات في المراحل القادمة والتي أراها الآن كما أشار لها وبالضبط.

تفكيك روسيا

 

من الملاحظ أن أول من انتبه لنظرياته هم العسكريون الروس والمخططون الاستراتيجيون، فهؤلاء كانوا مندهشين من تهديد الغرب لروسيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، ذلك أنه بالرغم من تحول روسيا إلى دولة ليبرالية وصعود سياسيين متغربنين كانوا يعملون بجد إلى دمج روسيا في الغرب والثقافة الغربية وعلى الرغم من كل التنازلات الروسية للناتو على الصعيد العسكري والثقافي والسياسي وحتى الاقتصادي إلا أن زحف الناتو على روسيا ومضايقتها وتهديدها، والاعتداء على مجالها الحيوي ومحاولات تفكيكها لم تتوقف.

 

حضارة متحصنة

 

يستكمل: من هنا انتبه العسكريون إلى الفكرة التي يطرحها دوغين حول الحضارات الأرضية والأطلسية، فبالنسبة إلى دوغين أن روسيا هي حضارة تللورية، هذه الحضارة متحصنة في أرضها وفي مكانها ويقوم وجودها على المحافظة على تقاليدها وهذا بحد ذاته يشكل تهديداً خطيراً للحضارات البحرية والتي يسميها الأطلسية وتسميتها في علم الجغرافية السياسية بالثالاسقراطية، فهذه الأخيرة تقوم بشكل لانهائي بمهاجمة الحضارات الأرضية، وبالتالي فإن هذا الصراع لن يتوقف أبداً حتى لو تغيرت الاتجاهات السياسية الروسية واستدارت بوصلتها نحو الغرب.

 

صعود بوتن

 

في تلك المرحلة كان بوتين قد صعد إلى السلطة السياسية بمساعدة الجماعات الوطنية والعسكريين والشيوعيين وجماعات الضغط من المثقفين والبرلمانيين الذين رأوا أن روسيا في طريقها إلى الانهيار، وهو سرعان ما تبنى من جانبه هذه النظرية وبشكل معلن سواء عن طريق السياسة أو عن طريق الخطاب.

 

إحياء تقاليد روسيا

 

ينهي حديثه ويقول: تقوم هذه النظرية إلى عودة روسيا إلى الجذور، وإحياء تقاليدها وإحياء وتمجيد أحد أهم منظريها هو ليف غومليف، ذلك أن ألكسندر دوغين في واقع الحال هو شارح وعارض لنظرية غومليف ومقدمها بشكل حديث للعامة في روسيا. ولكن نقطة الانقلاب الحقيقية في هذه النظرية وتحولها إلى واقعة عملية كانت في ورود أفكار غومليف في الخطاب السنوي الذي القاه الرئيس فلاديمير بوتين في العام 2012 أمام الجمعية الفيدرالية في قاعة سانت جورج المتلألئة في الكرملين. 

بعد سبعة أشهر من تنصيب الرئيس بوتين لولاية ثالثة كرئيس لروسيا أرسل إشارة خفية إلى بعض النخب السياسية الروسية المؤثرة بأن الأفكار الجديدة قد وصلت معه إلى السلطة. هذه الأفكار التي اعتبرت قبل بضع سنوات فقط هامشية، أما الآن فهي ليست رسمية فقط إنما هي إيذان بنهاية عصر الوطنية المدنية غير المؤدلجة وصعود عصر القومية المدوية، وصعود الفضائل القتالية للتضحية والانضباط والولاء والبسالة.