الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التغير المناخي والاقتصاد الأخضر في مصر

د. نورهان موسى
د. نورهان موسى

لقد أصبح لدي الجميع حول العالم الوعي الكامل بوجود أزمة مناخية تمر بها الأرض، وأن هناك تغيرا مناخيا نتيجة سياسات الحضارة الإنسانية أودت بنا إلى ما يعيشه الجميع اليوم من تقلبات وظواهر مناخية لم تكن موجودة من قبل. وفي مصر ومع وضع الدولة لرؤية 2030، والبدء في تنفيذ سياسات من شأنها تحقيق أهداف التنمية المستدامة، واتخاذ خطوات غير مسبوقة تهتم بمعالجة آثار التغير المناخي في مصر وتتوج هذه الخطوات بقمة المناخ Cop27 في نوفمبر المقبل، أصبح لدى المجتمع الوعي الكافي بإقرار وجود التغير المناخي والشعور به مع التقلبات التي نشهدها في فصول السنة الأربعة.


ويعاني العالم اليوم من آثار التغير المناخي الناتج عن أسباب كثيرة، منها توليد الطاقة لعقود طويلة عن طريق الوقود الأحفوري مثل الفحم والغاز والزيت، وهو ما ينتج عنه غازات دفيئة قوية تغطي الأرض وتحبس حرارة الشمس. يضاف إلى ذلك الصناعات التحويلية مثل الأسمنت والحديد والصلب والإلكترونيات والبلاستيك والملابس وغيرها والتي ينتج عنها انبعاثات ضارة نتيجة توليد الطاقة لدعم هذه الصناعات. كذلك الاعتماد على وسائل النقل التي تسير بتوليد الطاقة من الوقود الأحفوري وهو ما ينتج عنه انبعاثات كربونية هائلة تزيد من الاحتباس الحراري، فضلا عن القطع المستمر للغابات والأشجار حول العالم وهو ما يخل بالنظام البيئي. 


ويحسب للإدارة المصرية منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي المسئولية أنها وضعت ضمن أولويات عملها، معالجة آثار التغير المناخي بالقضاء على الأسباب بشكل تدريجي سواء من ناحية القوانين والتشريعات ومن ناحية السياسات التي تتجلى في استراتيجية التغير المناخي 2050 والسعي نحو اقتصاد مستدام وأكثر أمنا من الناحية البيئية، وكذلك الجانب التوعوي لتوعية المواطنين بضرورة تجنب السلوكيات التي من شأنها زيادة نسب الانبعاثات الضارة بالبيئة والتي تزيد من حدة هذه الآثار.


وقد تضمنت الاستراتيجية الوطنية للتغير المناخي 5 أهداف رئيسية تنبثق منها أهداف فرعية، ويعتبر الهدف الرئيسي الأول تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتنمية منخفضة الانبعاثات في مختلف القطاعات، والثاني بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ وتخفيف الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ، والثالث تحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ. ويتمثل الهدف الرابع في تحسين البنى التحتية لتمويل الأنشطة المناخية، والترويج للأعمال المصرفية الخضراء المحلية، وخطوط الائتمان الخضراء، إلى جانب الترويج لآليات التمويل المبتكرة التي تعطي الأولوية لإجراءات التكيف. أما الهدف الخامس يهتم بتعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة والوعي لمكافحة تغير المناخ، وتسهيل نشر المعلومات المتعلقة، وإدارة المعرفة بين المؤسسات الحكومية والمواطنين، وزيادة الوعي بشأن تغير المناخ بين مختلف أصحاب المصلحة.


وضمن الخطط التي تنفذها الدولة في إطار تحقيق أهداف استراتيجية التغير المناخي هو بناء اقتصاد أخضر، وهو اقتصاد يؤدي إلى تحسين رفاهية الإنسان والمساواة الاجتماعية، مع الحد بشكل كبير من المخاطر البيئية وندرة الموارد البيئية، ومع ذلك فإن الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر يتطلب ظروف تمكين محددة تتكون من اللوائح والسياسات والدعم والموارد والحوافز والهياكل القانونية والتجارية الدولية وبروتوكولات المعونة والتجارة، حسبما عرفته الأمم المتحدة.


لم تقتصر جهود الحكومة المصرية على وضع السياسات فقط وإنما شملت خطوات ومشروعات تم تنفيذها، فعلى المستوى المالي أصدرت مصر في سبتمبر٢٠٢٠ أول سندات خضراء بقيمة بلغت ٧٥٠ مليون دولار لتمويل مشروعاته، واعتبرتها مؤسسة ستاندر آند بورز العالمية واحدة من بين ٣ إصدارات للسندات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعلى مستوى الصناعة تسعى مصر نحو التحول إلى مركـز إقليمي لتلك الصناعة على مسـتوى إفريقيا والشرق الأوسط، حيث يقدر عدد المركبات الكهربائية خلال عام ٢٠٢٠ بحوالي أكثر من ٦٠ أتوبيسًا وأكثر من ٢٠٠ سيارة، فيما بلغ عدد محطات الشحن للسيارات الكهربائية حوالي أكثر من ١٥٠ محطة شحن. وفيما يخص توليد الطاقة تسعى الدولة نحو التوسع في الاعتماد على الطاقة المتجددة والنظيفة، بحيث تقدر نسبة اعتمادها بحوالي ٢٠٪ من مزيج الطاقة الكهربائية، وتهدف إلى الوصول لنسبة ٤٢٪ بحلول عام ٢٠٣٥. كذلك اهتمت الدولة بمجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث عقدت الحكومة اتفاقية لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر بكميات تتراوح بين ٥٠-١٠٠ ميجاوات، كمادة وسيطة لإنتاج الأمونيا الخضراء، وبالشراكة بين كل من صندوق مصر السيادي، وشركة سكاتك النرويجية للطاقة المتجددة. وبشكل عام تخطط الحكومة لدمج البعد البيئي في مشروعات الوزارات، حتى تصل ٥٠٪ من مشروعات الوزارات المختلفة لمشروعات خضراء خلال الفترة المقبلة.


إن وضع الدولة المصرية الأولوية للتحول نحو الاقتصاد الأخضر أمر في غاية الأهمية، في ظل ظروف بيئية صعبة يعيشها العالم لها آثار اقتصادية واجتماعية كبيرة، وهو هدف ليس بمستحيل تحقيقه. وعلى الدولة الاستمرار في هذا النهج ودعمه من خلال زيادة توعية أصحاب المصلحة ، مواطنين ورجال أعمال وموظفين داخل مؤسسات الدولة، بأهمية الاقتصاد الأخضر والذي يحقق تنمية مستدامة تعود بالنفع على الاقتصاد المصري.