الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تجفيف منابع التطرف

خالد الشناوي
خالد الشناوي

ودعنا بالأمس العالم العابد الزاهد فضيلة الشيخ الدكتور أسامة عبدالمقصود أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر الشريف، هذه الجامعة العريقة التي لم تعقم أرحامها من العلماء العاملين جيلا بعد جيل، وفي الحقيقة لم أكن أسمع عن الرجل قبل ذلك لا من قريب ولا من بعيد ولذا لم ألتق به جراء عدم سماعي عنه أو معرفتي به.

وإثر تناقل رواد السوشيال ميديا خبر وفاته وكانت الارهاصات المبدئية أنه ينتمي للتيار السلفي!، ولكوني لا أحب الجمود الفكري ولا أميل للتشدد وحملة أفكاره تريثت في نعي الرجل من خلال صفحتي الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي"فيس بوك" وإن كنت لاهجا له بالرحمة والمغفرة وكل موتى المسلمين..

ولكن توقفي في النعي كي أستبين منهج الرجل وحقيقة محاولة البعض الزج به في بوتقة الجمود الفكري والدعوي!
ولكن ساعات قليلة حتى هدأت العاصفة وانزاح الغبار شيئا قليلا وانكشف الجو فأصبح صحوا وهدأت الألسن وأغمدت الأسنة في جواربها وبدأت الأقلام الواعية والألسن الناضجة تأخذ طريقها نحو الثناء على الرجل بذكر مناقبه ورحلته العلمية وزهده وورعه وعبادته وبعده عن الأضواء والشهر، رافسا الدنيا وزينتها رغم أن الله أمرنا بعدم نسيان نصيبنا منها، إلا أنه فضل الاعتكاف في محرابي العلم والعبادة .

حتى أن البعض أطلق عليه"صوفي السلفية_ولم أقصد من ذكر هذا هنا إثارة النعرات المذهبية والفكرية وإنما تسليط الضوء على بعض جوانب الفكر المضيئة في حياتنا والتي تقبل الرأي والرأي الآخر بما لا يضر نصوصا ثابتة أو يخالف إجماعا.

وبقراءة متأنية في حياة الرجل، نجد أنه يقول بمذهب الأشاعرة وهو مذهب الجمهور مذهب أهل السنة والجماعة، أي جماعة المسلمين الحقيقية التي ترتكن إلى الثوابت وإلى الوسطية والاعتدال لتعكس صحيح الدين كما كان عليه المسلمون الأوائل..

فلسنا أوصياء على عقائد الناس ولم تعد هناك أصنام تعبد من دون الله وهذا هو ما وعدنا به رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة الوداع حين قال:"وإني لا أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا فيها كما تنافس من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم"!

لقد سألت نفسي أسئلة كثيرة لعل من أهمها: ما سر القبول الذي وضع في الأرض لهذا الرجل؟
وما سر إجماع كل أصحاب المذاهب الفكرية على صلاحه؟
ولعل الإجابة تكمن في الآتي:
١_أزهرية الرجل والتي لا شك أنها أصقلته فكريا ودعويا .
٢_ تخصصه أكاديميا في قسم أصول الفقه وهو تخصص من الأهمية بمكان لكونه يعد ميزانا مرجحا لأهل الفقه والتشريع فيما يصدرونه من فتاوى وأحكام .
٣_إخلاصه فيما بينه وبين ربه سبحانه وتعالى في كل أحواله كيف لا... والإخلاص سر بين العبد وربه لا يطلع عليه شيطان فيفسده أو ملك فيكتبه؟
٤_اعتكافه في محرابي العلم والعبادة فلم يحمل نفسه ثقل تكفير الغير كما فعل أشباه العلماء ولم تخرج منه ولو فتوى واحدة بذلك.. كيف لا وهو عالم انشغل بنفسه وإرشاد غيره بوسطية لا تعرف الغلو والتطرف؟

وبعد هذا كله لا أجد بدًا من دعوة كل المذاهب الفكرية للتخلي عن نعراتها وتجديد خطابها ولعل وفاة الرجل بهذه الكيفية وثناء الناس عليه وتقاتلهم على حمل جثمانه المسجى لهو إيقاظ للمغيبين في ظلام ليل التشدد وردهم إلى الوسطية ردا جميلا .

كلمة ختام:_
إذا كان الإسلام يلفظ التشدد ويحارب التطرف بكافة أشكاله وصوره ويدعو أبناءه إلى الوسطية تحقيقا لمقصد هذا الدين العظيم بعد أن عمت رسالته النورانية أرجاء الدنيا فإن من الواجب على أتباعه:_
١_العودة الصحيحة إلى فهم نصوص الكتاب والسنة، ففيهما الشفاء من كل داء، حتى يتبين للغلاة ما هم عليه من الباطل بالحجة الدامغة والبرهان القاطع. 
٢_ضرب الأمثلة لحال بعض الغلاة ومآلهم الذي صاروا إليه حتى يتعظ بهم غيرهم. 
٣_الاستشهاد بما كان عليه الرعيل الأول من الأمة من غير إفراط ولا تفريط. 
٥_بيان الآثار الناتجة عن الغلو والتطرف وخطرهما على الفرد والمجتمع من باب الترهيب منه والتحذير من أسبابه .
٦_تجفيف كل منابع التطرف وتجميد أواصره و مواصلة إفساح الطريق أمام الأزهر الشريف لنشر الوسطية ووأد كل فكر متطرف هنا أو خارج هناك.