الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أنباء سيئة لـ ريشي سوناك.. لماذا ستظل بريطانيا أسيرة فوضى جونسون - تراس لفترة أطول من المتوقع؟

ريشي سوناك وليز تراس
ريشي سوناك وليز تراس

عادة ما تخلف الصدمات الكبيرة وراءها أثرا عميقا، وينطبق هذا على كل من الحياة الشخصية للأفراد والحياة السياسية للأمم، فلم تنته بعد الآثار المأساوية والهزلية معًا لأزمة السلطة الممتدة منذ عدة أشهر في بريطانيا، بل إنه من المرجح أن تتصاعد وتيرتها أكثر فأكثر، حتى بعد انتخاب ريشي سوناك زعيمًا لحزب المحافظين ورئيسًا للحكومة خلفا لليز تراس.

وذكرت صحيفة الجارديان البريطانية، أن أكثر ما يميز هذه الفترة وما ستعرف به مستقبلا هو تحمل السياسة البريطانية ما يشبه أعراض اضطراب ما بعد الصدمة.

بريطانيا واضطراب ما بعد الصدمة

وقد عاشت دول عدة في حالة من الخوف الشديد المسيطر على الوجدان الجمعي لشعوبها، فألمانيا الحديثة تعيش عقدة رفض النازية منذ عقود بعد سقوط هذا التوجه إثر هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وما زالت كارثة حرب فيتنام تشكل وصمة في جبين الولايات المتحدة، وتعرف الفترة مابين عامي 1598 و 1613 في التاريخ الروسي بـ "حقبة الأزمات"، ويحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تثبيت أركان حكمه بالتأكيد على أن هذه الفترة لن تعود مطلقا.

ومن المهم أن يتأمل البريطانيون التدهور الذي شمل كافة مناحي الحياة إبان فترتي حكم رئيسي الوزراء السابقين بوريس جونسون وليز تراس على السواء، وأن يدركوا الآثار طويلة الأمد المترتبة على فشل رئيسي الوزراء والأسباب التي أطاحت بهما من السلطة دون النظر إلى الاعتبارات الحزبية، فالمسئولون يأتون ويرحلون ولا تبقى إلا معاناة الشعب من اقتصاد أصبح مستقبله على المحك، ويتطلب هذا الإدراك امتلاك رؤية واضحة لمدى تأثير أحداث هذا العام على من سيحكمون البلاد لبقية العقد وما بعده أيضا.

ويمكن القول بكل ثقة إن كوارث حكام حزب المحافظين سيُنظر إليها كـ "حقبة لن تتكرر مطلقا" حسب التعبير المأثور، ليس فقط داخل الحزب بل في مستقبل البلاد بشكل عام، وتنضم فوضى أحداث 2022 لسابقاتها التي اندلعت في فترات تاريخية مختلفة، مثل فترة حرب العراق عام 2003 والأزمة الاقتصادية عام 1981 وأزمة تأميم قناة السويس عام 1956، والتي تعد بمثابة علامات طريق تحذيرية تشكل سياسات الإدارات الناجحة لوقت طويل، وبنوع من الحذر ستُروى أحداث هذا العام الذي تعاقب فيه عدة رؤساء حكومات ووزراء، لتفيد منها الحكومات المستقبلية وليست حكومة ريشي سوناك المشكلة حديثًا فحسب.

وهناك محاور يجدر أخذها في الاعتبار عند الحديث عن أثر ممتد وقوي وربما غير متوقع لفترتي جونسون وتراس، ويأمل البعض في أن تؤدي الاضطرابات إلى تغير ملحوظ يرغب الجميع في رؤيته في السياسات العامة وهذه المحاور هي:

حزب المحافظين

رغم استمرار دعوة جيريمي هانت وزير المالية البريطاني وعضو حزب المحافظين، للتضامن تحت مظلة الأمة الواحدة المحافظة، فإن فرص تحقيق هذه القيم التقليدية ضعيفة، فالحزب أصبح يميني التوجه، ورغم سقوط ليز تراس يظل تقديس الملكية الفردية المستمدة من حقبة رئيسة الوزراء السابقة مارجريت تاتشر هي التوجه السائد لدى الكثيرين داخل الحزب.

ولم ينجح التدخل المالي على خلفية التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا وأيضا لضبط أسعار الطاقة، وكذلك غضب الأسواق من قرارات التخفيضات الضريبية في الموازنة، في تغيير هذا الواقع، فالمحافظون الذين طالبوا بضرورة رفع الضرائب هذا الأسبوع كالصحفي دانيال فينكلستين، يمثلون أقلية ضئيلة جدا، ومن المرجح أن تخيب آمال من يعتقدون أن الحزب سينهض من تحت أنقاض كارثة تراس، كما أن احتمالات حدوث انشقاقات داخله على غرار ما حدث في صفوف الحزب الليبرالي عام 1918 ستتزايد مخلفة تداعيات طويلة الأمد.

الخروج من الاتحاد الأوروبي

قد يعتقد البعض أن صدمة التخفيضات الضريبية ستؤدي إلى حدوث مقاربات عملية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكما قال مارك كارني محافظ البنك المركزي البريطاني السابق منذ عدة أيام، فقد كان الاقتصاد البريطاني يمثل 90% من حجم الاقتصاد الألماني في عام 2016، لكنه انكمش اليوم إلى ما دون ال70%.

وأدت التخفيضات الضريبية وانعدام المساواة إلى تفجر الأوضاع بشكل كبير، وهناك توقعات بتكوين علاقات اقتصادية أفضل في مرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي مع دول الاتحاد، ويرى المؤرخ أنتوني سيلدون أن التخفيضات الضريبية هي من نتائج الخروج من الاتحاد الأوروبي وأن الشعب البريطاني لم يكن يرى تداعياته حين صوت عليه بالموافقة.

الديمقراطية البرلمانية

تُعد التغيرات السريعة في تعاقب الحكومات والوزراء والسياسات التي تحدث في 2022 غير مسبوقة، وتعود جذورها إلى الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن التقلب السياسي العنيف لا يبشر بانتهائها سريعا، والتحدي الذي يشكله هذا الوضع أمام برلمان يحتاج إلى إصلاح كبير.

وقد نجحت بريطانيا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في الانتقال السلس بين حكومة رأسمالية ليبرالية تحت حكم المحافظين وبين حكومة ديمقراطية اجتماعية تحت حكم حزب العمال، ورغم ذلك كانت جميعها حكومات مستقرة تحترم البرلمان والتقاليد سياسية الراسخة، وقد قال المؤرخ بيتر هينيسي إنه إذا استمرت سياسة الخروج من الاتحاد الأوروبي على ما هي عليه الآن سيكون هذا العقد بمثابة وقت ضائع وستتعمق حالة التشاؤم السائدة.

الثقة الشعبية

يعكس فشل تراس فشل النخبة السياسية البريطانية بشكل عام، ما يمثل تحديا أمام مطالبة الشعب للوزراء بالحكم الرشيد والشفافية والكفاءة، في وقت تسود فيه الضبابية والتخبط وسوء التقدير، وسينعكس هذا على انخفاض الثقة العامة في الحكومات القادمة باختلاف انتماءاتها، ويقول تيم بيل الخبير السياسي وعضو حزب المحافظين إن هذه الفضيحة المدوية ستتسبب في ضرر كبير، ويثير التساؤل عما إذا كان هذا الفشل سيكون له تأثير سلبي أم من الممكن أن يؤدي إلى اتباع نهج أكثر إيجابية نحو الإصلاح.

وعندما تقع مثل هذه الأحداث، يكون من المتوقع أن يدرك الشعب والسياسيون أهمية قيم كالعدالة والأمن والاستقرار على مستوى الحكومة والدولة، وينتاب هينيسي القلق حول ما إذا كان ذلك سيحدث في عام 2024، وإن كان يعتقد أن كير ستارمر زعيم حزب العمال قادر على قيادة البلاد، ويدور السؤال الأهم بعد فشل حكومة تراس حول مدى إمكانية أن يمنح الشعب ثقته لأي سياسي مرة أخرى.