الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كليوباترا والضراير

هند عصام
هند عصام

متى دخلت الغيرة خرجت الحقيقة من الرأس وقد تغار المرأة على الرجل ولا ترضاه، تريده كالبيت الوقف لا لها ولا لسواها.

أما هنا على عكس المثل الشعبى المصرى «مركب الضراير سارت ومركب السلايف غارت»، فماذا لو كانت الضراير  أمًا وابنتها.. والمركب هنا لا سارت ولا غارت بل غرقت واشتعلت نار الغيرة قد تصاب بحالة من عدم الفهم والذهول بسبب هذه العلاقات الشائكة والمربكة وتسأل نفسك: هل يمكن أن تتزوج الأم وابنتها من نفس الرجل وتصبحَان ضراير وهنا سوف أقول لكم دعونا نرجع بالزمن أكثر من ألفى عام لكى نفهم ما كان يحدث فى هذا الزمن واتضح أنه عصر البطالمة وابطال هذه  القصة هما الملكة كليوباترا الثانية  وابنتها كليوباترا الثالثة والملك بطليموس السادس وبطليموس الثامن  وتزوجت الملكة الثانية من شقيقها السادس فى بداية الأمر وأنجبت بطليموس السابع وكان هذا أمرًا طبيعيًا فى ذلك الوقت من أجل الحفاظ على نقاء الدم الملكى .

ولدت كليوباترا الثانية عام 185 قبل الميلاد وهى إحدى بنات بطليموس الخامس وعندما تزوجت من شقيقها بطليموس السادس وكان هو الملك الحاكم فى ذلك الوقت وعندما خرج بطليموس السادس  لخوض معركة حربية مع السوريين و جرتْ أحداثها فى منف، و كانت عاصمة مصرية قديمة تقع حاليًا فى جنوب الجيزة. 

ولكن تعرّض لهزيمة ساحقة وبعد تلك الهزيمة وافق بطليموس على الصُلح بشروط مُخزية، اعترض عليها المصريون وكرهوا شخصيته الضعيفة، وثار عليه أهل الإسكندرية وكانت عاصمة البلاد فى تلك الفترة وقرروا تنصيب أخيه الأصغر بطليموس الثامن، صاحب الشخصية الأقوى والأخلاق الأسوأ. 

وهكذا أصبح لمصر ملكان، الأول يحكم فى منف حيث تعرّض للهزيمة، والثانى بالإسكندرية وبعد فترة من الصراعات والإضرابات، تم الاتفاق على حُكم ثلاثى يجمع ما بين الأخوين بطليموس السادس والثامن مع كليوباترا الثانية، التى ساهمت فى استقرار الأوضاع بينهما لمدة لا تزيد على خمس سنوات.. ثم خرج بطليموس السادس لإخماد ثورة فى الصعيد، وعاد مُنتصرا لكنه لم يستطع دخول الإسكندرية، لأن بطليموس الثامن استغل الفرصة وخلعه . 

هنا تدخلت روما عاصمة الإمبراطورية القوية، وقسّمت الحكم بين الأشقاء الثلاثة، فجعلت "السادس" يحكم مصر وقبرص مع زوجته كليوباترا الثانية، بينما منحت "الثامن" حُكم برقة فى الغرب.

بعد سنوات، مات بطليموس السادس فى معركة حربية، وترك ابنه الصغير  جالسًا على العرش وحمل اسم بطليموس السابع، وكانت أمه كليوباترا الثانية هى الوصية عليه، بدعم من النبلاء واليهود، و تجدّدت أطماع  بطليموس الثامن فى السلطة من جديد ، وكان أهالى الإسكندرية يدعمونه، لأنهم يرغبون فى حاكم قوي، و أدركتْ كليوباترا أن الأمور ليست فى صالحها، فوافقت على الزواج من شقيقها المتمرد، على أن يتولى رعاية الملك الابن، وكانت لا تعلم بنواياه السيئة تجاه ابنها  وسرعان ما قتل الملك الطفل بطليموس السابع .. ويقول  البعض إن الأخ الشرير ارتكب جريمته أمام الأم يوم زفافه عليها ثم دخل بها . 

وأنجب منها بطليموس التاسع وبعد فترة، شهد القصر الملكى تصاعدا حادا من الصراعات والمؤامرات.. فقد تعمّد بطليموس الثامن على إذلال كليوباترا الثانية بكل الطرق ولكن تعقد الأمر عندما تزوّج  من ابنتها كليوباترا الثالثة لتتحول العلاقة من علاقة  أم  وابنتها إلى علاقة ضراير وكيد النسا فماذا لو أثمرت هذه الزيجات المعقدة عن أبناء ، وبالفعل أثمرت عن أبناء فكل ملكة منهما أنجبت ولداً لتبدأ الحرب وتنحاز كل ملكة لوالدها كى تصبح  أم الملك ليشتد الصراع فى القصر الملكى بين الأم وابنتها "ضرتها" وتنحاز الملكة الأم لابنها ضد حفيدها بينما تنحاز كليوباترا الثالثة لابنها ضد أخيها ليصبح الأمر يميل إلى الكوميديا فى متاهة زيجات شائكة منافية تماماً للمنطق . 

وكانت لكليوباترا الثانية مكانتها الشعبية التى لم يستطع بطليموس الثامن أن ينتزعها من قلوب الشعب، بالإضافة إلى أنه كان يتسم بشخصية عنيفة وزادت جرائمه التى ساهمت فى فقدانه الدعم الشعبى وبدأت الثورات عليه، لدرجة أن أنصار كليوباترا الثانية تجرأوا، وصمّموا على حرق الملك الظالم فى قصره . مما اضطر بطليموس الثامن للهروب مع ضرتها وابنتها الثالثة إلى قبرص، وأخذ يتودد إلى روما ويجمع المرتزقة حوله. واستغلت كليوباترا هذا الأمر وعلى الفور أعلنت كليوباترا الثانية نفسها ملكة منفردة على العرش .

ولكن بعد فترة تمكّن الملك الهارب من العودة لمصر لكنه فشل فى دخول الإسكندرية، واستقر مع زوجته كليوباترا الثالثة  فى منف.. ولا تدوم فرحة كليوباترا التانية كثيراً ولأن الشعب المصرى والكهنة لا يعترفون بحكم امرأة مُنفردة، و تمكّن بطليموس الثامن من العودة للإسكندرية، لكنه أصبح أكثر طيبة وتسامحا، غير أن كليوباترا الثانية لم تعد تأمن له، وفرّت خارج البلاد إلى ابنة أخرى لها تعيش فى سوريا منذ أن تزوّجت ملكها.. ثم عادت كليوباترا الثانية  مرة أخرى وعقد الملك بطليموس معها صلحا واستقرت الأمور لفترة ، و بعدها بسنوات قليلة توفى الملك بطليموس الثامن وقد ترك وراءه أزمة حقيقية بكل معنى الكلمة كارثة بين الأم وابنتها الضرة لأنه لم يحسم اسم خليفته فى الحكم، وهكذا بدأ صراع مُتوقّع بين الملكتين، كل واحدة منهما تحاول تنصيب ابنها على العرش و فى النهاية نجحت كليوباترا الثانية فى تولية ابنها بطليموس التاسع، ليستمر نظام الحُكم الثلاثى الغريب على مصر، والذى يجمع بطليموس الجديد مع الملكتين كليوباترا ثم انفردت  "الثانية" بالحكم مع ابنها واستبعدت ابنتها وضرتها، لكنها توفيت لتعود كليوباترا الثالثة وتتمرد على أخيها بطليموس التاسع بعد مشاركته فى الحكم، وبدأت فى وضع خطط من أجل استبعاد أخيها والاستيلاء على العرش وتنصيب ابنها بطليموس العاشر بدلا من أخيها بطليموس التاسع . 

وعندما استشعر بطليموس التاسع بالخطر نحو شقيقته وزوجة أبيه كليوباترا الثالثة فر هارباً إلى قبرص، وأرسلت الملكة المنتصرة على أخيها  تستدعى ابنها بطليموس العاشر من خارج البلاد، ولكن هوسها بالسلطة  والسيطرة  على الحكم جعلتها تفرض هيمنتها على ابنها نفسه، واستمرت فى لعب الدور الأساسى فى إدارة شئون البلاد، وسلبت منه كل أمور دوره كملك حتى وصل الامر إلى سلب وظيفة كاهن الإسكندر الأكبر التى كان توليها قاصرا على الملك فقط ، بل وقادت بنفسها حربا ضد سوريا فى 103 قبل الميلاد وفى النهاية شعر ابنها بطليموس العاشر بأنه تحمّلها أكثر مما ينبغى وشعر بالخذى كونه ملكاً مسلوباً وضعيفاً ، فقرر وقتها باسترداد حقوقه الملكية وتآمر ضد والدته وأمر بقتلها حتى ينفرد بالحكم وتنتهى قصة الضراير والعلاقات الشائكة.