الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

طلاق أم انتقام ؟

نيفين منصور
نيفين منصور

ما زلنا نتفاجأ بما وصل إليه المجتمع المصري من خلل كبير في فهم فقه المعاملة ، ويزداد الخلل ويظهر بوضوح في استيعاب البعض لفقه التعامل بين الأزواج، فيتناسى العديد من الناس ما أمرنا المولى عز وجل به من حسن المعاملة سواء بين الناس بصفة عامة أو بين الأزواج بصفة خاصة ، وتزداد المأساة بزيادة ظهور نماذج تسعى إلى الشهرة على حساب أمن وسلامة المجتمع ، فالدفاع عن المرأة وحقوقها بشكل يخرج عن حدود التعاملات الشرعية يؤدي إلى تجبر بعض النساء على أزواجهن، كذلك الحال حين يدافع البعض عن الرجال بصورة تصور النساء مجرد جواري للمتعة والطاعة دون التدقيق في الفرق بين الزوجة والجارية.

أصبحت الشهرة على حساب أمن وسلامة الأسرة أمر مستباح من بعض النماذج التي ربما ليست على دراية بتأثير أفعالهم في تشكيل عقلية بعض الناس، وبالتالي نتفاجأ بردود الأفعال الغير متوقعة والقاسية كذلك، وربما يزداد الأمر سوءاً عندما يتحدث بعض العلماء في شأن الأسرة وفقا لأهوائهم الشخصية وبعيدا عن السند الصحيح ، والنتيجة في النهاية هي التحفز المستمر الذي يؤدي إلى هدم الأسرة وبالتالي محاولات متتالية لهدم المجتمع .

منذ فترة تفاجأنا جميعا بقصة عروس الإسماعيلية التي تعرضت للضرب من زوجها ليلة الزفاف أمام الناس وتم تصوير الواقعة وعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي وهزت المجتمع بأسره ، لما لها من معاني شديدة القسوة وإن دلت على شيء فإنما تدل على اختفاء الرحمة واستعراض القوة دون مراعاة لمشاعر أحد ، وحاول البعض التدخل للمصالحة وإذا بنا نفاجأ بأن المشهد قد تكرر واشتكت العروس بعد فترة وتحول الموضوع لنزاع قانوني وفي النهاية تدمرت الأسرة أمام الجميع.

منذ أيام تكرر المشهد ولكن اختلفت الأحداث وكانت أكثر قسوة وغير مفهومة وإن دلت على شيء فإنما تدل على رغبة انتقامية من أب طلق زوجته في زفاف ابنته وأمام الجميع بصورة تهين الأم وتكسر قلب العروس أمام زوجها في ليلة الزفاف، الليلة التي تنتظرها معظم الفتيات بكل شوق ولهفة والتي يطلق عليها ليلة العمر .

بالتأكيد لا نعلم ملابسات تلك الواقعة ولا نعلم كذلك أسباب تلك الرغبة الانتقامية من الأب الذي تعامل بمنتهى الأنانية أمام السادة الحضور ولم يفكر إلا في نفسه فقط وفي رغبته في كسر قلب زوجته أم العروس وإذلالها أمام الجميع ، وإعلان طلاقه منها أمام السادة الحضور في حفل الزفاف ، وإنهاء الفرح بشكل مفاجئ وتحويله إلى مشهد صادم لجميع الأطراف ، ولكن مهما كانت الأسباب ، ومهما كانت الخلافات بينه وبين زوجته لا يحق له أن يكسر قلب ابنته ويقتل فرحتها أمام الناس ، فهذا المشهد سيظل محفور في ذاكرة الجميع .

ربما أراد هذا الأب أن يصبح حديث الناس على مواقع التواصل الاجتماعي فانتهز الفرصة لكي يفعل أمراً ملفتاً وغير متوقع في مثل تلك الليلة وهي ليلة زفاف ابنته، وربما لم يفكر في تلك اللحظة إلا في الانتقام من زوجته أمام الجميع حتى يشعر بلذة الانتصار عليها دون وعي لما قد يسببه لأولاده جميعا ، وربما أخذته العزة بالإثم رغبة في التشفي في شريكة عمره أمام عامة الناس يوم زفاف ابنته.

ماحدث إن دل على شيء فإنما يدل على افتقاد البعض لمفاهيم الزواج والطلاق والحقوق والواجبات وكيفية إنهاء العلاقات بشكل شرعي ، فالمولى عز وجل أوصانا بشكل واضح باتباع مبدأ الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان حيث قال في كتابه الكريم (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) .

نحتاج لإعادة نشر الوعي فيما يتعلق بفقه التعامل ليس فقط بين الأزواج ولكن فقه التعامل بين الناس ، ووأد الأفكار الهدامة التي قد تؤدي إلى هدم العلاقات الزوجية ، ومنع من يروجون لأنفسهم بتبني الأفكار الهدامة على حساب استقرار البيوت العامرة ، فالكلمة كالسحر لها تأثير واضح ، وتكرار هذا الاستقطاب سواء للرجل أو للمرأة يؤدي في النهاية إلى غسل العقول ونشر الفتن بين الناس، ونحن في أمَس الحاجة لمن ينشر ثقافة فقه التعامل الصحيح ، الفكر الذي يحقق التوازن النفسي بين الأزواج ، بعيدا كل البعد عن تشجيع الزوجة على التمرد على زوجها ، أو عن تحويل المرأة لجارية للخدمة والملذات.