الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ميراث الاستعمار.. لماذا تجوع أفريقيا بسبب تغير المناخ رغم خصوبة أراضيها؟.. و60% من سكان القارة يعانون من انعدام الأمن الغذائي

الزراعة في أفريقيا
الزراعة في أفريقيا
  • 60% من سكان أفريقيا يعانون من انعدام الأمن الغذائي
  • إنتاج المحاصيل الاستهلاكية على حساب المحاصيل الغذائية يساهم في تدمير الأمن الغذائي
  • أساليب زيادة إنتاج المحاصيل تضر بالبيئة ولا تحل مشكلة الجوع

 

في الساعات الأخيرة قبيل انتهاء قمة الأمم المتحدة للمناخ COP27 في مصر، أنشئ ما يعرف بصندوق الخسائر والأضرار، بهدف تمويل خطة تعويض البلدان الفقيرة عن تحمل العبء الأكبر لآثار تغير المناخ، ومن أمثلته ظاهرة الجفاف المستمر في منطقة القرن الأفريقي والذي يعرض نحو 22 مليون شخص لخطر لجوع.

وفي حين اعتبر البعض إنشاء الصندوق إنجازا طال انتظاره، شكك البعض الآخر في  فعاليته في الحد من تداعيات تغير المناخ وانبعاثات الوقود الأحفوري، وبشكل عام تلفت هذه المحاولة النظر إلى حقيقة أن أنظمة إنتاج الغذاء التي تبناها المجتمع الدولي بما فيها من أساليب الإنتاج والتخزين والمعالجة والتوزيع ومدخلات أخرى، تعرض أفقر شعوب العالم للتأثيرات السلبية لتغير المناخ وتدهور الأوضاع الاقتصادية.

وحسبما ذكر تقرير لموقع "ذا كونفرزيشن" الأسترالي، فإنه من المعروف تاريخيا أن أصحاب المزارع الصغيرة ينتجون الجزء الأكبر من المحاصيل الغذائية في القارة الأفريقية، وقد ركز صناع القرار العالمي وأصحاب الأعمال الخيرية الكبرى والمصالح التجارية وقطاعات واسعة من العلماء خلال الأعوام الستين الأخيرة، على زيادة إنتاج الغذاء والتجارة وابتكار أساليب حديثة للزراعة كأفضل طريقة لمواجهة المجاعة في أفريقيا والعالم.

ومن المؤسف أن هذا النهج في مكافحة الجوع  وتعزيز الأمن الغذائي عالميا لم يؤت أكله، حيث يعاني 60% من سكان القارة الأفريقية اليوم من انعدام الأمن الغذائي بدرجات تتراوح بين الاعتدال والشدة، وقد أدى هذا إلى ظهور أنظمة غذائية أكثر تأثرا بتداعيات تغير المناخ، ولم يعد الاتجاه إلى زيادة الإنتاج هو الحل الأمثل لتلك الأزمة كما كان سابقا خاصة في الحقبة الاستعمارية، حيث يضر بالبيئة ولا يكفي لإطعام ملايين الجوعى.

يذكر أنه في كل مرة تضرب العالم أزمة غذاء كان تنوع أساليب زيادة الإنتاج الزراعي والتجارة هو الحل الأمثل، ومثال ذلك ما حدث في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي من ثورة زراعية أدت إلى وفرة في السلع الأساسية وانتعاش حركة التجارة الدولية خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن، وإبرام الشراكات بين القطاعين العام والخاص في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

ويرى الخبراء أن الأمن الغذائي له ستة أبعاد يمثل إنتاج الغذاء واحد منها فقط، وتتضمن الأبعاد الستة التي تلفت النظر إلى تعقيد العوامل المؤدية للجوع: توفر الغذاء محليا أو عن طريق الاستيراد، وقدرة المستهلكين على الحصول على الغذاء، ومرافق إعداد الطعام الصحي من مياة وصرف صحي، واستقرار أسعار الغذاء على مدار الوقت، وإمكانية إنتاج الغذاء دون الإضرار بالبيئة، وأخيرا قدرة الناس على التحكم في نظمهم الغذائية من الإنتاج إلى الاستهلاك.

وتستفيد بعض البلدان والشركات من أساليب الإنتاج لمواجهة الجوع، مثل شركة مونتسانو التي طورت مبيدات مصنوعة من الأعشاب، وكذلك الشركات الأربعة الكبرى التي تسيطر على تجارة الحبوب عالميا (شركات آرتشر دانييلز ميدلاند وبونجي وكارجيل ولويس درايفوس)، ولطالما ركزت العلوم الزراعية على تطوير وسائل الإنتاج، ومثلت أساليب الزراعة الاستوائية حجر الزاوية للمشروع الاستعماري في أفريقيا، والذي كان يهدف إلى تغيير النظم الغذائية المحلية، وهو ما دفع العديد من ملاك المزارع الأفارقة إلى التخلي عن الزراعة وإنتاج الغذاء للاستهلاك المحلي، واستبدال ذلك بزراعة المحاصيل الاستهلاكية اللازمة للتوسع الاقتصادي الأوروبي، مثل القطن في مالي والبن في كينيا والكاكاو في كوت دي فوار.

وفي حين فُرض العمل الإجباري في بعض الأحيان، أصبحت ما تعرف بـ "ضريبة الرأس" هي الاستراتيجية المفضلة لزيادة إنتاج المحاصيل الاستهلاكية في أحيان أخرى، ووجد المزارعون الأفارقة أنفسهم بين أحد خيارين: إما أن يدفعوا الضريبة أو يواجهوا عقوبة السجن، ما اضطرهم للعمل في إنتاج المحاصيل الاستهلاكية.

وقد أدى التوسع في زراعة المحاصيل الاستهلاكية إلى إهمال إجراءات مواجهة المخاطر مثل تخزين فائض الحبوب، ووضع العديد من المزارعين الأفارقة تحت رحمة الأمطار شديدة التقلب لعدة قرون، وهو ما أكسبهم مهارات التكيف مع تغير المناخ، وعلمهم زراعة محاصيل متباينة الاحتياج للأمطار تبعا لمدى غزارتها، واعتاد الرعاة التنقل عبر مناطق واسعة بحثا عن أفضل المراعي، رغم تدخل المستعمر للحد من تنقلهم في أنحاء شرق أفريقيا بذريعة التطور، وقد عرضهم إهمال تخزين الحبوب للآثار المدمرة للجفاف مثلما حدث في شمال نيجيريا.

وفي حقبة ما بعد التحرر من الاستعمار، شجعت السياسات والبرامج الدولية والوطنية المختلفة المزارعين على إنتاج المزيد من المحاصيل باستخدام البذور والأسمدة والمبيدات المستوردة من الخارج تحت مسمى التنمية ومكافحة الجوع، على الرغم من معاناتهم ويلات تقلب المناخ.

ويحاول علماء البيئة الزراعية فهم التفاعلات البيئية بين  المحاصيل والتربة والغلاف الجوي وسلوك الحشرات، بهدف الحفاظ على خصوبة الأرض ومكافحة الآفات الزراعية وزيادة إنتاج المحاصيل دون استخدام المدخلات الكيماوية، وفي سعيهم لتحقيق هذه الأهداف يتعاونون مع المزارعين الذين طوروا أساليبهم الخاصة لتحقيقها، وتعلموا التكيف مع النظم البيئية المحلية، ويفيد هذا المزيج من العلم التجريبي والممارسة العملية الفقراء، حيث يوفر عليهم تكاليف شراء المدخلات باهظة الثمن ويقلل مخاطر الاستدانة حال تلف المحاصيل.

ويدرك أصحاب الأعمال أهمية علم البيئة الزراعية في خفض تكلفة الإنتاج، لذا يسترشدون بتوجيهاته تحسبا لفشل أساليب الزراعة التقليدية في مكافحة الجوع، لكن على الجانب الآخر يرى خبراء الزراعة من داعمي زيادة الإنتاج للحد من الجوع أن علم البيئة الزراعية تمثل تهديدا لتمويل البحث العلمي.

وهناك دلائل على أن العالم قد يكون على أعتاب تحول كبير في التفكير فيما يتعلق بالنظم الغذائية وتغير المناخ ومكافحة الجوع، حيث دفعت أزمة الغذاء الحالية البعض إلى التساؤل عن أسباب فشل الحلول السابقة لها، وهناك اتجاه متنام لتأييد علوم البيئة الزراعية داخل أروقة الأمم المتحدة، مدعوما برفض اجتماعي حازم لمحاولات الشركات أصحاب المصالح فرض رؤيتها على قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية عام 2021، وعادت جهات مانحة مؤسسية كبيرة لدعم نهج علوم البيئة الزراعية وهو ما لم يحدث منذ عقد من الزمان، كما يدرك عدد من قادة القارة الأفريقية أهمية هذا العلم.

ولا تحدث تداعيات تغير المناخ بمعزل عن بعضها البعض، وهي نتاج السياسات التي تبناها العالم على مدار عقود، وهو قادر على تبني سياسات مغايرة، وحل أزمة الغذاء الحالية عن طريق مراجعات فكرية جادة وتوفر الإرادة السياسية للاستغلال الأمثل لموارد الأرض.