الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

السياسة في الملعب .. مباراة نصف النهائي بين المغرب وفرنسا وأسئلة الهوية الصعبة

منتخب المغرب
منتخب المغرب

عندما يواجه منتخب فرنسا، القوة العظمى في عالم كرة القدم، منتخب المغرب العربي الأفريقي الصاعد بقوة، في مباراة نصف نهائي بطولة كأس العالم في قطر 2022 الليلة، فسيكون الحدث أكبر من مجرد التقاء منتخبين متنافسين في بطولة عالمية، حسبما ذكرت مجلة "التايم" الأمريكية.

المغرب وفرنسا.. أبعد من كرة القدم

وأوضحت المجلة أن السياسة والتاريخ يلقيان بظل كثيف على مواجهة اليوم الكروية بين فرنسا والمغرب، ويكتسب الأمر أهمية خاصة بالنسبة للملايين من سكان فرنسا ذوي الأصول الشمال أفريقية، فالكثيرين منهم يأخذون مواجهة اليوم على محمل سياسي، بل وعلى محمل شخصي.

ونقلت المجلة عن تاجر من أصول شمال أفريقية يعرض يبيع العباءات المغاربية المزركشة في متجره بحي باربي شمالي العاصمة الفرنسية باريس، والذي يقطنه عدد كبير من المهاجرين، "الجميع هنا مع المغرب. منتخب المغرب هو الأفضل وسوف يفوز. ليس لدى فرنسا فرصة".  

وأوضحت المجلة أنه سواء فاز منتخب المغرب على منافسه الفرنسي في مواجهة الليلة أم لا، فقد فاز المغرب بالفعل من حيث كونه البلد العربي والأفريقي الأول الذي يصل إلى مباراة نصف نهائي كأس العالم على مدار تاريخ البطولة الممتد منذ 92 عامًا، لكن حقيقة أن المغرب يواجه منتخب البلد الذي استعمره في الماضي يضفي على مباراة الليلة أبعادًا أكبر من المنافسة الكروية.

بالنسبة للكثيرين من المواطنين الفرنسيين المنحدرين من أصول شمال أفريقية، يغدو اختيار الفريق الذي سيشجعونه أمرًا مربكًا وملتبسًا، ويقول المواطن الفرنسي مغربي الأصل الجزيري، الذي يعيش في باريس منذ عام 1974، "الجذور هي ما يهم قبل كل شيء، ولذا سأشجع المغرب"، قبل أن يضيف مترددًا "الأمر صعب حقًا. أنا فرنسي مغربي".

مواطنو فرنسا الأفارقة وسياسات الهوية

ويبدو التمييز على أساس الهوية واضحًا في بعض مناهج التعليم والقوانين الفرنسية، وهو أمر كافحت الجماعات اليمينية المتشددة في فرنسا لإقراره وترسيخه منذ سنوات طويلة، فمنذ عام 2011 مثلًا يُحظر على النساء ارتداء الحجاب داخل المدارس والمنشآت العامة، ورغم أن هذا القانون يحظر أيضًا ارتداء أي أزياء أو شعارات تعبر عن الهوية الدينية، فإن مسلمي فرنسا يشعرون أنه يستهدفهم بشكل خاص.

بعدما نجح فاز منتخب المغرب على منافسه البرتغالي في مباراة الدور ربع النهائي السبت الماضي، أثارت الاحتفالات الصاخبة لجماهير شمال أفريقيا في فرنسا حفيظة بعض السياسيين اليمينيين المتشددين، مثل اليميني المتطرف إريك زمور، المرشح الرئاسي السابق الذي بنى برنامجه الانتخابي على خطاب معاد بشدة للمسلمين، رغم كونه هو نفسه يهوديًا سليل عائلة تنحدر من بربر الجزائر.

وانتقد زمور احتفالات المغاربة والعرب في باريس وقال "فيم سيفكر ملك المغرب إن احتفل الفرنسيون في المغرب بفوز فرنسا؟".

ويقول الباحث بوكالة "كانتار ريبابليك" الفرنسية لاستطلاعات الرأي إيمانويل ريفيير "الامر ليس مجرد كرة قدم. إنه في صميم الأسئلة الوجودية التي يطرحها المجتمع الفرنسي على نفسه حول الهوية ومشاعر الانتماء وما نسميه ’الانفصالية‘"، في إشارة إلى الوصف المستخدم في فرنسا عند الحديث عن أنماط حياة مختلفة عن السائد والتقليدي.

أسود الأطلس والبلوز.. أفارقة فرنسا وفرنسيو أفريقيا

من المفارقات العجيبة أن نحو نصف لاعبي منتخب فرنسا، المعروف باسم "البلوز" أو الزرق، هم من نسل مهاجرين من شمال وغرب أفريقيا، ومن قلب الضواحي ذات الأغلبية المسلمة حول باريس والمدن الأخرى جاء عدد من ألمع نجوم المنتخب الفرنسي، مثل المهاجم كيليان مبابي المولود لأب كاميروني وأم جزائرية، والذي ولد ونشا في ضاحية بوندي الفقيرة على أطراف باريس.

وتنطبق المفارقة ذاتها على منتخب المغرب أيضًا والمعروف باسم "أسود الأطلس"، فمدربه وليد الركراكي مولود في بلدة تقع جنوب باريس، ومعظم لاعبيه من مواليد أوروبا وإن كانوا من أصل مغربي.

وعلقت مجلة "التايم" بالقول إن مباراة اليوم بين منتخبي المغرب وفرنسا ستبدو في بعض اللحظات أشبه بلعب إخوة أو أقارب مع بعضهم، وعلى سبيل المثال يُعد كيليان مبابي ومهاجم المغرب الهداف أشرف حكيمي صديقين حميمين، وزميلين في فريق باريس سان جيرمان في دوري الدرجة الأولى الفرنسي.

وعندما فاز منتخب فرنسا ببطولة كأس العالم للمرة الأولى عام 1998، كان العدد الكبير لذوي الأصول الأفريقية بين لاعبيه لافتًا للنظر، وبعد عشرين عامًا عندما فاز المنتخب الفرنسي ببطولة كأس العالم عام 2018، غرد مقدم البرامج الهزلية الأمريكي تريفور نوح على تويتر قائلًا "نعم، أفريقيا فازت بكأس العالم، ليرد السفير الفرنسي لدى الولايات المتحدة آنذاك بغضب "إنهم فرنسيون وفخورون ببلدهم".

كرة القدم والسياسة مرة أخرى

يلعب نحو 750 ألف مهاجر مغربي في فرنسا دورًا لا يستهان به في البلاد، ويشكل المغاربة في فرنسا أكبر عدد من الطلاب المولودين في الخارج وثاني أكبر عدد من الأطباء المولودين في الخارج (بعد الجزائريين)، وفقًا لدراسة أًجريت عام 2017، ويُضاف إليهم أكثر من مليون شخص انتقلت عائلاتهم من تونس والجزائر، المستعمرتين الفرنسيتين السابقتين في شمال أفريقيا.

والسبت الماضي، وحد فوز المغرب المذهل في ربع النهائي على البرتغال تلك الجاليات الشمال أفريقية في احتفال واحد كبير وصاخب، وخرج الآلاف من المقاهي في جميع أنحاء باريس إلى شارع الشانزليزيه الواسع.

تقول مونيكا ماركس، الباحثة في شئون سياسات شمال إفريقيا في جامعة نيويورك أبوظبي، والتي شاهدت مباراة المغرب والبرتغال يوم السبت في حي باربي الباريسي: "هذه لحظة محورية بالنسبة للعالم العربي ولجزء كبير من القارة الأفريقية أيضًا"، وتضيف إنها كانت مندهشة لمشاهدة المشجعين المغاربة يحولون تشجيعهم على الفور إلى فرنسا بعد ساعتين فقط، عندما بدأ المنتخب الفرنسي مباراته في ربع النهائي ضد إنجلترا.

ويضاف إلى اللمسات السياسية في الدور نصف النهائي أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو مشجع متحمس للغاية للمنتخب الفرنسي، سيكون حاضرًا لمشاهدة مباراة المغرب وفرنسا في الملعب، قد يذكّر وجود ماكرون في قطر كلاً من المغاربة والفرنسيين بالخلافات المستمرة بين البلدين.

في العام الماضي، خفض ماكرون عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة والجزائريين الراغبين في القدوم إلى فرنسا إلى النصف، قائلا إن تلك الحكومات فشلت في كبح جماح الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط. وقبل نحو عامين، قال ماكرون إنه لن يقدم "أي توبة أو اعتذار" عن الانتهاكات التي تعرض لها سكان شمال أفريقيا خلال عقود من الحكم الاستعماري.