الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أمنمحات الأول.. الملك المغدور

هند عصام
هند عصام

خذ الحذر من مرؤوسيك
لا تقتربن منهم على انفراد
ولا تثقن بأخ
ولا تعرفن لنفسك صديقاً
ولا تصطفين لك خلاناً
لأن ذلك عديم الفائدة
وعندما تكون نائماً
اتحذ من قلبك حارساً
لأن الرجل لا صديق له في وقت الشدة
فإني قد أعطيت الفقير
وأطعمت اليتيم 
وجعلت من لا ثروة له مثل صاحب الثراء
وقد كان آكل خبزي هو الذي جند الجنود ضدي
والرجل الذي مددت له يد المساعده هو الذي أحدث لي بها المتاعب
والذين يرتدون فاخر كتاني تصرفوا معي كالغوغاء
والذين يتعطرون بعطوري قد لوثوا أنفسهم بخيانتي

هكذا قال الملك المغدور أمنمحات الأول في وصيته لابنه الملك سنوسرت الأول وهو على فراش الموت متأثراً بحادث الاغتيال الذي تعرض له داخل قصره، بعد أن تآمر عليه جنوده وحريم القصر.

ويعتبر الفرعون أمنمحات الأول القادم من الجنوب المصرى العريق أول ملوك الأسرة الثانية عشرة التى كانت تعتبر فى  قمة مجدها فى عصر الدولة الوسطى، الفترة الذهبية الثانية بعد عصر الأهرامات فى الدولة القديمة.

وحكم خلال الحقبة  في الفترة من (1991 قبل الميلاد إلى 1962) قبل الميلاد (1939 قبل الميلاد إلى 1910 قبل الميلاد).

فى عام 1991 قبل الميلاد، استولى الوزير أمنمحات على الحكم، واتخذ لنفسه عدة ألقاب، منها سحتپ إب رع، والذى يرضي قلب رع، وآمون محات، وآمون فى المقدمة، وسحتب إب رع، وفى نفس الوقت احتفظ باسمه الأصلى المعروف لنا، وأسس الأسرة الثانية عشر وأصبح يعرف باسم الملك أمنمحات الأول، وإن كانت ظروف استيلائه على العرش لا تزال حتى الآن غامضة، وإن كنا نعتقد أنه لا يمت للدم الملكي بصلة، بل كان رجلا عصاميا من الشعب، لأب يدعى سنوسرت وأم تدعى نفرت.

قابل الكثير من المصاعب وتخطاها بحدة ذكائه، ولَم يعتمد أمنمحات الأول في استيلائه على الحكم على القوة فقط بل أذاع شائعة بين القوم وهى نبوءة لحكيم قديم بظهور حاكم مخلص منتظر للبلاد، وصاغها الكاهن المرتل نفر روهو. 

وتقول النبوءة إنه سياتى ملك من الجنوب اسمه أمني، وهو ابن نوبية الأصل، سيوحد البلاد وينشر الأمن و السلام.   

وأشار المتنبئ إلى أن العدالة ستعود إلى مكانتها والظلم سينبذ بعيداً، كما قالت البردية المحفوظة فى متحف ليننجراد والمعروفة باسم “تنبؤات نفرتى”.

وترجع تلك البردية إلى أوائل عصر الملك أمنمحات بشكل خاص، والتي كتبت أغلب الظن كحيلة سياسية أو دعاية سياسية لحماية الملك أمنمحات الأول، وهنا أراد كاتب تلك البردية أن يقنع الشعب بأن استيلاء هذا الفرعون على الحكم، ما هو إلا تحقيق لنبوءة تمت فى عهد الملك سنفرو، والذي طلب من رئيس كهنة باستت الكاهن نفرتى أن يحيط علما بما سيحدث في المستقبل، فيشرح الكاهن له بأن الفوضى سوف تعم البلاد ثم ينقذها الملك أمنمحات الأول.

تزوج الملك أمنمحات من الملكة نَفَر أتات جنين، وأنجب منها ولى عهده الملك سنوسرت الأول.

واتخذ أمنمحات الأول عاصمة جديدة له تسمى “اللشت”، والتى تقع في محيط محافظة الفيوم (واسمها بالمصرية القديمة "إثت تاوي أي "القابضة على الأرضين")، وسطر بوضوح معالم عهد جديد، فى  علاقته مع حكام الأقاليم، وأيضاً إشراك ولى العهد فى الحكم.

كما عمل جاهداً على إعادة استتباب الأمن والنظام اللذين تدهورا بسبب الحرب الأهلية، وعمد إلى اتباع أسلوب تقسيم الأراضي الزراعية التقليدية، كما ساعد على زيادة أعداد الموظفين الإداريين، لذلك أوصى بكتابة النص المعنون "بالمجمل" (ويعني باللغة المصرية القديمة كميت)، وهو تجميع لعدد من الإرشادات. 

ولقد حرص "أمنمحات الأول" على تحصين الحدود عن طريق شن العديد من الحملات على النوبة وليبيا وفلسطين، وقيامه بصفة خاصة ببناء "حائط الأمير"، وهو نوع من الحصون المنيعة التي تحمي شرق الدلتا من تسرب الآسيويين، كما أرسل هذا الفرعون بعثة إلى وادي الحمامات على رأسها «أنتف» الذي كان يحمل لقب الأمير الوراثي، وحامل الختم الملكي، والسمير الوحيد، والمبعوث الملكي، والكاهن الأعظم للإله «مين». 

كما قام بتطهير البدو الآسيويين من داخل مصر، و بذلك تكون قد تحققت نبوءة نفرتى التى تحدثت بأن هناك شخصا يسمي أمني سوف يطهر البلاد من الآسويين، كإشارة ذكية وماكرة إلى تطابق هذا الاسم مع أمنمحات وتحدثت عن حمله الملك فى شرق الدلتا، وإقامة التحصينات لصد توغلهم داخل مصر، وسميت التحصينات باسم “أسوار الحاكم”. 

وقد تم اغتيال الملك أمنمحات الأول في العام الثلاثين من حكمه إثر إحدى المؤامرات التي دبرت داخل قصره على يد حريم القصر وجنود أمنمحات، وقد عرفنا من بردية سنوهى أنَ الملك أمنمحات اغتيلَ فى اليوم السابع من الشهر الثالث من شهور الفيضان فى العام الثلاثين، ويرى هيز أن هذا التاريخ يوافق الخامس عشر من فبراير سنة 1962، قبل الميلاد، أى أنَ ولى عهده الملك سنوسرت ظل يحكم تسع سنوات مع أبيه.

وهذه كانت النهاية المأساوية للملك أمنمحات الأول التى تعرفنا عليها من خلال بردية عرفت باسم “نصائح الملك أمنمحات لابنه”، والتى يشرح فيها أمور الحكم، ويوضح كيف قام الأعداء بقتله، ولا شك أن البردية قد كتبت بعد موت الملك، وقد ظهرت وكأنها على لسانه من العالم الآخر وكأن سنوسرت قد حفظ وصية والده.

وعلى الرغم من أن موت الملك أمنمحات الأول كان فى عام 1962 قبل الميلاد، إلا أنَ البرديات المختلفة التى بها نص هذه النصائح ترجع للدولة الحديثة، ويبدو أن هذا النص كان محببا إلى قلب المصريين، لدرجة أنه أصبح يدرس للتلاميذ فى الدولة الحديثة.و0

دفن في هرم شيده في "اللشت"، وترك لنا آثارة والبرديات التى أمر بكتابتها، وقد عثر فى تانيس على عتب باب منقوش باسمه وبقايا معبد في تل بسطة وفى  منف على مائدة قربان للإله بتاح وبقايا تماثيل وأعمدة في بلدة شدت الفيوم، وفى قفط عثر على قطعة من جدار معبد.


-