الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

.

الأُخوَّة الإنسانية والوئام| كيف واجهت المؤسسات الدينية الكراهية والازدراء

وثيقة الأخوة الإنسانية
وثيقة الأخوة الإنسانية

تحتفي المؤسسات الدينية في العالمين العربي والإسلامي بـ أسبوع الوئام العالمي بين الأديان، وذكرى وثيقة الإخوة الإنسانية في يومها العالمي الذي تحل ذكراه في الرابع من فبراير الجاري. 

أسبوع الوئام العالمي بين الأديان

وتحتفي المؤسسات الدينية في الأسبوع الأول من فبراير بـ أسبوع الوئام العالمي بين الأديان، والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة ضمن قرارها رقم 5/65 في 20 أكتوبر 2010؛ بهدف تعزيز التفاهم المتبادل والحوار بين الأديان باعتبار ذلك أكثر الوسائل فاعلية في نشر السلام والأمن بين جميع الناس حول العالم.

وأكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف حاجة العالم إلى مثل هذه الفعاليات المهمة في ظل تزايد رسائل الكراهية والتعصب ضد الآخر المختلف دينيًا، واتخاذ تنظيمات متطرفة "الدين" كمبرر لسفك الدماء وهضم الحقوق واستباحة المال والعرض وكل ما يتعلق بالآخرين. لذا يرى المرصد أن هناك حاجة إلى التوجيه الروحي والديني أكثر من أي وقت مضى، فضلًا عن السعي لتعزيز ثقافة الحوار وحسن الجوار القائمة على الإنسانية المشتركة لمواجهة التعصب والعنصرية والتمييز القائم على جهل واضح بالآخر ومعلومات مغلوطة عن الأديان والتي يروج لها بعض المتعصبين ممن يرفضون الاختلاف والتنوع الذي هو سمة أصيلة في العالم، قال تعالى: "وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا" الحجرات: 13.

الأخوة الإنسانية

ووقع الأزهر الشريف والفاتيكان في فبراير من العام 2019 وثيقة أبو ظبي للأخوة الإنسانية، حيث لفت الأزهر إلى تزامن فعالية أسبوع الوئام بين الأديان مع اليوم الدولي للأخوة الإنسانية الموافق 4 فبراير، الذي يأتي تأكيدًا على أهمية التسامح والتعددية والاحترام المتبادل بين أتباع الأديان والمعتقدات بما يحقق السلام والاستقرار الاجتماعي والتفاهم المتبادل على كافة الأصعدة، حيث يجسد هذا اليوم المبادئ التي دعت إليها وثيقة "الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك" التي وقعها فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، والبابا فرنسيس، عام 2019 بأبوظبي، من أجل إنقاذ الأجيال القادمة من ويلات العنصرية والتعصب الأعمى والكراهية التي باتت عنوانًا لكثير من الخطابات والرسائل بالعديد من دول العالم، ليصاحبها ظواهر تبين حجم المأساة الناجمة عن هذا التوجه البغيض مثل "الإسلاموفوبيا" والاعتداءات اللفظية والجسدية المصاحبة لها والتي نرصدها في المرصد بشكل شبه يومي في انعكاس خطير لتأثير رسائل الكراهية على العقول.

وحول جهود الإمام والبابا في ترسيخ قيمة الحوار قال الدكتور حمادةحمادة شعبان المشرف بمرصد الأزهر، إن  وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان حظيت باهتمام بالغ، وانتشار واسع. 

وتابع: لا يستطيع عاقل أن ينكر أن مكانة الطرفين الموقعين على الوثيقة كانت من أهم أسباب الاهتمام بها. فلا شك أن الشيخ والبابا يؤمنان بقيمة الحوار، وأنهما بذلا جهودًا عظيمة في ترسيخها، وانتهاجها منهجًا بين المختلفين. فعلى المستوى المحلي أسس فضيلة الإمام الأكبر "مركز حوار الأديان" الذي أعيد تشكيله بقرار من فضيلته، وجعَلَ تبعيتَه له مباشرة، ليكون بمثابة انطلاقة جديدة تدفع بالحوار الديني والحضاري مع أتباع الأديان والحضارات الأخرى إلى الأمام. كما كان فضيلة الإمام الأكبر أيضًا هو صاحب فكرة إنشاء "بيت العائلة المصرية"، والتي وافق عليها البابا "شنودة الثالث"، وشارك في تأسيس هذا البيت الذي يهدف إلى الحفاظ على النسيج الوطني لأبناء مصر، والتأكيد على القيم العليا والقواسم المشتركة بين الأديان والثقافات والحضارات الإنسانية، وبلورة خطاب جديد تنبثق عنه أساليب تربوية وفكرية تتناسب مع احتياجات الشباب والنشء ويشجع على الانخراط في ثقافة السلام ونبذ العنف، وتفعيل المخزون الحضاري للشخصية المصرية بمكوناته الحضارية والتاريخية.
كما عقد فضيلة الإمام الأكبر بالتعاون مع "مجلس حكماء المسلمين" سلسلة من المؤتمرات التي ترسخ لقيم السلام والتعدد والتنوع والحوار؛ منها على سبيل المثال لا الحصر مؤتمر "الحرية والمواطنة ... التنوع والتكامل" في فبراير 2017. وقد استضاف هذا المؤتمر الذي عقد في القاهرة نخبة من علماء الإسلام والمسيحية بمختلف مدارسهم وطوائفهم، ودارت بينهم حوارات ثرية حول مفهوم المواطنة، والتجارب التي مر بها، والتحديات التي تواجهه. وقد أسفرت هذه الحوارات عن إبراز جهود العلماء والحكماء التي يبذلونها في مداواة جسد الإنسانية من أثار سهام التعصب والتطرف والإرهاب، وفي وقف فيروس العنف والتطرف الذي يريد أن يستشري في عروق المجتمعات ويضرب مناعتها. وفي أبريل 2017 عقد الأزهر الشريف "مؤتمر الأزهر العالمي للسلام". وحضره "البابا فرانسيس". ودارت في هذا المؤتمر نقاشات وحوارات أكدت على أن الحوار هو الخطوة الأهم على طريق تحقيق السلام. 
وعالميًا شهدت السنوات الماضية العديد من جولات الإمام الأكبر الخارجية، والتي كانت دليلًا واضحًا على حرصه على ترسيخ قيمة الحوار، وإبراز أهميته في حل مشكلات الإنسانية كلها. وقد تمخضت عن ذلك مجموعة من المؤتمرات أسفرت عن مجموعة من الكتب القيمة مثل "الشرق والغرب .. نحو حوار حضاري"، و"لقاء جنيف، دور الأديان في نشر السلام ونبذ العنف والكراهية"، و"لقاء أبو ظبي نحو عالم متفاهم ومتكامل". وكانت هذه الندوات والمؤتمرات تنظم وتعقد بالتنسيق بين الأزهر ومجلس حكماء المسلمين وبالتعاون مع جهات مسيحية مثل "كنيسة كانتربري"، و"مجلس الكنائس العالمي". وختمت هذه الجهود بوثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعت بين الأزهر وحاضرة الفاتيكان. 
وقد عبر فضيلة الإمام عن سعادته البالغة بالحوار بين الشرق والغرب ووصفه بالحلم، وذلك في افتتاحية كتاب "الشرق والغرب نحو حوار حضاري" الناتج عن لقاء فلورنسا عام 2015. حيث قال فضيلته في مقدمة هذا الكتاب: "هذا السفر اللطيف هو ثمرة حلم أو أمنية كنت قد أفصحت عنها لمجموعة من أصدقائي الغربيين في بيتي بالقاهرة عاصمة الشرق، في ليلة من ليالي شتاء 2014. وتمثل هذا الحلم في ضرورة عقد لقاء تاريخي بين حكماء الشرق والغرب في مكان ما من هذا العالم، لنعلن جميعًا موت مقولة الشاعر البريطاني "وديارد كيبلينج": "الشرق شرق والغربُ غرب ولن يلتقيا" التي كان يحزنني تردادها بين الفينة والأخرى، وكأنها لحن مزعج ذو إيقاعٍ يصم الآذان، ويعبث بمشاعر الأخوة الإنسانية أشد العبث! ... وكنت أطمح ـــ ولا أزال ــــ إلى إحياء مقولة الشاعر العظيم "جوته" عندما كتب في الجزء الثاني من تراجيديا "القبضة" أو "فاوست": "من يعرف نفسه وغيره، سيعرف هنا أيضًا أن الشرق والغرب لن يفترقا". ففضيلة الإمام في هذه المقولة ذكر مصطلح "الأخوة الإنسانية" قبل توقيع الوثيقة بأربع سنوات. 
ويؤمن بابا الفاتيكان أيضًا بقيمة الحوار، وأهميته. وقد بذل جهودًا عظيمة في ترسيخه، وقام بالعديد من الجولات الخارجية إلى دول منها "مصر" التي زارها عام 2017، وألقى كلمة في "مؤتمر الأزهر العالمي للسلام"، واعتُبِر مشهد عناقه للإمام الأكبر في هذا المؤتمر عناقًا بين الشرق والغرب. كما قام برحلة أخرى إلى "المغرب"، التي وصِفت زيارته إليها بأنها خطوة في إطار "تطوير الحوار بين الأديان". وأكد البابا خلال تلك الزيارة على ضرورة تطوير ثقافة الحوار باستمرار، وتبني العمل المشترك لفتح الطريق أمام التعاون المثمر، وأشار إلى ضرورة توحيد الجهود من أجل إعطاء دفع جديد لبناء عالم أكثر تضامنا يحترم خصوصيات كل شعب وكل شخص. 

وتابع: دائما ما يستدعي بابا الفاتيكان في خطاباته الحوار التاريخي الأول بين الأديان، والذي دار بين السلطان الكامل الأيوبي والقديس فرانسيس الأسيزي قبل 800 سنة في مدينة "دمياط" المصرية. وقد ظل هذا اللقاء رمزًا للحوار على مدار التاريخ. ففي كلمته في مؤتمر الأخوة الإنسانية قال بابا الفاتيكان "بروح ممتنٍّ للربّ، في المئويّة الثامنة للقاء بين القدّيس فرانسيس الأسيزي والسلطان الملك الكامل، قبلتُ فرصة المجيء إلى هنا كمؤمن متعطِّشٍ للسلام وكأخٍ يبحث عن السلام مع الأخوة". 

وفي زيارته للمغرب في مارس 2019 كرر هذه الكلمات وقال: "تشكل هذه الزيارة بالنسبة لي مدعاة فرح وامتنان لأنها تسمح لي، قبل كل شيء، أن أكتشف غنى أرضكم وشعبكم وتقاليدكم. امتنان يتحول إلى فرصة هامة لتعزيز الحوار بين الأديان والتعارف المتبادل بين مؤمني ديانتينا، فيما نحيي ذكرى اللقاء التاريخي –في مئويته الثامنة- بين القديس فرنسيس الأسيزي والسلطان الملك الكامل". وكثيرًا ما ينتقدُ البابا فرانسيس تصرفاتِ بعض الحكومات الداعية إلى بناء أسوار وسدود مع جيرانها، ويؤكد بأنَّ العالمَ يحتاجُ إلى جسور وليس إلى أسوار؛ جسور بين الثقافات والأمم والأديان والمذاهب المتنوعة. 
وشدد: خلاصة القول في هذا الأمر أن شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان يتبنيان ثقافة  الحوار دربًا، والتعاون المشترك سبيلًا، والتعارف المتبادل نهجًا وطريقًا، كما وضحت وثيقة الأخوة الإنسانية.