الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ملحمة دبلوماسية.. ذكرى استرداد طابا عندما انسحب آخر جندي إسرائيلي من سيناء

انتصار مصر في استعادة
انتصار مصر في استعادة طابا

تحتفل مصر اليوم، الأحد 19 مارس، بالذكرى الـ 34 لتحرير طابا، حيث رفع العلم المصري عليها عام 1989، معلنا السيادة وحق مصر في أراضيها، الذي انسحب فيه آخر جندي إسرائيلي من آخر نقاط سيناء، بعد الانتصار الكبير في حرب 6 أكتوبر عام 1973 بجانب الانتصار الدبلوماسي في معركة التحكيم الدولي عام 1988.

ذكرى تحرير طابا 

استرداد طابا لم يكن أمرا سهلا

وتعد ذكرى استرداد أرض طابا أحد الأيام التاريخية التي لن ينساها المصريون والعالم أجمع، حينما رفرف علم مصر على ذلك الجزء الغالي من تراب الوطن، بعودة آخر شبر من سيناء إلى مصر، بعد أن أدت القوات المسلحة دورها العسكري بنجاح في حرب أكتوبر 1973.

إلا أنها أرست أيضا قواعد استئناف الصراع بين العرب وإسرائيل، وذلك باستخدام القنوات السياسية، لأن الصراع المسلح لم يعد وحده قادرا على حسم أي صراع لتحقيق نصر كامل في ظل الظروف الدولية المعاصرة.

وتعد قضية طابا هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، حيث تم لأول مرة تسوية نزاع حدودي بين إسرائيل ودولة عربية عن طريق المحاكم الدولية، وعلى الرغم من أن منطقة طابا لا تتجاوز كيلو متر مربع، إلا أنها تمثل أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لإسرائيل، وهو ما يعبر عن مدى الصفعة التي تلقتها إسرائيل باسترداد طابا رغم أنفهم.

وتبعد طابا عن مدينة شرم الشيخ حوالي 240 كم جنوبًا، وتمثل مثلثا قاعدته في الشرق على خليج العقبة بطول 800 متر، وضلعا شماليا بطول ألف متر، وآخر جنوبي بطول1090 مترًا، ويتلاقى الضلعان عند النقطة التي تحمل علامة 91.

وتكمن أهمية طابا بالنسبة للعدو الإسرائيلي في أنها تقع على بعد 7 كيلومترات من ميناء إيلات الإسرائيلي شرقا، ما يجعلها الباب على سيناء، وتعتبر إيلات أضيق جبهة إسرائيلية في المنطقة تطل على العقبة، فتمتد 5 أميال محصورة بين ميناء العقبة الأردني ووادي طابا.

وحاولت إسرائيل الاستيلاء على طابا من أجل توسيع إيلات التي تعتبر المنفذ البحري الوحيد لها على البحر الأحمر، ما يؤهلها للإشراف على طريق البحر الأحمر من سيناء إلى باب المندب، بالإضافة إلى أنها المدخل الأساسي لشرم الشيخ وبالتالي مضيق تيران، وتمثل نقطة تحكم لإسرائيل تقوم من خلالها بالاطلاع على ما يجرى في المنطقة، ووسيلة ضغط مستمرة على مصر تقوم من خلالها بعزل سيناء شمالها عن جنوبها.

كما تقع طابا في مواجهة الحدود السعودية في اتجاه مباشر لقاعدة تبوك، لذلك فمن يسيطر على طابا يسيطر على رأس خليج العقبة فيستطيع رصد ما يجرى في كل من خليج السويس وشرم الشيخ ونويبع، ولهذه الأسباب حاول العدو الإسرائيلي تحريك بعض هذه العلامات داخل الأرض المصرية للاستيلاء على طابا.

طابا

قصة النزاع التاريخي بشأن المدينة

وبدأت مشكلة طابا الأولى مطلع القرن الماضي بين مصر وسلطة الاحتلال البريطاني كطرف أول، ومع الدولة العثمانية كطرف ثانٍ في يناير 1906، بأن أرسلت تركيا قوة لاحتلالها مخالفة بذلك ما جاء بفرمان 1841 و1892 الخاصين بولاية مصر والحدود الدولية الشرقية لها والممتدة من رفح شمالاً على ساحل البحر المتوسط إلى رأس خليج العقبة جنوبا، شاملة قلاع العقبة وطابا والمويلح.

وتدخلت بريطانيا سياسيا لمنع تكريس الأمر الواقع على الحدود، وذلك حفاظا على مصالحها في مصر أو لمجرد احتمال تهديد قناة السويس، ذلك الشريان الحيوي الذي يصلها بمستعمراتها في جنوب شرقي آسيا والهند.

وازدادت المشكلة تعقيدا، فتعددت أزمة طابا وامتدت إلى منطقة رفح في أقصى الشمال، حيث قامت الدولة العثمانية أيضا بقوة من جنودها باحتلال مدينة رفح وإزالة أعمدة الحدود الدولية بها.

وبفشل الجهود السياسية، قامت بريطانيا بتقديم إنذار نهائي إلى الباب العالي في تركيا أوضحت فيه أنها ستضطر للجوء إلى القوة المسلحة ما لم يتم إخلاء طابا ورفح وعودة القوات التركية بهما إلى ما وراء الحدود، الأمر الذي دفع بالسلطة العثمانية بها إلى الرضوخ لهذه المطالب الشرعية.

وقامت بتعيين لجنة مشتركة مع الجانب المصري والبريطاني لإعادة ترسيم الحدود إلى ما كانت عليه مع تدقيقها طبقا لمقتضى القواعد الطبوغرافية لتحديد نقاط الحدود الطبيعية بدءا من رفح، ثم تتجه اللجان جنوبا بشرق على خط مستقيم تقريبا إلى نقطة حدود على خليج العقبة تبعد ثلاثة أميال من العقبة.

وهو ما يستدل منه ببساطة على عودة منطقة طابا إلى داخل الحدود المصرية بنحو ثلاثة أميال، حيث انتهى المهندسون البريطانيون مع مندوب المساحة المصرية واللجنة التركية من رسم الخرائط وتثبيت علامات الحدود من رأس طابا جنوبا مارا على رؤوس جبال طابا الشرقية المطلة على وادي طابا، ثم يتجه الخط الفاصل بالإستقامات المحددة وشمالاً حتى رفح إلى شاطئ البحر المتوسط مع تحديد هذا الخط الحدودي فلكيا وعلى الخرائط المرفقة بالاتفاقية المبرمة بين كل من مصر وبريطانيا وتركيا بخط أسود متقطع.

استعادة طابا 

إعادة ترسيم الحدود كما في السابق

وبلغ عدد الأعمدة المقامة وقتئذ على الحدود الدولية وحتى وقتنا هذا 91 عموداً للحدود، بدءا من العمود رقم واحد عند ميناء رفح على تل الخرايب، وآخر عمود هو رقم 91 على رأس طابا، حيث انتهى نهائياً بناء هذه الأعمدة الأسمنتية المسلحة في 9 فبراير 1907، وهكذا عادت طابا مصرية في طلع القرن العشرين، وكانت الوثائق المتعلقة بمشكلة طابا الأولى بوثائقها التاريخية خير سند قانوني دعم موقف المفاوض المصري في أزمة طابا الثانية في الثمانينات القرن العشرين الماضي.

لقد قدر لطابا أن تكون مرة أخرى بعد حرب أكتوبر 73 في دائرة الاهتمام لكل من الدبلوماسية المصرية والإسرائيلية، وذلك خلال ترتيبات الانسحاب النهائي من شبه جزيرة سيناء، تنفيذا لاتفاقية السلام، حيث بدأت مقدمات المشكلة.

وعادت مسألة الحدود الآمنة تطرحها إسرائيل بعد حرب أكتوبر 73 إلى أن عقدت معاهدة السلام في مارس 79، والتي نصت في مادتها الأولى على أن تنسحب إسرائيل من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب.

إلا أن إسرائيل، بعد توقيع المعاهدة قررت توسيع الأقاليم التي تحيط بميناء إيلات، وشرعت في إقامة فندق سياحي في وادي طابا دون إبلاغ مصر، ومن هنا بدأ خلاف حول الحدود، خاصة عند علامة الحدود رقم 91 بمنطقة طابا.

واكتشفت اللجنة المصرية في أكتوبر 1981، وعند تدقيق أعمدة الحدود الشرقية، بعض المخالفات الإسرائيلية حول 13 علامة حدودية أخرى أرادت إسرائيل أن تدخلها ضمن أراضيها، حيث أعلنت مصر أنها لن تتنازل أو تفرط في سنتيمتر واحد من أراضيها، وأن الحفاظ على وحدة التراب الوطني المصري هدف أساسي وركيزة لكل تحرك.

ودارت مباحثات على مستوى عالٍ بين الجانبين استخدمت إسرائيل فيها كل أشكال المراوغات، حيث أعلنت مصر أن أي خلاف حول الحدود يجب أن يحل وفقا للمادة “السابعة” من معاهدة السلام والتي تنص خلاصتها بأن "يتم الحل عن طريق المفاوضات، وفى حالة فشلها يتم اللجوء إلى التوفيق أو التحكيم".

وأبدت مصر رغبتها في اللجوء إلى مشارطة التحكيم فقامت بتشكيل لجنة فنية تضم مجموعة من الأساتذة والخبراء المتخصصين في القانون الدولي بدراسة الجوانب القانونية للتوفيق والتحكيم، كما شكلت مصر لجنة فنية أخرى للاتفاق على النظام الذي سيسود المناطق المتنازع عليها، حيث رأت مصر أنها تفضل اللجوء إلى التحكيم في المقام الأول.

محكمة العدل الدولية

الحكم التاريخي لصالح مصر بطابا

واستمرت المفاوضات لأكثر من أربع سنوات ولصعوبة الوصول إلى حل للنزاع وبتدخل الولايات المتحدة الأمريكية تم الاتفاق في 11 سبتمبر 1986 على اللجوء لهيئة تحكيم دولية تعقد في جنيف بسويسرا.

وقبل صدور الحكم رسخ لدى الهيئة انطباع حقيقي عن أوضاع نقاط الحدود بقوة الدفاع ووجهة النظر المصرية، وضعف حجة وجهة النظر الإسرائيلية.

وأصدرت هيئة التحكيم التي عُقدت في جنيف في 29 سبتمبر عام 1988، بالإجماع حكمها التاريخي لصالح مصر، وقضت أن طابا مصرية، وبعد صدور الحكم اختلقت إسرائيل أزمة جديدة في التنفيذ، حيث أعلنت أن مصر حصلت على حكم لمصلحتها، ولكن التنفيذ لن يتم إلا برضا إسرائيل، وبناءً على شروطها، ولكن الدولة المصرية بشعبها وجيشها رفضت كل العروض والمناورات الإسرائيلية.

وتم حسم الموقف عن طريق اتفاق روما التنفيذي في 29 نوفمبر 1988 بحضور الولايات المتحدة، حيث انتهى بحل المسائل المعلقة والاتفاق على حلها نهائيا.

وانتهت قضية طابا برفع العلم فوق أراضيها عام 1989 بعد معركة سياسية ودبلوماسية استمرت لأكثر من سبع سنوات.

الاحتفال بهذه الذكرى الوطنية الغالية هو تكريم للإرادة المصرية الصلبة والصمود البطولي، الأمر الذي أجبر إسرائيل لأول مرة في تاريخها على الانسحاب من كل شبر على أرض سيناء.

وفي هذا الصدد، قال اللواء سمير فرج، المفكر الاستراتيجي، إن ذكرى استعادة طابا يوم عظيم في تاريخ مصر، حيث استعدنا فيه آخر شبر من تراب مصر.

وأضاف فرج، في تصريحات لـ"صدى البلد"، أن اليوم هو يوم الفخر عندما تم استعادة آخر شبر من أرض مصر، فقد استعدنا سيناء في حرب 1973، واستعدنا بقيتها في مفاوضات السلام في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ثم انتهت الاستعادة الكاملة بالمعركة القدسية التي شارك فيها الدكتور مفيد إيهاب ومجموعته، الذين لجأوا للتحكيم الدولي ضد إسرائيل وحققوا استرجاع آخر شبر في أرض مصر، مختتما: "لذا فهو يوم عظيم تحتفل فيه مصر بكل نصر لها".

رفع علم مصر على طابا

يوم استراد طابا حدث عظيم بمصر

من جهته قال جمال شقرة، أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس، إن استرداد طابا ملحمة كبرى، حيث إنه في يونيو 1967 تعرضت مصر لمؤامرة كبرى بما تسمى "نكسة"، ولكننا لم نهزم ولم تقبل إرادتنا الوضع الراهن الذي تعرضت له بلادنا من العدو، ومن 1967 إلى 1970 أدارت مصر حرب استنزاف رائعة، واستعدت للعبور الذي تم في 1973 بالفعل.

وأضاف شقرة، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج “صباح الخير يا مصر” المذاع على قناة الأولى، أنه بعد كل حرب يجب أن تبدأ المفاوضات لتنتهي العمليات العسكرية، وبالفعل تم الوصول "لكامب ديفيد" سنة 1979، بعد ذلك تم الانسحاب من سيناء 1982.

وأشار أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس، إلى أن إسرائيل كانت تريد الاستيلاء على جزء من أرض مصر، ولكن عقيدة الجيش والشعب المصري عزمت عدم التفريط في شبر من أراضينا، ولذلك تم الإصرار على استرداد طابا، والأمر وصل "للتحكيم الدولي"، وكانت معارك دبلوماسية هائلة أيضا.

وأوضح شقرة، أن إسرائيل حاولت التلاعب بعلامة الحدود، الأمر الذي أدى إلى مطالبة مصر بالتحكيم الدولي، وبدأ التحكيم الدولي ومصر استعانت بفريق عظيم من جميع الأساتذة في مختلف المجالات، على رأسهم الدكتور عصمت عبد المجيد، وزير الخارجية السابق، والدكتور نبيل العربي، والدكتور وحيد رأفت، والدكتور مفيد شهاب صلاح عامر، أستاذ الجغرافيا الشهير، والدكتور يوسف أبو الحجاج، وأستاذ التاريخ الشهير الدكتور يونان رزق، وعدد آخر من مستشاري وزارة العدل ورئيس هيئة المساحة العسكرية، حيث أكد أستاذ التاريخ الشهير وقتها الدكتور يونان رزق، أن إسرائيل مدركة تماما عدم حقها في طابا، وبعد ذلك انتهى الأمر من التحكيم الدولي لصالح مصر، وأن طابا من حق مصر.

اللواء سمير فرج