الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

دول العالم تتخلى عن الدولار.. هل يلفظ الأخضر أنفاسه الأخيرة؟| حرب اقتصادية

الدولار
الدولار

يشهد العالم حركة متسارعة بالتخلي عن العملة الأمريكية الدولار، نظرا لما تسببت فيه ارتفاعاته الأخيرة، في تفاقم معدلات الضخم، وعدم تمكن الدول من إتمام عمليات التبادل التجاري، ما دفع البعض للجوء إلى التخلي عن العملية الأمريكية، وباتت مؤشرات انهيار الدولار كعملة احتياطي عالمي، تظهر ولو بشكل طفيف.

روسيا تتخلى عن الدولار

ولعل أبرز ما يجعل الدولار متماسكا حتى الآن، هو تسعير النفط بالدولار، وظل هذا الوضع قائما منذ عام 1971، حين تم فك ارتباط الدولار بالذهب، وتراجع الطلب عليه، وبالتالي تمتلك الدول النفطية قدرة تهديد كبيرة للعملة الأمريكية، حال قرروا التخلي عن تسعير النفط بالدولار والتحول إلى اليوان، أو سلة عملات مختلفة، ما يعني دفع مزيد من معدلات التضخم إلى الولايات المتحدة نفسها.

وتعود الحركة العالمية بشأن التخلي عن الدولار، - رغم عدم تأثيرها القوي حتى الآن - إلى استمرار الفيدرالي الأمريكي في عمليات التشديد النقدي، ورفع الفائدة في مواجهة التضخم، مصدرا بذلك أزمة إلى دول العالم، التي هربت منها رؤوس الأموال الساخنة خاصة من الأسواق الناشئة في آسيا والشرق والأوسط، وأمريكا، بهدف شراء السندات الأمريكية ذات العائد المرتفع، ولكن ما لم تحسب أمريكا حسابه، هو تحول دول العالم إلى اختيار عملة أخرى للتبادل التجاري بعيدا عن الدولار، ما يهدد الأخضر بمستقبل أسوأ.

وكالة بلومبرج، ذكرت في تقارير لها أن اليوان الصيني، تمكن من أن يحل محل الدولار في روسيا، وأصبح العملة الأكثر تداولا، وساعد في هذا العقوبات التي فرضها الغرب بقيادة الولايات المتحدة على موسكو، حيث استندت تقارير بلومبرج على المعاملات اليومية في بورصة موسكو، والتي أفادت بأن اليوان تفوق على الدولار من حيث التداولات الشهرية لأول مرة في فبراير الماضي، وأصبح الفرق بين العملتين واضحا في مارس الماضي.

وأشارت بلومبرج، إلى أن حجم التداولات باليوان الصيني، في السوق الروسية، كان ضئيلا قبل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ولكن فرض الغرب العقوبات الاقتصادية الواسعة على روسيا، تسبب في توسيع قاعدة المعاملات باليوان، موضحة أن العقوبات ضد روسيا وشركاتها، دفعتهم لتحويل عمليات التجارة الخارجية من الدولار واليورو، إلى عملات الدول الصديقة أي عملات الدول التي رفضت الانضمام إلى العقوبات.

وأوضحت أن وزارة المالية الروسية نقلت في وقت سابق من هذا العام، عمليتها في السوق إلى اليوان بدلا من الدولار، وتم اعتماد هيكل جديد لصندوق الرفاه الوطني (صندوق سيادي روسي)، والذي يسمح بحيازة 60% من أصوله باليوان، بينما يوصي البنك المركزي الروسي، الشركات والأفراد بتحويل أصولهم إلى الروبل أو عملات الدول الصديقة لتجنب مخاطر تجميدها.

تبادل تجاري بعيدا عن الدولار

وعلى غرار ما يحدث في روسيا، أعلنت بورصة شنجهاي، عن تسعير شحنة غاز إماراتية بالعملة الصينية، كما اتفقت البرازيل والهند مع بكين على أن يكون التبادل التجاري بينهما باليوان، في حين تفضل دول أخرى في آسيا وأمريكا اللاتينية، تنويع سلة عملاتها في تجارتها الخارجية بديلا عن الدولار ما يثير قلق وسائل إعلام أمريكية من بداية عصر انهيار الدولار.

كما أن البرازيل، وهي أكبر اقتصاد أمريكا اللاتينية، قررت في أواخر مارس الماضي، التعامل باليوان الصيني مع الصين في تبادلها التجاري، والبالغ حوالي 150 مليار دولار سنويا، وهذه ضربة قاضية للنقد الأمريكي، في إطار التحولات العالمية التي تصب في مصلحة التخلي عن الدولار.

الهند من جانبها، بدأت فعليا في تسديد جزء من وارداتها من النفط الروسي بالدرهم الإماراتي بدل الدولار، رغم أن العملة الإماراتية مرتبطة بالدولار، لكن استقرارها قد يحولها إلى عملة تداول عالمي ضمن سلة من العملات.

وفي خلف هذا المشهد، بدأت مجموعة البريكس بالتوسع، فقد صدقت مصر مؤخرا على اتفاقية بنك التنمية الخاص بالمجموعة والتي تضم روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، كما أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يناير الماضي، أنه سيتم ناقش بين دول المجموعة، إنشاء عملة موحدة بين الدول الأعضاء، خلال القمة المقرر عقدها في جنوب إفريقيا، في أغسطس المقبل، وحال تمت هذه الخطوات سوف تستحوذ العملة الجديدة على ربع اقتصاد العالم والمقدر بـ 23%، متفوقة على الاتحاد الأوروبي الذي يقدر بـ 22%، وهذا من شأنه أن يضغط أكثر على الدولار كعملة تداول واحتياط عالمي، وأن طموح الصين بجعل اليوان عملة التداول الأولى عالميا.

من ناحية أخرى، يبحث تكتل دول رابطة جنوب شرق آسيا، تقليل الاعتماد على الدولار في التبادل التجاري، والاتجاه إلى العملات المحلية، حيث ناقش وزراء مالية المجموعة في مارس الماضي، بإندونيسيا، تقليل الاعتماد على الدولار، واليورو، والين الياباني والجنيه الإسترليني في المعاملات المالية، والانتقال إلى التسويات بالعملات المحلية، وكان قد تم التوصل لاتفاق بشأن التجارة بالعملات المحلية بين إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة والفلبين وتايلاند، وذلك في نوفمبر الماضي.

معوقات نزع هيمنة الدولار

وقال الدكتور أحمد شوقي، الخبير المصرفي، إن هناك تهديدا قائما بالفعل لعرش الدولار، ولكن هذا الانهيار لن يحدث في ليلة وضحاها، مشيرا إلى أن التأثير على الدولار وتراجعه سوف يأخذ وقتا، خاصة وأن هناك دولا بدأت تتم معاملاتها التجارية بالعملات المحلية، لذلك يبقى السؤال القائم هو ما ثقل أو حجم هذه العملات، لأنه عندما نرى حجم الاحتياطيات، نجد الدولار الأمريكي في المقدمة بنسبة 60% يتبعه اليورو، ثم اليوان وبالتالي ما قيمة باقي العملات.

وأضاف شوقي - خلال تصريحات لـ"صدى البلد"، أن الأمر الثاني، يتعلق بما يسميه المصرفيون بـ Cross currency، هو السعر الذي تتم به معادلة ومعايرة قيمة العملة، بمعنى معرفة قيمة كل عملة أمام الدولار، وبالتالي حال استبعاد الدولار كيف تتم معادلة عملة أمام أخرى، وبالتالي فإن الدول سوف تقلل من تعاملاتها بالدولار ولكن ذلك في إطار حجم التبادل التجاري بينها، أما التأثير على الدولار بقوة سوف يحتاج لسنوات.

وأشار إلى أن التأثير يمكن أن يكون لحظيا، خاصة وأن الاقتصاد الأمريكي، من الاقتصادات التي ظلت مهيمنة لفترة، وانتبهت الدولة لهذه الأزمة، وبدأت تطالب بحقها في العمل بنظام مصرفي آخر بعيدا عن الدولار، لأن هيمنته أيضا تظل ممارسة احتكارية، تؤدي إلى تقوية عملة مقابل عملات العالم، وهو ما رأيناه في الفترة الأخيرة من صعود الدولار، وهبوط كل عملات العالم ومن ضمنها اليورو، عدا العملات العربية لأنها مرتبطة بالدولار المرتبط بتسعير النفط.

من جانبه توقع الباحث الاقتصادي، أحمد سعيد، في تقرير نشرته روسيا اليوم، انهيارا مدويا للدولار بسبب معدلات التضخم في الولايات المتحدة، الذي قد يتفاقم بسبب ارتفاع أسعار النفط عالميا، والذي قد يصل إلى 100 دولار للبرميل، ما يعني حدوث تخفيض لقيمة الدولار حوالي 30% وعندما يرتفع سعر برميل النفط من 75 دولارا إلى 100 دولار معناه ضرب الدولار.

وكانت توقعات بنك جولدمان ساكس الأخيرة، أكد ان تخفيضات أوبك لإنتاج النفط الخام قد تؤدي إلى عجز أكبر بكثير في السوق ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار إلى 100 دولار للبرميل بحلول أبريل 2024 وزيادة قوة تسعير المنظمة.