الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نيفين منصور تكتب: حقيقة الإشهار

نيفين منصور
نيفين منصور

تابعت خلال النصف الأول من شهر رمضان مسلسل علاقة مشروعة ، وبصفة عامة المسلسل هاديء الهدوء الذي يسبق العواصف ، رغم أنه يتناول قضية شديدة الأهمية ربما لم يصل مضمونها للجميع ، بداية من اسم المسلسل وحتى النهاية التى أثارت الجدل ، فأحداث المسلسل تتناول العلاقات المشروعة التي يشوبها العديد من الملامح الغير مقبولة مجتمعيا ، كالخيانة بين الأزواج في إطار شرعي والخيانة بين الأصدقاء والتي قد يختلف عليها البعض ، فالبعض يبيح لنفسه كل فعل قد يكون مرفوض مجتمعيا كالخيانة والغش طالما أنه ورقيا وقانونيا له شكل شرعي .

وبصفة عامة القصة متكررة في الحياة وتحدث بالفعل أمام أعيننا وقد تتسبب في كوارث نفسية للجميع ، وهنا يجب أن نتوقف عند مضمون المسلسل الذي يروي أحداث حقيقية تحدث بالفعل وتنتشر بين طبقات المجتمع المختلفة .

وحديثي عن المضمون لن يتناول المسلسل كعمل درامي أو آداء أبطاله ولا حتى نهايته التي لم يتقبلها عدد كبير من السادة المشاهدين على الرغم من أنها نهاية درامية ترمز للخراب الذي قد يحدث للأسرة نتيجة الزواج في السر وردود الأفعال المتباينة نتيجة كشف المستور ، وإنما حديثي عن الفكرة في حد ذاتها ووقعها على المجتمع ككل وما يترتب عليها من مشاكل وآلام نفسية قد لا تنتهي وقد لا تمر مرور الكرام عند البعض .

يحدث بالفعل أن يتزوج رجل من طليقة صديقه سراً أو أن  تنشأ علاقة عاطفية بين امرأة متزوجة ورجل متزوج ويتفق كل منهما مع الآخر على الزواج سرا بعد طلاق تلك المرأة من زوجها ، ويحدث بالفعل أيضا أن تكون تلك المرأة صديقة الزوجة الأولى لهذا الرجل ، أو على الأقل على علاقة ما بها حتى ولو كانت علاقة سطحية ، ويحدث بالفعل كذلك أن تدخل بيتها بكل جبروت وهي تعلم أنها أخذت من تلك المرأة زوجها سرا وأنها تسعى لأن تكشف المستور يوما ما للجميع ثم تستحوذ مع الوقت على هذا الرجل بعد أن يخسر بيته وزوجته وأولاده عند نشر خبر زواجها منه أمام الجميع .

في ظاهر الأمر العلاقة مشروعة فهي علاقة زواج وليست زنا ولكنها في باطن الأمر خيانة للمجتمع واستغلال خاطيء لمفهوم الزواج ، لأن أهم شروط الزواج هو الإشهار وهنا نتوقف عند تلك الكلمة شديدة الأهمية ، وهي الإشهار ومعناه وحدوده والمقصود منه ، هل الإشهار يعني أن يوقع على عقد القران إثنان من الشهود لا علاقة لهما بهذا الرجل أو بتلك المرأة؟ أم أن الإشهار الهدف منه أن يعلم الجميع وأن تكون العلاقة علنية ولا يشوبها السرية التي يستعملها البعض حفاظا على المصالح ؟

بالتأكيد المقصود بالإشهار هو إعلام الجميع و كلمة الجميع هنا ليس المقصود بها جميع الجهات الحكومية فقط وإنما تشمل أيضاً جميع المحيطين بهذا الرجل وبتلك المرأة بمعنى أوضح إشهار رغبة كل منهما في الارتباط الرسمي الشرعي بالآخر ولا تحتمل تلك الكلمة أي نوع من أنواع التحايل على الآخرين ، فما معنى أن يشهد على العقد شاهدان لا علاقة لهما بالزوج والزوجة ولا علاقة لهما بمجتمع كل منهما؟ هنا تفقد شهادتهما مضمون الإشهار المجتمعي المقصود شرعاً ، ويتحول المقصد من الإشهار  هو وضع شكل قانوني للعلاقة بينهما فقط .

ولكن هل المقصود شرعاً من الإشهار هو الحفاظ  فقط على الشكل القانوني حتى لا يقع كل طرف منهما سواء الزوج أو الزوجة تحت طائلة القانون لوجود علاقة غير شرعية بينهما؟ أم أن المقصود من الإشهار شرعاً هو إعلام  جميع المحيطين بهذا الرجل وبتلك المرأة بوقوع الزواج بينهما حفاظا على قدسية العلاقة وأهمية إعلانها أمام الجميع بكل وضوح وشفافية حتى لا يتحول مفهوم الزواج إلى وسيلة شرعية تُستَخدَم لخداع المقربين وخصوصا في الحالات المماثلة لما حدث في المسلسل المذكور ؟

قد يكون الزواج ورقيا وقع بصورة شرعية واكتملت أركانه ولكن واقعيا لم يحدث بصورة سليمة ، لأنه وقع سرا في ظل المجتمع الذي يجمع بين هذا الرجل وتلك المرأة وفتح أبواب الفتنة والضرر بين صديقين تجمعهما صداقة عُمر ، وفتح باب الخيانة وفقدان الثقة بينهما رغم أنها علاقة ورقيا سليمة  ومشروعة أمام القانون.

كما تسبب في هدم ثقة الزوجة الأولى في زوجها الذي كانت تراه كبيرا في عينيها وتُكن له كل احترام وتقدير ، انهدمت تلك الثقة بورقة إطارها شرعي ولكنها في مضمونها تُعتبر تحايل على الشرع ، فالشرع استحالة أن يقبل أن يُستَخَدم لتزييف الحقائق وللتحايل على الأصدقاء أو حتى للتحايل على زوجة وثقت في زوجها وأحبته و الأهم من الحب احترمته .

قد يُبرر البعض هذا الفعل بأنه حلال شرعاً وحق مكفول للزوج بعدم إشهار زواجه الثاني وعدم إعلام زوجته الأولى إذا ظن أن هذا الإشهار سوف يؤثر سلبا على أسرته وأولاده ويعتقد أن هذا هو الحل الأمثل. و أنه طالما لا يزني فهو لا يُغضِب المولى عز وجل وأنه مُحَلَل له التعدد في الزوجات وطالما يُحقِق شرط العدالة في الإنفاق فإن إعلام الزوجة الأولى ليس من حقها ، ولكن يغيب عن هذا الزوج أن إخفاء أمر الزواج قد يكون مُبررا في حالة مرض الزوجة الأولى مرض يجعلها لا تتحمل هذا الخبر حفاظا على صحتها ، ولكنه في الحقيقة  ليس هيناً بل قد يتسبب في تدمير نفسية تلك الزوجة، و بمجرد كشف الخبر قد تفقد الزوجة الأولى احترامها لزوجها إلى الأبد ، وقد تفقد الثقة فيه بشكل نهائي لأنه قد تسبب في هدم أنوثتها بكل قسوة وصادر حقها في المعرفة وحقها في قبول الأمر والتعايش معه أو استعمال حقها الشرعي في طلب الطلاق.

تعلمنا من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن من غشنا فليس منا ، والكلمة هنا عامة لكل مواقف الحياة ، سواء في التجارة أو في التعامل بين الناس ، حتى أصبح هذا الحديث قاعدة شرعية مهمة تحمل في طياتها معاني متعددة يجب مراعاتها قبل اتخاذ الشرع في التحايل على الأهل والأصدقاء واقناع الذات بأن حق التعدد للرجل يطغى على حق المرأة في المعرفة وفي حرية الاختيار بين قبول الاستمرار في تلك العلاقة أو استخدام حقها الشرعي أيضا في الطلاق.

في رأيي الشخصي اختلفنا أو اتفقنا مع نهاية هذا المسلسل إلا أنه عرض الموضوع بصورة سليمة حتى يستوعبها عدد كبير من السادة المشاهدين دون تحيز أو هجوم ، وجاء بالرد على عدد من الرجال الذين يروجون للتعدد ويحللون إخفاء الأمر عن الزوجة الأولى ويجردوها من حقها في المعرفة والاختيار.