الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المسحراتي المهنة الأبرز في ليالي رمضان.. حكاية عم الحبروكي الأسواني

صدى البلد

أجواء شهر رمضان بتحلى أكثر بوجود " المسحراتى " في الشارع ، فهو يعد من أبرز العادات والتقاليد والطقوس التى كان يشهدها الأجيال الماضية ولا يكون الشهر الكريم، إلا بيها.

 

ونستعرض عبر " صدى البلد " أبرز من عمل بهذه بمهنة " المسحراتى " في شوارع أسوان، فهذه المهنة أصبحت تندثر بشكل تدريجى، فهى تعد ظاهرة أساسية كانت منتشرة فى أسوان والعديد من محافظات الجمهورية، حيث ترتكز على قيام من يقوم بهذه المهنة بالتجول فى الشوارع والميادين والأحياء والمناطق السكنية لكى يقوم يتسحير الأهالى والمواطنين فى أجواء من النفحات العطرة مع تردد عبارات وكلمات ( أصح يا نايم وحد الدايم ) وغيرها من الصيحات المختلفة.

المسحراتى

ويقول ابن أشهر من قام بمهنة المسحراتى فى منطقة الكرور بمدينة أسوان وهو الراحل الحاج محمد الشهير " بالحبروكى " والذى عشق هذه المهنة منذ سنوات طويلة، وعرفه المواطنون وأحبوه ليجسد مهنة المسحراتى على أكمل وجه، وظل يعمل بها حتى وافته المنية، وكان الأطفال فى كل منطقة يخرجون على صوته ويحيونه ويداعبونه وسط أجواء من الفرحة والسعادة عليهم.

 

وأضاف بأن والده كان يخرج من منتصف الليل وحتى الثلاثة صباحاً في كل ليلة من ليالى شهر رمضان، وهو يتجول بالشوارع لتسحير المواطنين ثم يعود للمنزل قبيل أذان الفجر، وأنه من أهم الكلمات الشهيرة التى كان يلقيها المسحراتى هى ( أصح يا نايم وحد الدايم ، ورمضان كريم أصح وقوم شهر الصوم ).

 

كما أكد العديد من الأهالى على أنهم افتقدوا من يقوم بدور المسحراتى نظرًا لأن الأيام الماضية كانت تحمل نفحات عطرة وبركات، وكان المسحراتى يطوف بجميع شوارع المدينة فى ليالى رمضان، وكانت تلك الأيام تحمل ذكريات جميلة.

 

وكان المسحراتى يعتمد على التجول والتنقل بين الشوارع بالسير على الأقدام وهو يحمل فى يده ( طبلة أو أى آلة أخرى) ليطرق عليها فتخرج الصوت، بجانب صوت المسحراتى نفسه وهو يتألق بأعزب الكلمات فى ذكر الله، ومع تطور العصر وظهور مركبة التوك توك أتجه المسحراتى لاستخدامها فى التنقل والتجول بالشوارع والميادين لتخفيف عبء ومجهود الحركة.

 

واستكمالًا لرحلة وحدوتة المسحراتى التى كان من أبرز من قام بها على شاشة التليفزيون المصرى ولن ينساه الكبير أو الصغير من الجيل الحالى والأجيال القادمة هو الفنان الشهير الملحن " سبد مكاوى ".

 

والجدير بالذكر أن كلمة المسحراتى مشتقة من كلمة سحور، والمسحر هى وظيفة أو مهمة يقوم بها شخص لتنبيه المسلمين ببدء موعد السحور، وبدء الاستعداد للصيام، تبدأ تلك المهمة بإنطلاق المسحر قبل صلاة الفجر بوقت كافى ، يحمل فى يده طبلة وعصا، ينقر عليها صائحًا بصوت مرتفع " أصحى يا نايم أصحى وحد الدايم".

 

وقد بدأت تلك الوظيفة مع بدء التاريخ الإسلامى ، وكان بلال بن رباح، أول مؤذن فى الإسلام أعتاد أن يخرج قبل صلاة الفجر بصحبة أبن أم كلثوم، ويقومان بمهمة إيقاظ الناس، فكان الأول يطوف بالشوارع والطرقات مؤذنا طوال شهر رمضان، فيتناول الناس السحور، في حين ينادي الثاني، فيمتنع الناس عن تناول الطعام.     

 

وقصة المسحراتي في مصر بدأت منذ ما يقرب من 12 قرن مضي، وتحديدًا عام 853 ميلادية حيث أنتقلت مهمة المسحر إلى مصر، وكان والى مصر العباسى، إسحاق بن عقبة، أول من طاف شوارع القاهرة، ليلًا في رمضان لإيقاظ أهلها لتناول طعام السحور، فقد كان يذهب سائرًا على قدميه من مدينة العسكر في الفسطاط، إلى جامع عمرو بن العاص، وينادي الناس بالسحور.     

 

ومنذ ما يقرب من ألف عام، وتحديدًا في عصر الدولة الفاطمية، أمر الحاكم بأمر الله، الناس أن يناموا مبكرًا بعد صلاة التراويح، وكان الجنود يمرون على المنازل ويدقون أبوابها ليوقظوا المسلمين للسحور، حتي تم تعيين رجلا للقيام بتلك المهة، أطلفوا عليم اسم "المسحراتى"، كان يدق الأبواب بعصًا يحملها قائلًا: "يا أهل الله قوموا تسحروا".  

 طقوس متوارثة 

 

وكادت مهنة المسحراتي أن تندثر في بلاد المحروسة، إلي أن جاء العصر المملوكي، وتحديدًا في عهد السلطان المملوكي، الظاهر بيبرس، والذي عمل علي إحيائها كتراث اسلامي، ولتحقيق ذلك قام بتعيين صغار علماء الدين بالدق على أبواب البيوت، لإيقاظ أهلها للسحور، وبعد أكثر من نصف قرن، وتحديدا في عهد الناصر محمد بن قلاوون، ظهرت طائفة أو نقابة المسحراتية، والتي أسسها أبو بكر محمد بن عبد الغني، الشهير بـ"ابن نقطة"، وهو مخترع فن "القوما"، وهي شكل من أشكال التسابيح، ولها علاقة كبيرو بالتسحير في شهر رمضان، ظهرت في بغداد في بادئ الأمر، قبل أن تنتقل إلي القاهرة.    

 

وقام المسحراتي بتدوين أسماء كل من يرغب في النداء عليه لإيقاظه، ورويدًا رويدًا، بدأت مهنة المسحراتي تطرق أبواب الفنانين والشعراء، أمثال بيرم التونسى وفؤاد حداد والفنان الراحل سيد مكاوى، والذين تولوا مهمة نقل تلك الوظيفة إلي شاشة التليفزيون وميكروفون الإذاعة، ليستخدموا أحدث التقنيات لإيقاظ الناس للسحور.