الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خالد الشناوي يكتب: ماذا وراء بوابة الموت؟

خالد الشناوي
خالد الشناوي

استيقظت من نومي مفزوعا على أثر رؤيا رأيتها رأيت فيما يرى النائم وكأني بين ظلام ليل دامس شديد العتمة، وكأن هناك مقابر محكمة الغلق، وفوقها تلال من الرمال، قد أخذت شكلا من الرهبة مرعبا، ولسان حالي يقول:هل سنطيق البقاء داخل هذه القبور المغلقة إلى الأبد؟
وأسئلة تدور وتدور بداخلي عن حال الموتى بداخلها وما مصيرهم وعن مصيرنا فيما بعد؟
وكيف استوى من ماتوا بالأمس القريب بمن ماتوا منذ آلاف السنين؟
وعن حال هؤلاء الغرباء جميعهم داخل هذه الجدران الموصدة محكمة الغلق؟
صمت رهيب وشبح من الظلام مخيف!
وكأن هناك عشرات من البشر الأحياء تصادف وجودهم بين المقابر المتلاحمة، وكلما هممت بالتكلم معهم لا يسمعونني!
وكلما تكلموا بجانبي لا أكاد أن أسمع لهم حديثا ...
وكأن الأذن صمت، ولا يكاد يرى جميعنا سوى شفاه تتحرك وتتمتم بكلمات لا نكاد أن نفهمها ....
أصوات مكتومة، وكلمات حبيسة أن تصل وتنقل مشاعرها وما يجيش بداخلها لمن حولها!
لم يقطع هذا الحلم المخيف سوى أصوات المآذن تصدح بآذان الفجر، فنشطت من عقالي ونظرت حولي فوجدتني ما زلت في عداد الأحياء!
فحمدت الله على ذلك، وتوضأت فأحسنت الوضوء، وخرجت مصليا الفجر في جماعة، وعدت تعانق قلبي المضطرب أنفاس الصباح العطرة، فهدأت من روعي، والحلم لا يفارق مخيلتي!
دلفت إلى حجرتي فألفيت سبحتي الخشبية أمامي على الطاولة وكأنها تناديني أن آخذها بيدي بعد هجر لها قد دام أيام ليست بالقليلة ... أخذتها محاولا أن أعيد بها سيرتي الأولى، ذاكرا من لا يغفل ولا ينام ومصليا على خير الأنام عليه وآله أفضل الصلاة والسلام  .
أخذت أناملي تحرك حباة مسبحتي الخشبية العتيقة والتي كنت قد أشتريتها من جوار مسجد الإمام الحسين بن علي بقاهرة المعز لدين الله الفاطمي ...
هذا المكان الذي أعشقه لكونه ضم رأس سبط النبي الأعظم عليه أفضل الصلاة والسلام،كما أن القاهرة تعج بالعطرة الهاشمية أحفاد النبي من آل البيت الطاهرين هذه البقع الطاهرة التي تشم في روضاتها عطر النبوة متدفقا فواحا يعطر الأرواح فيحيي فيها الأمل المتجدد ويسقي القلوب المتعطشة من النور ما يعينها على استكمال مسيرتها في دنيا الناس
انها بالفعل سبحة ماليزية رائعة لا سيما وإنها قد صنعت من خشب الكوك هذا الخشب العتيق .
كلما تحركت عليها أصابعك لتكمل تمام المائة عدد حباتها تكاد تشم لها رائحة طيبة ويقولون أن هذا هو طبيعة الخشب الفواح المصنوع منه تلك السبحة!
انتهيت من خلوتي القصيرة وما انتهى مشهد هذا الحلم من ذاكرتي!
وتيقنت كيف أننا ضعفاء وفقراء إلى رحمة ربنا التي وسعت كل شيء .
وتبادرت الأسئلة تباعا سؤالاً تلو آخر ...
كيف أننا خلقنا للرحيل ورغم ذلك نتصارع صراعاً مخيفاً ونتقاتل بلا أدنى هواده أو رحمة!
فكيف يقتل الإنسان أخاه وكيف تقتل الأم وليدها وكيف يقتل الأب أبنائه؟
ما الذي سار بالإنسانية إلى هذا النفق المظلم؟
ومن الذي يتحمل هذه التبعات؟
هل هذا الاختلاف والتناحر ظاهرة كونية؟ وإذا كان كذلك فهل هذه الظاهرة تصل بنا إلى هذا الحد من البشاعة؟
أم أنها لعنة دماء قابيل_ الذي قتل منذ مهد الخليقة ظلما وعدوانا_ما زالت تطارد البشرية؟
واذا بالإجابة الشافية بصوت قدم صداه من داخل أعماق الروح:
إنه الصراع بين الحق والباطل ليميز الله الخبيث من الطيب 
إنها رحلة الحياة بحلوها ومرها، بشرها وخيرها،ومن ثم تكون الحكمة من وجودنا فيها  ....
فماذا لو كانت حياتنا هنا أبدية ولم تكتب فيها النهايات؟
ماذا لو كان الأقوياء هنا وأهل الشر باقون بغرورهم إلى الأبد إذن لاحترق هذا الكون دماراً وخرابا ولفتن أهل الخير فتونا كبيرا !
واذا كانت حياتنا أهم من أن تكون غاية ولكنها أهم من أن تنسى 
يقول العارف بالله: 
إن الدوام قاتل الشعور .. لأن أعصابنا عاجزة بطبيعتها عن الاحساس بالمنبهات التى تدوم ..
نشعر بثروتنا حينما تفر من أيدينا ..
و نشعر بصحتنا حينما نخسرها ..
و نشعر بحبنا حينما نفقده ..
ونشعر بمجدنا حين يختفي بريقه 
فإذا دام شىء فى أيدينا فإننا نفقد الاحساس به!
فلسفة وجودنا أننا خلقنا للرحيل و لا ندرك الأشياء إلا فى لحظة فنائها
وكل تعلق بغير الله ينهار  .
كتب الراحل الدكتور مصطفى محمود في مؤلفه:ماذا وراء بوابة الموت؟
"...ولو تأمل الناس في مصيرهم وفي حياتهم لآمن الكل، ولو تأملوا في دنياهم ومباهجها الفانية ولذاتها المحدودة والموت والأمراض والمعاطب والأوجاع التي تحف بها لما غرقوا فيها ولما استسلموا لدنياها وتفاهاتها. ولو تأملوا الموت لما تهالكوا على الحياة. ولو ذكروا الآخرة لفروا فرارا إلى جناب ربهم" .