الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كيفية صيام شهرين متتابعين وحساب المدة.. دار الإفتاء تجيب

الصيام
الصيام

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما كيفية ابتداء وإتمام صيام كفارة شهرين متتابعين إذا بدأ الصوم أثناء الشهر؟ فقد وجب عليَّ صيام شهرين متتابعين كفارةً، فهل يجوز لي أن أبدأ صيام الكفارة في أثناء الشهر الهجري، وكيف يُحْسَبُ الشهران إذا بدأت الصيام في أثناء الشهر؟

وقالت دار الإفتاء، في إجابتها على السؤال، إنه إذا ابتدأت صيام الشهرين المتتابعين -الكفارة- في أثناء الشهر القمري؛ فَإنَّ لَكَ أن تصومَ ما بقي من الشهر بالعدد، وتصوم الشهر الذي بعده بالهلال -تامًّا كان أو ناقصًا-، ثم تصوم من الشهر الذي بعده ما يُتمّم الشهر الأول ثلاثين يومًا، أو أن تصومَ ستين يومًا عددًا، ولا حرج عليك؛ فالأمر في ذلك واسع.

وذكرت دار الإفتاء، أنه من المقرر شرعًا أن المؤقتات المعتبرة لأداء العبادات الشرعية واحتساب أيامها في الشريعة الإسلامية: الشهور الهجرية، فإن أطلق الشهر في الشرع انصرف إلى الشهر القمري ما لم يُخَصّ غيرُه بقرينة؛ كما جاء في "المعونة على مذهب عالم المدينة" للقاضي عبد الوهاب (1/ 917، ط. المكتبة التجارية)، و"الحاوي الكبير" للإمام الماوردي (10/ 503، ط. دار الكتب العلمية)، و"المهذب" للإمام الشيرازي (2/ 77، ط. دار الكتب العلمية).

ولذلك خصَّ الشرع بعض الشهور والأيام بأداء بعض العبادات والفرائض فيها؛ كأشهر الحج، وصوم رمضان، وأيام العيدين ونحوها، فلا يصح أداء هذه العبادات إلا في هذه الشهور وتلك الأيام المخصوصة، وتحسب بدايتها ونهايتها بالأهلة؛ أي عند رؤية الهلال الذي يُعرف به مولد شهر جديد ونهاية شهر مضى أو في أثنائه؛ قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: 189].

 

أنواع الشهور القمرية 


هذه الشهور القمرية: منها ما هو تامُّ العدد، ومنها ما هو ناقصُه؛ فإن كان تامًّا كان عدد أيامه ثلاثين يومًا، وإن كان ناقصًا كان عدد أيامه تسعةً وعشرين يومًا؛ لما أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي: ثَلَاثِينَ، ثُمَّ قَالَ: «وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ، يَقُولُ: مَرَّةً ثَلاَثِينَ، وَمَرَّةً تِسْعًا وَعِشْرِينَ. "فأخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن ذلك جائز في كل شهر من الشهور، إذ لم يُخَصّ بذلك شهرًا من سائر الشهور"؛ كما قال الإمام ابن بطال في "شرحه على صحيح البخاري" (4/ 29، ط. مكتبة الرشد).

 

صيام الكفارة شهرين متتابعين


وقالت دار الإفتاء، إنه إذا شرع مَن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في الصوم من بداية الشهر القمري أو في أثنائه: جاز ذلك بلا خلاف بين العلماء؛ قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (8/ 37، ط. مكتبة القاهرة): [ويجوز أن يبتدئ صوم الشهرين من أول شهر، ومن أثنائه، لا نعلم في هذا خلافًا؛ لأن الشهر اسمٌ لما بين الهلالين ولثلاثين يومًا، فأيهما صام فقد أدى الواجب] اهـ.

وإذا بدأ صيام الشهرين بالأهلة: أجزأه ذلك بالإجماع؛ سواء كانا تامَّين أو ناقصَين؛ أي: وإن لم يكن مجموع الشهرين ستين يومًا، وكذلك إن بدأ صيام كفارته بالأيام دون الأهلة: أجزأه ذلك إذا صام ستين يومًا بالإجماع؛ كما في "الإشراف" للإمام ابن المنذر (5/ 308، ط. مكتبة مكة الثقافية)، و"المغني" للإمام ابن قدامة (8/ 37)، و"الإقناع في مسائل الإجماع" للإمام أبي الحسن بن القطان (2/ 65، ط. الفاروق الحديثة).

أما إذا بدأ صيام الكفارة أثناء الشهر: فإنَّ عليه أن يصوم ما بقي من الشهر بالعدد، ويصوم الشهر الذي بعده بالهلال؛ تامًّا كان أو ناقصًا، ثم يتمّم عدد الشهر الأول الذي بدأ في أثنائه من الشهر الثالث ثلاثين يومًا؛ فلو بدأ صوم كفارته في شهر الله المحرَّم فصام منه عشرة أيام مثلًا فإنه يصوم شهر صفر بالهلال؛ سواء كان كاملًا أو ناقصًا، ثم يكمل من شهر ربيع الأول عشرين يومًا؛ وهذا ما نص عليه جمهور الفقهاء؛ من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قول الإمام محمد بن الحسن الشيباني، والقاضي أبي يوسف في إحدى الروايتين، وهما من فقهاء الحنفية.

وذهب الإمام أبو حنيفة، والقاضي أبو يوسف في الرواية الأخرى، والإمام الزهري، إلى أنَّ الصائم إذا بدأ أثناء الشهر: وجب عليه صيام ستين يومًا؛ أي: أن حساب كفارته يكون بعدد الأيام لا بالأهلة.

وذكرت أن خلاصة ما سبق: أن مَن وجب عليه كفارة صيام شهرين متتابعين يجوز له أن يبدأ صيام كفارته من أول الشهر الهلالي وفي أثنائه بالإجماع؛ فإن بدأ صومه من أول الشهر واستمر في صومه حتى استوفى شهرين كاملين أجزأه ذلك بالإجماع؛ سواء كان هذان الشهران تامَّين أو ناقصَين، وإن صام بالأيام ستين يومًا أجزأه ذلك أيضًا بالإجماع، وأما إن بدأ أثناء الشهر؛ فعلى قولين:

الأول: أنه يصوم ما بقي من الشهر الذي بدأ فيه، ويصوم الشهر الذي بعده بالهلال -تامًّا كان أو ناقصًا-، ثم يتمّم صيام الشهر الأول من الشهر الثالث ثلاثين يومًا، فلو بدأ صوم كفارته في شهر الله المحرَّم فصام منه عشرة أيام مثلًا؛ فإنه يصوم شهر صفر بالهلال، ثم يصوم من شهر ربيع الأنور عشرين يومًا؛ كما هو مذهب جمهور الفقهاء؛ من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قول الإمام محمد بن الحسن الشيباني، ورواية عن القاضي أبي يوسف من فقهاء الحنفية.

والثاني: أن المُعتبَر في احتساب الكفارة من أثناء الشهر هو الأيام لا الأهلة؛ أي: إذا صام أثناء الشهر؛ فإنَّ عليه أن يصوم ستين يومًا عددًا؛ كما هو قول الإمام أبي حنيفة، والقاضي أبي يوسف في الرواية الأخرى، والإمام الزهري.

وفي واقعة السؤال: فإذا ابتدأت صيام الشهرين المتتابعين في أثناء الشهر القمري؛ فَإنَّ لَكَ أن تصومَ ما بقي من الشهر بالعدد، وتصوم الشهر الذي بعده بالهلال -تامًّا كان أو ناقصًا-، ثم تصوم من الشهر الذي بعده ما يُتمّم الشهر الأول ثلاثين يومًا، أو تصومَ ستين يومًا عددًا، ولا حرج عليك؛ فالأمر في ذلك واسع.