الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نيفين منصور تكتب: الشوكولا السوداء

نيفين منصور
نيفين منصور

نكهة بطعم الحياة ، مزيج من المرارة مصحوب بحلو المذاق ، وكأنك تُلَّخِص الحياة في قطعة من الشوكولا السوداء. إذا تناولت قطعة منها وأسرعت في مضغها لا تشعر إلا بطعم المرارة ، وإذا تناولت قطعة منها وتركتها لتذوب ببطء دون أن تسارع في التهامها فإذا بالمرارة تتحول إلى مذاق ممتع يأخذك بعيداً لتبحر في قصة  الحياة ،حياة علمنا فيها المولي عز وجل أن نصبر على كل ما هو مُر حتى ننال ثواب الصبر ثم تتحول حينها مرارة الحياة إلى الرضا بالمقسوم.
 

حياة كُتبِت ثم رُفعت من بعدها الأقلام وجفت الصحف قبل أن نحياها ، نشهد فيها على أنفسنا وقد نتعلم فيها الحكمة والموعظة الحسنة. يسرد فيها المولى عز وجل روايات محزنة وروايات سعيدة ، وطرق مقسومة نختار منها الأصلح ونُحاسَب على اختياراتنا .

لكل منا مصير محسوم فاصبر على كتابك وامضي فيه ببطء وكأنك تتذوق مرارة الشوكولا السوداء. وتعلم كيف تصبر على ما يحدث لك وتشهد عليه روحك من قسوة الأيام فقد تكون أحيانا  عجاف صعبة وأحيانا أخرى  تكون مملوءة بالخير واليسر والبركات.
   
 من أكثر الأوقات التي أشعر فيها بالمتعة وأتذكر حكمة الحياة حينما يستوقفني طعم القهوة الجميل في قطعة صغيرة من الشوكولا السوداء ،أتذكر حينها شريط الذكريات وما علمتني الحياة ، التي تأتي على مراحل متباينة طفولة فشباب فكهولة ثم شيخوخة وختام ، رحلة شاقة قد تأخذ العديد من  السنوات وقد تنتهي فجأة و الجميع في انتظار موعد الرحيل ، يأتي فيه قطار الموت ليعيدنا من حيث أتينا ، ثم يتحدد المصير إما جنة أو نار .

يا الله يا بديع الكون هوّن على عبادك واجعل الحياة صغيرة في أعيننا كقطعة الشوكولا السوداء ، تذوب فتنتهي معها الفتن ونعود إلى جنة الخلد وينتهي معها الصراع الدائم بين الخير والشر  ، ونعود من حيث أتينا وتنتهي المعاناة.

 قالوا عنها داء ودواء ، تشتاق روحك لها دون أن تشعر إذا اكثرت منها أدمنتها ، قد تطيل العمر وقد تصيبك بالمرض وأنت من يختار ، تنعش الروح وتحفز هرمون السعادة ، فالشوكولا حياة تحيا فيها ومعها فإذا اندمجت معها كثيرا أصابك شرها وإذا استمتعت بالقليل منها تركت لك الأثر الطيب.فكن على حذر وأنت تتناول الشوكولا السوداء وتعامل معها كما تتعامل مع فتن الحياة .
  
ملخص الحكمة الإلهية في مرحلة الحياة هي أن لا تفرح كل الفرح ولا تحزن كل الحزن ، فالتوازن بين المُر والحلو هو كل ما نحتاج إليه لكي نعبر بأمان من فتن هذا الزمان، فتذكر قول المولى عز وجل وأنت تتناول قطعة من الشوكولا السوداء

اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)