الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كريمة أبو العينين تكتب: صناعة الحضارة وبناء الطفل

كريمة أبو العينين
كريمة أبو العينين

لم يكن غريبًا أن تصبح الصين على ما هى عليه الآن، من تمدد اقتصادى، وتربع صناعى على قمة العالم كله، بل وقدرتها على غزو الولايات المتحدة القطب الأوحد صناعيًا فى عقر دارها، وفى كل أماكن مصالحها فى العالم بكافة أطرافه المترامية.

 بتلك المقدمة القوية جاءت محاضرة أستاذ علم الحضارات الحديثة ؛ فى واحدة من جامعات الولايات المتحدة الشهيرة ، والتى نشرتها جريدة أمريكية؛ وتوالى من بعدها العديد من الجرائد، والمواقع الإخبارية نشرها وعرضها . 

بدأ المعلم محاضرته بعرض فيديو؛ يستشهد به على ما ذكره، ويظهر فى الفيديو طفل صيني لم يتجاوز السنتين، الطفل معه كيس صغير يتناسب مع حجمه وعمره وقدرته على حمل الأشياء. 

الطفل يسير فى الشارع وكلما رأى أية مخلفات يحملها فى هذا الكيس؛ وعلى الرغم من ندرة وجود أية مخلفات، إلا أن الهدف أعمق وأرقى، وهو "زرع النظافة فى عقلية ووجدان الأطفال وبأن يكون جمال وطنهم هو هدفهم الأسمى"، الطفل يستمر فى تجوله، فيجد سيارة بابها مفتوحا ، وربما فتحت له كى يطلعنا على ردّة فعله عندما رأى كمية من النقود على الكرسى المجاور لكرسى صاحب السيارة، فتصوّروا ماذا فعل الطفل ذو العامين أو أقل أو أكثر ، قام الطفل بإحضار كرتونة كان قد جمعها من مخلفات الشارع ؛ ووضعها فوق النقود حتى يخفيها عن أعين من تصور له نفسه السرقة ، وبعدها يغلق الطفل الباب ويعود من حيث جاء.

عندما انتهى المعلم من هذا الفيديو ، نظر إلى طلابه ليتعرف منهم على تعليقاتهم، والتى كان من بينها، من قلل من شأن هذا السلوك، ربما لأنه من الصين تلك الدولة التى تكشر عن أنيابها لواشنطن، وتعد نفسها لريادة المجتمع الدولى مستقبلا، وتسحب البساط من تحت قدم الولايات المتحدة، الدولة حديثة النشأة والتى يتجاوز عمرها القرون الثلاثة.

لم يعقب الأستاذ الجامعى على تعليقات طلابه ؛ بل عرض عليهم فيديو آخر من الصين أيضا ، موضوع محاضرته ؛ وفيها يظهر طفل يلهو بلعبه ، وفور دخول والده ، قام الطفل بجمع لعبه ووضعها بنظام مدقق فى دولاب لعبه ، وبعدها قام بغسل يديه ، وعندما فتح الصنبور، علق المعلم بلفت انتباه طلابه الى طريقة الطفل فى فتح صنبور المياه ، وحرصه ان يكون الفتح ضعيفا لتنزل معه المياه فى اقل تقدير وتجميع . بعدها يذهب الطفل الى أبيه لأنه قد تمت تربيته على ان عودة الوالد الى البيت هى عودة للحديث والجمع الاسرى وليس للعب بأغراضه ؛ وبألا يصبح كل فرد بعيدا عن الآخر، حمل الاب ابنه وسأله كيف قضى وقته ؛ وبادره ابنه بنفس السؤال ، دقائق وتأتى الام لتخبرهم بأن المائدة قد اعدت لتناول الطعام.

 انتهى المدرس من عرض هذين المشهدين متعهدا بمزيد من هذه المشاهد لبلاد اخرى مع اختلاف النتائج والأهداف وفتح المعلم الحوار والنقاش ويسأل " هل لدولة مثل الصين مصير غير ما وصلت إليه ، وما ستصل اليه مستقبلا؟ وهل لطفل غرست فيه منذ نعومة أظفاره ؛ مبادئ النظافة ،والجمال ، والخوف على تقبيح وجه الوطن ، هل هذا الطفل لن يواصل مسيرة امته كلها من البناء والتقدم ؟ 
وهل لأسرة مثل أسرة طفلنا هذا ؛ التى ربته على ان تجمع الاسرة قيمة مهمة يجب الحفاظ على استمرارها ؛ هل هذه الاسرة تتساوى مع غيرها من الاسر التى اخذتها شقوتها ، وجعلتها تنسى رسالتها فى تعليم النشء ؛ وهدمت بيديها قيما كتلك القيم التى تحرص الاسر الصينية على زرعها فى عقول وقلوب ابناءها منذ الصغر.

 الكل يتعجب من المارد الصينى وما صار عليه من وجود عالمى ؛ ومكانة دولية ، ولا يبحث فى الاسباب التى جعلته كذلك ،صناعة الحضارة يا طلابي الاعزاء تبدأ بخلق جيل مغروس فى داخله؟ مبادئ وطنية وسلوكيات مكتسبة صحيحة وحقيقية؛  وليست مجرد كلمات ، وشعارات واغانى ، يصدح بها فى المناسبات والاعياد.

صناعة الحضارة ، تبدأ ببناء طفل مغروس فيه حب الوطن وإيثار مصلحة وطنه؛  والعمل على رفعة بلاده ببذل الجهود وتواصل العمل حتى تظل بلادهم متحضرة رافعة رأسها ، وعلمها مرفرفا فى سماء الدنيا كلها.