الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الاستهلاك المفرط.. أكبر خطر يواجه البشرية ويهدد بخراب الأرض وهذه الحلول

تزايد البشرونقص الموارد
تزايد البشرونقص الموارد

أصبح الاستهلاك مع ازدياد الطلب للمنتجات والخدمات مبالغ فيه دون وجود الحاجة الحقيقية، بل وأصبح الاستهلاك غاية في حد ذاته، وظهرت النزعة الاستهلاكية والتي خلقت دوامة استهلاك تتطلب إنتاجا أكبر للسلع، مما يعني زيادة استهلاك للمواد الخام والطاقة، واستنزاف أكبر لموارد الأرض بشكل عام، والتي بدورها أثرت على البيئة بشكل سلبي وباتت تهدد وجود البشر على كوكب الأرض.

فرط الاستهلاك والبشرية

ففرط الاستهلاك هو من أخطر المشكلات التي تواجه البشر بالوقت الحالي، وأن البحث عن علاج ناجح بات أمرا ضروريا، لأن معدلات الاستهلاك الحالية للموارد الطبيعية تنذر بحدوث كوارث على الصعيد الإنساني والبيئي، فمرض الاستهلاك الذي اصاب ملايين البشر بات يحرم ملايين أخرين من الحصول على ضروريات البقاء على قيد الحياة.

وبالعودة الى سبب غياب المستهلك الرشيد وانحراف السلوك الاستهلاكي في المجتمعات، فنجد أن المجتمعات المعاصرة باتت تعاني من  قصور في المعلومات الصحيحة عن السوق، بالإضافة إلى وسائل الدعاية والإعلان المضلل لقرار المستهلك، يضاف لها عدم معرفة المستهلك لأولويات حاجاته، وعدم توزيع دخله ليلائم هذه الاولويات، كل ذلك أدى إلى انحراف السلوك الاستهلاكي لدى الفرد في المجتمع تبعه انحراف في السلوك الإنتاجي وتخريب للاقتصاد.

فطريقة الاستهلاك في المجتمعات الحديثة، أدت إلى استنزاف الموارد الطبيعية الأولية بحجة الإنتاج والطلب المتزايد، والتي بات ينتج عنها كميات هائلة من المخلفات والملوثات البيئية التي تعجز النظم البيئية للكرة الأرضية عن تحملها، وأن التلوث البيئي أدى إلى انقراض كثير من الكائنات الحية، وأصبح مصدر تهديد مباشر لحياة الإنسان ويزيد من احتمال إصابته بكثير من الأمراض.

وحذر الصندوق العالمي للحياة البرية، من أن كوكب الأرض يخسر تنوعه البيولوجي بوتيرة لم يشهدها إلا في فترات الانقراض الشامل عازيا السبب للاستهلاك العالمي المنفلت.

وبالرغم من اتساع رقعة التكنولوجيا والمكننة والرقمنة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي، لكننا لم نستطع استيعاب الطلب العالمي، وبالتالي فنحن اليوم أمام تحدي كبير، إذ أنه ورغم الخدمات المقدمة لكن هناك أفواه مازالت تسعى لأن تشبع رغباتها بأكبر قدرممكن، وأن المشكلة الاقتصادية تتبلور في أن الموارد الاقتصادية تتزايد بمتوالية عددية، بينما الحاجات والرغبات السكانية تتزايد بمتوالية هندسية، والتالي فإن هذه الزيادة تفوق الزيادة الحاصلة بالموارد الاقتصادية، وهذا أدى إلى اتساع الطلب والذي بدوره خلق حالة من الصراع لاستخدام أكبر قدر ممكن من هذه الموارد واستنزافها، ما أدى إلى خلق خلل بيئي ظهرت نتائجه متمثلة بالتغيرات المناخية وانسحار الأراضي الزراعية وذوبان قسما كبيرا من المناطق الجليدية في القطب الشمالي وارتفاع هائل في درجات الحرارة، بينما يمثل انحسار المياه الخطر الأكبر.

أما بالنسبة  للموارد الاقتصادية مثل النفط والغاز وما شابهها من الثروات المعدنية، فقد بدأت تستنزف وبتنا نواجه نقصا حادا في الموارد الاساسية لاستمرار الحياة على الكوكب، ولابد من التوعية بخطورة انتشار ظاهرة (الاستهلاك الترفي الكمالي) والتي يتوجه فيها الفرد نحو السلع التي قد تكون ليست ضرورية ومهمة بالنسبة  له، لكنه يقتنيها من أجل المباهاة فقط، وهذا النمط من الاستهلاك بدأ ينتشر بين الطبقات المتوسطة الدخل بعد أن كان محصورا على الطبقات الغنية فقط، وولدت هذه الأسباب مجتمعة صراعا على حساب موارد الأرض والبيئة بشكل عام.

وتستلزم عمليات الإنتاج والاستهلاك توليد نفايات تؤدي بدورها الى خلق خلل في التوازن البيئي للطبيعة، من ناحية أخرى، فان عملية تحويل المواد الخام، تنتج كمية كبيرة من النفايات، إذ تشير التقديرات إلى أنه يتم إنتاج أكثر من 2 مليار طن من النفايات سنويا في هذه العملية حول العالم.

من جانبه قال الدكتور رائد سلامة الخبير الاقتصادي، إن القضية بالأساس تتوقف على المستوى الدولي في عدم عدالة التوزيع والاستهلاك، فمجتمعات دول الشمال أو دول المركز تستأثر بالنصيب الأكبر في موارد العالم سواء كانت تملك هذه الموارد أم أنها ستستنزف موارد دول الجنوب أو دول التخوم بإغراقها في الحروب الأهلية أو بإهمال التبعات المناخية لاستخراج ثرواتها، مشيرا إلى أن كل هذا يؤدي إلى مشاكل بدول التخوم تظهر بوضوح في الفقر والمجاعات والأوبئة بما يعرقل خطط التنمية بتلك الدول ويزيد من حالة البؤس الاقتصادى ويرسخ مفهوم عدم العدالة، حيث تتمتع بعض المجتمعات برفاهة تسفر عن إفراط استهلاكي على حساب مجتمعات أخرى تعاني بقسوة.

حدوث الهجرات المتتالية

وأضاف سلامة - في تصريحات لـ"صدى البلد"، أن هناك زاويتين للنظر في هذا الأمر، أولا: لابد لدول المركز أن تدرك أن مثل هذه الأمور ستنعكس عليها في شكل هجرات متتالية من دول الجنوب تهدد سلامها الاجتماعي، وهذا ما يحدث في أوروبا على وجه التحديد بعد فيروس كورونا والأزمة الأوكرانية، "أثرتا كثيرا على سلاسل الإمداد خاصة في مجال الحبوب، ونتج عنهما مزيد من المجاعات في دول الجنوب وهو ما دفع سكانها للهجرة إلى أوروبا"، مؤكدا أن إدراك دول الشمال لهذا الأمر لابد أن يتطور إلى إجراءات فاعلة للحيلولة دون مزيد من الأزمة، وبالتالي هذا الإدراك لو تحول لإجراءات توزيع عادلة سيصب في صالح دول المركز ذاتها.

وأشار الخبير الاقتصادي، إلى ضرورة اتحاد دول التخوم وتشكيل جبهة واسعة لاسترداد حقوقها لضمان توزيع عادل للموارد وإسقاط ديونها لأجل السماح لحلول التنمية بأن تتحقق، معقبا: "لعل توسيع عضوية بريكس الأخير والذي أعتبره انتصارا تاريخيا، هو بمثابة تطبيق عملي لما أقوله خصوصا وأن قرار بريكس كان ينطوي أيضا على فتح الباب لمزيد من توسيع العضوية في المستقبل، فالتبادل التجارى بأسعار مقبولة هو الأساس بعيدا عن نهب ثروات الشعوب الفقيرة وتعميق معاناتها".

وتابع: لأن الواقع هو الذي يخلق الفكر لا العكس، فالفكر الحديث يقتضى وجود مؤسسات دولية جديدة بعدما أثبتت مؤسسات ما بعد الحرب العالمية الثانية فشلها الذريع في التصدى لمشكلات العالم، وهو الفشل الذي أتضح في تعامل منظمة الصحة العالمية مع أزمة كورونا، وكذلك فشل منظمة التجارة العالمية في التعامل مع أزمة الغذاء والطاقة التى نتجت عن الأزمة الأوكرانية.
"منظمات دولية حديثة" هي مفتاح الحل لأزمات إنسان هذا العصر.

وتسعى الدولة بقوة نحو الحفاظ على التنمية والبيئة معاً من خلال الاستخدام الرشيد للموارد بما يحفظ حقوق الأجيال القادمة في مستقبل أكثر أمناً وكفاية ويتحقق ذلك بمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية وتعزيز قدرة الأنظمة البيئية على التكيف والقدرة على مواجهة المخاطر والكوارث الطبيعية وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة وتبني أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة.

والاستدامة هي مقدرة الدولة عبر أجهزتها ومؤسساتها على استغلال الموارد الطبيعية بها؛ لتصبح ذات فائدة ملموسة بصورة مباشرة، ويستفيد منها الأجيال الحالية ويتم الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة؛ لذا عندما يحافظ الإنسان على الموارد الطبيعية ويتجنب إهدارها أو استنزافها يُعد ذلك سلوك قويم يُعبر عن الاستدامة البيئية، ويحدث ذلك بصورة إجرائية عندما يقلل من أنماط الاستهلاك لهذه الموارد، كما يعتمد على عمليات التدوير المبتكرة دون الإضرار بالبيئة.

وتقوم ماهية الاستدامة البيئية على الاحتفاظ بالصفات التي تشكل قيمة في البيئة المادية والاجتماعية؛ حيث المحافظة على حياة البشر والكائنات الحية الأخرى، ويتأتى ذلك من خلال المحافظة على الماء والهواء بما يؤدي لاستمرارية الحياة، ويحد من استنزاف الموارد غير القابلة للتجديد، بما يوفر القيمة الجمالية لأنماط الحياة المختلفة للأجيال الحالية والمستقبلية في ضوء الركائز الرئيسة المتمثلة في البيئة والاقتصاد وما يرتبط بهما من نواحي اجتماعية.

وترتبط الاستدامة البيئية بحياة الإنسان؛ إذ تستهدف الحلول التي تحقق العدالة الاجتماعية عبر اقتصاد قوي يعتمد على بيئة صالحة يمكن من خلالها احتواء المخلفات من الغازات والنفايات الناتجة عن الممارسات التصنيعية، مع السيطرة على المدخلات وقياسها ومعرفة جودتها للسيطرة على مخرجاتها، وتجنب استخدام المواد الضارة بالبيئة، ومن هنا تحدث حالة التوازن بين الاحتياجات البيئية والاجتماعية والاقتصادية على المستوى العالمي.