الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل استعاذ النبي من الغنى.. وكيف يكون شكر نعمة المال؟ الإفتاء توضح

هل استعاذ النبي من
هل استعاذ النبي من الغنى؟

هل استعاذ النبي من الغنى؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية من خلال حديثها عن استعاذة النبي عليه السلام من فتنة الفقر والغنى.

هل استعاذ النبي من الغنى؟

وقالت دار الإفتاء: قد كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يستعيذ بالله من فِتنة الفقر بالاحتياج إلى الخلق، ومن فتنة الغنى بالغفلة عن المُنعِم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله سلم كان يقول: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ والْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ» أخرجه أحمد في "مسنده".

واستدلت بما ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وَالهَرَمِ، وَالمَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ، وَمِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ، وَعَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الفَقْرِ» أخرجه البخاري؛ قال العلامة بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (23/ 5، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: «ومن شر فتنة الغنى»، هي نحو: الطغيان والبطر وعدم تأدية الزكاة.. قوله: «وأعوذ بك من فتنة الفقر»؛ لأنَّه ربَّما يحمله على مباشرة ما لا يليق بأهل الدين والمروءة، ويهجم على أي حرام كان ولا يبالي، وربَّما يحمله على التَّلفظ بكلمات تؤدِّيه إلى الكفر] اهـ.

الابتلاء بالفقر والغنى

إذا التمس المكلَّف أسباب الرزق، فإمَّا أن يحصل له الغنى أو يُقدَّر له الفقر، فإن أصابه الغنى استوجب ذلك الشكر؛ قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7]؛ يقول الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (19/ 67، ط. دار إحياء التراث العربي): [الاستقراء دلَّ على أنَّ من كان اشتغاله بشكر نعم الله أكثر، كان وصول نعم الله إليه أكثر، وبالجملة فالشكر إنَّما حَسُن موقعه؛ لأنَّه اشتغال بمعرفة المعبود، وكل مقام حرَّك العبد من عالم الغرور إلى عالم القدس؛ فهو المقام الشريف العالي الذي يوجب السعادة في الدين والدنيا] اهـ.

وقال تعالى مثنيًا على نبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النحل: 121].

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ»، فقال: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» أخرجه أبو داود في "سننه".

وأوضحت في بيان كيف يكون شكر النعمة؟، إن ذلك يكون: بالقلب خضوعًا واستكانةً، وباللسان ثناءً واعترافًا، وبالجوارح طاعةً وانقيادًا. يُنظر: "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 237، ط. دار الكتاب العربي).

كما يكون شكر نعمة المال أيضًا بأداء حق الله فيه؛ من نحو التصدق وأداء الزكوات والسعي في قضاء الحوائج، كما قال تعالى: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم﴾ [الذاريات: 19]؛ يقول الإمام الطبري في "جامع البيان في تأويل القرآن" (22/ 413، ط. مؤسسة الرسالة): [وفي أموال هؤلاء المحسنين الذين وصف صفتهم حقٌّ لسائلهم المحتاج إلى ما في أيديهم والمحروم] اهـ.

وإنْ طلب المكلَّف أسباب الرزق والغنى فقدَّر الله له الفقر؛ صار الصبر له مطلوبًا، والرضا بقضاء الله فيه عين العبادة، فقد قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155]؛ قال الإمام الشوكاني في "فتح القدير" (1/ 185، ط. دار ابن كثير): [عن ابن عباس في قوله: ﴿ولنبلونكم﴾ الآية، قال: أخبر الله المؤمنين أنَّ الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها، وأمرهم بالصبر وبشرَّهم، فقال: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، وأخبر أنَّ المؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع واسترجع عند المصيبة؛ كتب الله له ثلاث خصال من الخير: الصلاة من الله، والرحمة، وتحقيق سبيل الهدى] اهـ.

وعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» أخرجه مسلم.

فالفقر والغنى ابتلاءان، أحدهما: ابتلاء بقلة النعمة، والآخر: ابتلاء بكثرتها؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: 35]. والفقر يستوجب الصبر، والغنى يستوجب الشكر.

يقول الإمام الطبري في "جامع البيان في تأويل القرآن" (18/ 439): [ونختبركم أيها الناس بالشر وهو الشدة نبتليكم بها، وبالخير وهو الرخاء والسعة والعافية؛ فنفتنكم به] اهـ.

كما أن الله تعالى قد أوضح هذه الحقيقة جلية في دفع الوهم القائل بأن "الغنى من إكرام الله للعبد، والفقر من إهانة الله للعبد" حيث قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ۝ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ۝ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ۝ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ۝ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا ۝ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ [الفجر: 15-20].

حكمة الله تعالى في تقسيم الأرزاق بين العباد

تجدر الإشارة إلى أنَّ الله تعالى اقترنت حكمته بتوزيع الرزق على عباده، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى: 27]؛ قال الإمام ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (7/ 189، ط. دار الكتب العلمية): [أي: ولكن يرزقهم من الرِّزق ما يختاره ممَّا فيه صلاحهم وهو أعلم بذلك، فيغني مَن يستحق الغنى، ويفقر مَن يستحق الفقر] اهـ.

ويقول الإمام الطبري في "جامع البيان في تأويل القرآن" (21/ 535): [ولو بسط الله الرزق لعباده، فوسَّعه وكثَّره عندهم لبغَوْا، فتجاوزوا الحدَّ الذي حدَّه الله لهم إلى غير الذي حدَّه لهم في بلاده؛ بركوبهم في الأرض ما حظره عليهم، ولكنَّه ينزل رزقهم بقَدَرٍ لكفايتهم الذي يشاء منه] اهـ.

وقال الإمام الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (5/ 314، ط. دار الفكر): [في الآية إيماء إلى أنَّ التسليم أفضل، وأنَّ بسط الرزق وتضييقه -كل واحد- يناسب بعض عباده دون بعض] اهـ.

الرد على من يدعي أن الفقر أفضل من الغنى

أمَّا الاستدلال على أنَّ الفقر أفضل من الغنى بالحديث الذي روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَدْخُلُ الْفُقَرَاءُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ نِصْفِ يَوْمٍ» أخرجه الترمذي في "جامعه": فهو استدلال غير صحيح، إذ المراد به أنَّ أهل المال يحاسبون يوم القيامة حتَّى يُسألوا عن مالهم من أين اكتسبوه وفيما أنفقوه؟ ففارقهم الفقراء في ذلك، ولا يدلُّ على أنَّ الفقر ممدوحٌ لذاته؛ يقول الإمام محمد بن علان في "دليل الفالحين" (4/ 421، ط. دار المعرفة) معلِّلًا هذا الحديث: [حبس الأغنياء تلك المدة في الموقف حتى يحاسبوا عمَّا خُوِّلوه من الغنى من أين اكتسبوه وفيمَ أذهبوه] اهـ.