الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كريمة أبو العينين تكتب: لنغادر البلاد معا

صدى البلد

وسط دمار متواصل وحرب شرسة تنتهك فيها إسرائيل كل المواثيق الدولية،  وترمى بعرض الحائط معانى الأخلاقيات الإنسانية كافة ؛ وسط أوجاع غزة ومعاناة شعبها الصامد لقرابة أربعة أشهر، عقدت محكمة العدل الدولية جلساتها المقدمة من دولة الأحرار وزعيم المناضلين فى العصر الحديث دولة جنوب أفريقيا وبلد نيلسون مانديلا ، الجلسة الأولى خصصت لما جمعته جوهانسبرج من أدلة وبراهين ومواثيق وفيديوهات تؤكد ارتكاب دولة الاحتلال الاسرائيلى جرائم ضد الإنسانية تندرج تحت مسمى الإبادة الجماعية.

وجاءت كلمات ممثلي دولة جنوب أفريقيا ممنهجة وواثقة وتحمل كل معانى الإقناع والثبات ، وفى اليوم الثانى عقدت المحكمة الدولية الجلسة الثانية للاستماع الى أقوال دولة الاحتلال؛  وإذا بممثليها الأشاوس يخصصون كل كلامهم عن حركة المقاومة الإسلامية حماس ، ويفندون أحاديثهم بمنظومة أكاذيب تتطرق للحديث حول طوفان الأقصى ، وأن إسرائيل هى من هوجمت، وبأنها تدافع عن نفسها،  وتحارب الإرهاب الغزاوى وتقتلع جذوره  - على حد مزاعم المتحدثين الصهاينة -.

 ولم يكتف المتحدثون الإسرائيليون بتلك المزاعم،  بل إنهم وكعادتهم يحبون الوقيعة والتنصل ورمى الآخرين بالكذب ، وتعليق ما ينسب إليهم من كوارث بحق أهل غزة على شماعة غيرهم ولاسيما الجار بالجنب ؛ والادعاء بأنهم أبرياء ولم يغلقوا المعابر فى وجه أهل غزة،  ولم يمنعوا دخول المساعدات الى الجائعين ، والنازحين ، والمشردين فى قطاع غزة المكلوم.

وتزامنا مع هذه المحاكمات التى يرى المتخصصون أن إنجازها الأعظم يتركز حول مثول دولة الاحتلال ولأول مرة منذ إقامتها عام ٤٨ أمام محكمة دولية تتهمها بالإبادة والفصل العنصرى ، لا يعول المراقبون المتخصصون على أكثر من ذلك نتاجا لوقائع محكمة لاهاي ؛ مؤكدين أن إسرائيل والراعى الأكبر لها ومعاونيهم لديهم أذرع أخطبوطية تستطيع أن تحمى دولة الاحتلال بكافة الطرق الصريحة والملتوية . 

وإذا تركنا ساحة المحكمة الدولية وكل ما يجرى حولها ، بل لو تركنا لوقت ليس بالطويل تطورات الأوضاع فى قطاع غزة، وانتقلنا الى دولة الاحتلال نفسها وتابعنا ما تناقلته  وسائل إعلامها عن إعلان رجل الأعمال اليهودى الامريكى موردخاي كاهان عن مبادرته المسماة " لنغادر البلاد معا " هذه المبادرة تشكل نقلة نوعية ومتفردة فى تاريخ دولة الاحتلال ،  فالمعروف أن الملياردير اليهودى كان من اكثر الممولين الداعمين للهجرة الى اسرائيل وبأنه استطاع فى خلال سنوات قليلة إدخال ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص من مختلف انحاء العالم وخاصة الولايات المتحدة الى إسرائيل وتوطينهم فيها؛  ووعدهم بحياة أفضل وأجمل وأقل تكلفة ، هذا الكاهان يدعم ويمول الهجرة العكسية حاليا من إسرائيل الى الغرب وبالطبع الى الولايات المتحدة الأم الشرعية لإسرائيل. 

كاهان بالفعل استطاع أن يدشن لمبادرته بعد طوفان الأقصى وتمكن من تسفير - إن صح المسمى ١٠٠ الف يهودي الى الولايات المتحدة وبالتحديد الى ولاية نيوجيرسي مسقط رأس الملياردير الأمريكي موردخاي والذى يمتلك مزرعة كبيرة جدا هناك ؛ ضمن للمهاجرين اليهود الإقامة فيها والعمل أيضا . 

مبادرة "لنغادر البلاد معا" تواصل خطواتها ويستجيب لها الكثيرون حتى وصلوا الى ٣٥٠ الف يهودى تركوا إسرائيل بالفعل وعادوا الى الولايات المتحدة التى اكد لهم موردخاي انها ترحب بهم ؛ وأنه سيعمل على اقامة كيبوتس لهم فى نيوجيرسي لتكون نواة لتجمعهم المستقبلي هناك ، وقد لاقت مبادرة الملياردير الأمريكي اليهودي ترحيبا دعمه ما ذكره موردخاي نفسه بأن الخطر الأعظم لتفتيت الكيان الإسرائيلي هو التشتت الداخلى والجدال ، والتفرق،  الذى أكده ما شهدته تل ابيب من توالي حكومات وانتخابات بنوعيها التشريعي والرئاسة فى اقل من عقد واحد ..وهذا يؤكد الى اى مدى وصل الشارع الإسرائيلي من انقسام ومشاكل ؛ جعل ايهود باراك رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق يحذر من تآكل اللحمة الإسرائيلية والتخوف من التفكك والانهيار. 

مبادرة "لنغادر معا البلاد "بالطبع مرحلة فارقة فى تاريخ دولة الاحتلال الذى لم يتخط ثمانية عقود ؛ فهذه المبادرة ينظر اليها بأنها تعمق ما ذكره التاريخ من ان اليهود لا تستمر لهم دولة لأكثر من سبعين عاما ، وأيضا ترسخ لتبرؤ الحاخامات اليهود مما تمارسه إسرائيل من عربدة وقتل وإرهاب ممنهج ضد الفلسطينيين ؛ بل ان بعضا من اليهود يطالب بإقامة دولة فلسطين وإنهاء الاحتلال كضمانة أكيدة على عدم فناء إسرائيل .
"لنغادر البلاد معا " أو نظل فيها لن تمنع من صدق مقولة رسخها التاريخ تقول مفرداتها " ما بنى على باطل فهو باطل"..
هم راحلون ، وأصحاب الحق باقون .. سلاما على غزة وتحية ودعاء بالثبات والنصر.