الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

دينا يحيي تكتب: "صوت وصورة مجتمعنا العاجز"

دينا يحيى
دينا يحيى

شاهدت مسلسل صوت و صورة للقديرة حنان مطاوع و المخرج المتميز محمود عبد التواب و المؤلف محمد عبد المالك وهو مسلسل تلفزيوني درامي تم عرضه مؤخراً علي شاشات التلفزيون المختلفة ، و علي الرغم من أن قضية المسلسل الأساسية و هي التحرش قد تم تناولها في العديد من الأعمال الدرامية ..ألا أن هذا المسلسل تميز بقصته المؤثرة و بقوة التناول الدرامي للقضية محور العمل فتمكن المسلسل باحترافية درامية شديدة من عرض قصة سيدة شابة تتعرض للتحرش الجنسي و تكافح للتصدي للجاني مع قلة حيلتها ونفوذ الجاني .

و الحقيقة أن مستوي القصة هنا رائع للغاية في كيفية سرد قضية بتلك الأهمية  و أيضا كيفية التناول الدرامي لهذه القضية الحساسة لمجتمعاتنا العربية ..فدائماً موضوع التحرش قضية حساسة و شائكة لمجتمع عربي لا يستطيع الاعتراف أو مواجهة قضية التحرش بقوة و شجاعة، و ذلك لآن المجتمعات العربية تواجه تحديات جمة في مواجهة تلك الظاهرة بسبب التقاليد و القيم الاجتماعية .. بل أن مجتمعاتنا العربية في مواجهة تلك القضية للأسف تمتلك وعي ضعيف و مواجهة معدومة و شجاعة غير موجودة وأفاق ضيقة و جبن بين في الدفاع عن ضحايا التحرش بل و في بعض الأحيان قد يصف البعض الضحية بالجاني أو من أعطت الفرصة للمتحرش أيا كان نوع او مستوي التحرش.

و في هذا العمل الدرامي الرائع والذي تم تصويره بطريقة واقعية و مؤثرة لا نستطيع الا ان نرفع القبعة لأصحاب عمل و فكر استطاعوا كشف المستور عن ما تتعرض له الفتيات من تحرش و إساءة من بعض النفوس الضعيفة و رد فعل المجتمع الذي لا ينصر و لا يساند الضحايا ، فقد أدت الرائعة حنان مطاوع دور ضحية التحرش ببراعة شديدة جعلها تجعلني كمشاهد أميل لتصديق هذه السيدة المغلوب علي أمرها  بل و التعاطف معها و كره كل من يحاول ابرازها كجانية ..و كتب المؤلف هذا السيناريو ببراعة شديدة حتي في تعبيرات أبطال العمل فبالفعل " نحن في مجتمع "ماينفعش " نعمل فيه ابطال " كما ذكرت اخت الضحية بالعمل فمن وجهة نظر المجتمع كما أظهر لنا المسلسل حقيقة ان من تجرؤ علي الاعتراف بما تعرضت له من تحرش أيا كان نوعه فستواجه بالإدانة و النبذ والتنمر و الظلم الحاد من مجتمع ظالم لا يدري العامل النفسي الأليم لمن تعرضت للتحرش ، و لا يعلم كم الظلم البين التي تشعر به ضحية التحرش ليس فقط من أجل التحرش الذي تعرضت له بل أيضا من رد فعل مجتمع عاجز يقف موقف المتفرج المتنمر لضحية التحرش وإن كان يستطيع ! و لكنه لا يجرؤ على مساندة ضحية التحرش نتيجة لعقم الفكر وخطأ في التربية نتيجة للمرجعيات الأيديولوجية  الخاطئة للبعض تجاه الأنثى بشكل عام.

و الرائع اكثر في هذا العمل هو ربط تلك القضية الهامة بآفة العصر و هي وسائل التواصل الاجتماعي و ذلك لسوء استخدام تلك الوسائل من قبل البعض ..فنجد هنا أن الضحية عندما حاولت أن تعبر عن رفضها وادانتها لتعرضها للتحرش بسرد ما حدث معها علي مواقع التواصل الاجتماعي بعدما فشلت في الحصول علي حقها بالطرق المشروعة ( لقوة نفوذ الجاني ) قد واجهت سيل ووابل من الانتقادات الحادة و التأنيب و كأنها المذنبة و هذا حال الكثيرات من ضحايا التحرش في مجتمعاتنا .

... فهل ضحية التحرش مذنبة يعتريها التبجح لعرضها قضيتها علي وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن رفض المجتمع والقانون إنصافها والوقوف بجانبها او حتي محاولة تبرئتها !

هل ضحية التحرش لابد ان تتكتم علي الأمر خوفاً من الفضيحة و العار الذي سيلاحقها كما يفعل هذا المجتمع المريض عندما يخلط الأمور و يجعل من الضحية الجاني و من الجاني المتوحش الذي انعدمت عنه أي معاني الإنسانية يجعله بطل الحكاية و في بعض الأحيان هناك من المرضي من يحاول تبرئته.

للأسف و باختصار نحن في مجتمع غير منصف و غير عادل في حكمه علي ضحايا التحرش و حتي مع وجود صوت و صورة للوقائع الدنيئة فيظل المجتمع عاجز مكتوف الايدي ..فنحن بحاجة ماسة لخطوات فعالة لردع كل من تسول له نفسه الاقدام علي هذا الفعل المشين و اصدار قوانين صارمة تعاقب المتحرشين ( أيا كان موقعهم او نفوذهم ) وتشريعات لحماية الضحايا و توفير أليات سريعة و فعالة لتقديم الشكاوي و معاقبة المذنبيين ، و الأهم هو توفير بيئة آمنة تحمي النساء مع التأكيد علي أهمية التعامل الشرطي الجاد مع ذلك النوع من الجرائم.

و في النهاية تحية لكل صناع هذا العمل الرائع الذي قدم بكل حرفية و في توقيت هام قضية من أهم قضايا المجتمعات العربية في الطريقة السلبية لمواجهتها ..فهنا تمكنت الدراما التلفزيونية مرة اخري من صنع حالة وعي بين الجمهور من خلال التوعية .
و ادعو كل القائمين علي الدراما والإعلام أن تستمر تلك الأعمال و المبادرات الدرامية و الإعلامية الهامة في توعية الجمهور وتعزيز الوعي حول قضية هامة مثل تلك القضية محاولةً منا كصناع للإعلام و الدراما لبناء مجتمع أكثر انصافاً و احتراماً للجميع بدلاً من إنفلات أعمال أخري لا قيمة فنية لها .