الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كريمة أبو العينين تكتب: عذاب الفقر وعذاب القبر

كريمة أبو العينين
كريمة أبو العينين

من عجائب هذه المرحلة، التربح باسم الدين، والمتاجرة بجهل الفقراء وعدم معرفتهم بصحيح أمورهم الدينية. 
تلك الجملة استوقفتني خلال متابعتي ومشاركتي في واحدة من الفعاليات الثقافية المبطنة بكسوة دينية لا أعرف سببها وإقحامها في هذه المناسبة التى تعد وطنية وليست دينية.

فوسط تنظيم جيد وإعداد مستوفٍ للشروط ؛ اصطفت القاعة وترأسها توليفة من العالمين ببواطن الأمور وظواهرها. وبدأت الفعالية المباركة بكلام منمق لكبير المكان والذي صال وجال متحدثا عن فضل أولي الأمر وأحقيتهم، وضرورة الولاء والطاعة لهم، واستكمل حواره بالحديث عن غضب السماء لعدم اتباع أوامر أولي الأمر والسير على مقاطعة ما نهوا عنه.

وأنهى المحاور الكبير حديثه، مؤكدا في نهايته أنه في حالة صحية لا تسمح له بالإجابة عن أية أسئلة أو استفسارات؛ إلا أنه لم يرفض أن ترسل الأسئلة على صفحته عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وحينها سمعت همهمات وضحكات تتحدث عن أنه يريد من ذلك السلوك زيادة متابعيه ؛ وربما الاستفراد بمعارضيه وشكواهم ومعاقبتهم قانونيا .

جاءت كلمة لمشارك آخر ممن يشهد لهم بالعلم والمعرفة وأيضا يشار إليهم بالمعارضة ورفض الكثير من السياسات الغربية المفروضة على منطقتنا، وللحق فقد بدأ حديثه بسلاسة جذبت آذان كل السامعين؛ واستشهد بفترات من التاريخ القديم المعبقة بالعزة والكرامة؛ وأخذنا معه أخذا إلى المقارنة بين ما كان وكنا، وما نحن عليه، وما هو متوقع، حديث منمق، وعبارات مستوفية وصل بنا من خلالها وأثناءها إلى الرد على ما يقوله  عدد من واعظي هذه المرحلة وتركيزهم على عذاب القبر؛ والثعبان الأقرع ، وملكي العذاب والثواب ، وظلمة القبر على الظالمين؛ ونوره وضيائه وبهجته على الأبرار الصالحين.. لم ينكر العذاب؛ ولكنه تحدث عن السبب فى التركيز فى الوعظ على هذه الوضعية وهذه النهاية.

وتساءل لماذا نركز على الترهيب وليس الترغيب؟ وتساءل أيضا عن الحكمة في أن تكون نصائحنا تتحدث عن النهايات وليس البدايات والاستمرارية ؟ وهب غاضبا وهو يذكر أن أحد الأئمة سُئل عن عقاب تارك الصلاة فأجاب بأن تأخذه معك وأنت ذاهب للصلاة ! واستشهد بحكايات كثيرة ومواقف جليلة لرجال دين أكفاء كان وعظهم عن الترغيب وليس الترهيب، وعن جذب المحبين وليس تنفيرهم وتشتيتهم، وجاءت المداخلة ومعها رد من آخر ممن يعتلون قاعة النقاش، وكان السؤال هل يعذب الفقراء فى قبورهم فوق عذابهم فى حياتهم؟ وحرمانهم ، وضياع هيبتهم،  وإذلالهم؟ الإجابة لم تكن متوقعة !! فقد كان الرد عنيفا اتهم فيه المجيب السائل بالزندقة ؛ والاعتراض على ترتيبات الخالق، ودرجات الخلق ومكانتهم ، وبأن الله لم يخلق الكون اعتباطا؛ ولكن كل بقدر،  ولكل مكان ومكانة ؛ والفقراء مبتلون لأنهم منعمون فى الجنة ، عبثا حاول السائل أن يوضح مغزى سؤاله ، والحصول على إجابة تتفق مع ما يريده من معرفة؛  ولسان حاله يقول إنه لا يعارض ترتيبات الخالق سبحانه، ولكنه فقط يسأل حول عذاب الفقر وعذاب القبر؛ هل يجتمعان معا فى قبر الفقير الذى حُرم من كل الملذات وربما صبر، أو اضطر للعيش والتعايش حتى وافته المنية وعاد إلى دار الخلد.

مع كل محاولة للتوضيح من قبل السائل كان عنف المجيب يزداد ويتغول لينتهي بطلب المجيب من الأمن إخراج هذا السائل الزنديق المدسوس من قبل أعداء الله والدين.. خرجت بدوري وأنا أحاول أن ألحق بالشاب العشريني وأفك أسره من أيدي الأمن وأربت عليه وكلي أسى وأسف على أن يعذب الفقير مرتين في حياته ، وفي أفكاره والله أعلم ما سينتظره وينتظرنا في القبور !!