الرئيـس المظلوم محمد نجيب

(1)
محمد نجيب ، أول رئيس
لمصر بعد الثورة ، و الأب الروحي للضباط الأحرار..
و لكن للأسف لا أحد يتذكره،
و هذا ليس غريباً في سياق سوء الحظ الذي لازم هذا الرجل حياً و ميتاً..
(2)
يمثل لي الرئيس ( الأول ) محمد نجيب ، حالة خاصة من ( وجع القلب )
أرى فيه نموذجاً – لا يحتذي – لسوء الحظ ( الخام ) ال pure !
و أنا عاشق القصص المأساوية ، بنفس قدر عشقي لقصص النجاح و الصعود !
و .. محمد نجيب (الرئيس الأول في تاريخ مصر) اجتمعت فيه الصفتان : الصعود ثم السقوط السريع بفعل غدر الزمن .
(الرئيس الأسبق) محمد نجيب، الرجل الذي وضع رقبته تحت المقصلة ، عندما ذهب إلى ملك مصر والسودان فاروق المعظم ، يطلب منه مغادرة مصر على مركب " المحروسة "
قال لي زميلي في المدرسة: هل تريد رؤيته؟ هتفت من قلبي : هو عايش ؟
قال زميلي الذي علمت أنه جار رئيس مصر : عايش و يشير لنا كل يوم بيده !
كدت أن أحتضن زميلي ، الذي يرى و ( يشاور ) لأول رئيس لمصر بعد الثورة و اتفقنا على الذهاب في اليوم التالي ....
لم أجرؤ على قصّ الحكاية لأبي ، و لكني أخبرت والدتي .. فرفضت ، و لعلها استشعرت بأن في الأمر مخاطرة .. أو شبهة ( سياسة) و العياذ بالله .
هل تحولت زيارة مواطن من أفراد الشعب إلي رئيس جمهوريته إلى عمل سياسي؟
هل ( المشاورة ) إلى اللواء أركان حرب ( هو رفض رتبة الفريق ) محمد نجيب ، أمر يحمل المخاطرة ؟
في اليوم التالي ذهبت إلى المدرسة ( حزين) ، كلي حزن على زيارة لن تتم إلى الرجل الذي وجدت له صورة في مجلات أبي الأثرية، و أعجبتني إبتسامته ،و إعتزازه الواضح بنفسه في بدلته العسكرية اللامعة، و انحناءة التواضع الممزوج بالثقة ، حتى أذكر أمي أنها قالت عنه يوماً : و النبي كان راجل طيب !
طيب ليه .. طيب ف إيه .. لم تزد و لم تنقص !
(3)
سألت زميلي الذي تعاطف مع أمنيتي، عن ( شكل الرئيس نجيب ) ، فقال إنه أصبح رجل عجوز، يمضغ البايب بين شفتيه طوال اليوم، وأنه يعيش معه كلب حراسة ضخم و بعض القطط التي تمرح بين يديه، و يطعمها بيده، و أكثر من هذا أنه طلب من زميلي ذات يوم شراء علبة دخان ، من داخل قصره المهمل.. ولم أستطع مقاومة مشاعري وذهبت ورأيت الرئيس اللواء في قصره المهمل.
و لم يكن هذا القصر ، هو قصر الرئيس ، بل إنه كان قصر يخص زوجة النحاس باشا ، و كان عبارة عن استراحة صيفية لها قبل أن يتم تأميمه ، ثم استعاده الورثة ، و ليطرد منه الرئيس نجيب ، حتى تم توفير قصر بديل له في منطقة كوبري القبة (حلمي سلام / الجمهورية 28/4/1983)
الرجل الذي احتلت صوره ( صورة واحدة علي وجه الدقة لم يمهله القدر ليتبعها بأخرى ) مكان الصدارة في المقاهي، و المتاجر الكبرى ، و مكاتب كبار المسئولين الرسميين، أصبحت بضاعة غير مرغوب فيها، بضاعة " فالصو " ماركة " الجمل " و هي ماركة الذهب المضروب " القشرة " أو ذهب صيني بلغة بضائع هذه الأيام .
[ راجعوا صور الاستقبالات الشعبية للرئيس نجيب في مناسبات عديدة خلال الفترة القصيرة التي تحمل فيها المسئولية ].
4
* يقول الكاتب العملاق الراحل صلاح حافظ :
" و غمرت صور محمد نجيب الجدران، و الأرصفة، و علقها المصريون في المتاجر ، و المقاهي، و غرف النوم ! و أثرى مئات الناس من طبع هذه الصور و بيعها للجماهير المتعطشة إليها ... الصورة بنصف قرش ! "انتهى كلام استاذنا صلاح حافظ .
و لكن لم يهنأ محمد نجيب بالزعامة، بل سرعان ما " نفد رصيده " و التاريخ وحده يستطيع أن يتكلم عما إذا كان نجيب قد أخطأ أم لا .. و لكن ما نعرفه – فقط – هو أن دوره قد انتهي على مسرح الأحداث، و آن للفارس أن يترجل، ليمتطي صهوة الزعامة رئيس جديد، أكثر تماشياً مع فكر الثورة، مع روح العهد الجديد..مع عجلة الزمن.. و هي روح لا تغازل ما قبلها.
* محمد نجيب الرئيس الذي رحل ، و رصيده في البنك الأهلي المصري
( فرع مصر الجديدة ) 624 جنيهاً مصرياً ، و يوم ترك منصبه كان رصيده 899 جنيهاً و 61 مليماً !
(4)
وكان نجيب كلما ضاق به الحال، جاء على مزاجه واستغنى عن " الدخان "، فكان يضع " البايب " فارغاً في فمه لتوفير ثمن المعسل !
وكان قليل الطعام ، ليست له أطعمة مفضلة ، و لكن أهم شئ بالنسبة له هو توفير طعام القطط وطعام كلبه المخلص الذي لازمه حتى الرحيل، ( مجلة الإذاعة (14/2/1976)
و الانفراجة المالية الكبيرة في حياة الرئيس المظلوم ، كانت عندما اشترت منه مجلة الحوادث اللبنانية مذكراته في السبعينيات مقابل " 45 " ألف جنيه، اشترى بهم شقة في حي جاردن سيتي – حي الصفوة – و أعاد تأجيرها مقابل مائتي جنيه شهرياً لتعينه على مواجهة أعباء الحياة .. ( عادل حمودة )
* ومحمد نجيب تزوج ثلاث مرات : الأولى من والدة ابنته سميحة ، وماتت بمرض سرطان الدم عام 1951 ، ثم تزوج من السيدة عائشة(1934) بعد طلاقه من الأولى بأربعين يوماً، ولكنها كانت شديدة الغيرة عليه، و دفعه ذلك إلى الزواج الثالث من السيدة " عزيزة " و من المثير أن السيدة عزيزة توفيت قبل وفاة نجيب بثلاثة أيام فقط .
و توفى أولاده الثلاثة في حياته .
...............................................................................
و في أغسطس 1984 رحل الرئيس محمد نجيب عن دنيانا من دون أن يأخذ حقه من التكريم.
[email protected]