قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان الله عز وجل قال في كتابه الكريم﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان :63] لا يمشون على الأرض طغيانًا وتجبرًا، ولكن مشيهم بالسكينة والوقار، والتواضع والخشية، يمشون على الأرض وهم يدركون أنها تسبح لله، يمشون على الأرض وفي قلوبهم حب لعباد الله الإنسان قبل الحيوان، والحيوان قبل الأكوان ﴿ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا ﴾.
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان عباد الرحمن تترقرق الرحمة في قلوبهم، يتعاملون مع الكون وكأنه حي مدرك، ويتعاملون معه برفق.
عبد من عباد الرحمن ؛ يمشي على الأرض هونًا، ويعتذر لخلق الله، ويقـدر حـالهـم من الجهـل والجهـالة ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ [الفرقان :63] يسلمون من الناس، ويسلم الناس منهم بصبرهم وحلمهم؛ فلا يعتدون عليهم بمثل ما يعتدى عليهم بل إنهم يصبرون لله وبالله، وفي أواخر السورة يبين الله لنا أجر الصابرين وجزاء من تحمل ألم الصبر، يصبرون لله رب العالمين وهم قادرون على الرد، وقادرون على رد العدوان بالعدوان، بل إنه قد أبيح لهم ذلك.
ولكن الله رقى حالهم، وجعل الصبر أحـلى وأعلى ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ [الفرقان :63]، خاطبوهم بالجهل بشأنهم وما هم عليه، أو بالجهالة عليهم والتطاول في الخطاب، إلا أنهم لا يواجهونهم إلا بالسلام، فالقول السلام يشمل الفعل السلام، فهم- رحمة بهم- يحلمون عليهم، وكأنهم يسدون عليهم موارد الفساد، وكأنهم يسدون عليهم موارد النزاع والخصام؛ فإن النزاع والخصام لا يكون معه استقرار، وإذا لم يكن هناك استقرار لا يكون هناك أمن، وإذا كان هناك اضطراب وانعدام أمن فإن الإيمان في خطر، يفهم المؤمن ذلك عن ربه في طوال القرآن وعرضه، ويقول لمن سابه أو لاعنه أو تفاحش عليه من خلق الله مسلمهم وكافرهم- وقد رأى الجهالة في تصرفه ورأى الخروج عن دائرة المعقول في فعله وسلوكه - ﴿ سَلامًا ﴾ يدعوه ويذَكِّره بالسلام، وهو اسم من أسماء الله تعالى..
وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ [الفرقان :64] يعلمون أنه (يتَنزلُ ربُّنا تَبارَكَ وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدنيا حين يَبقى ثلثُ الليل الآخر، فيقول: مَن يَدعوني فأستجيبَ له، من يسألني فأعطِيَه، من يستغفِرُني فأغفِرَ له) (البخاري).
في ثلث الليل الأخير منحة إلهية، ونفحة صمدانية، حالة ربانية يستجيب الله للدعاء فيها، وما معنى في ثلث الليل الأخير؟ معناه أنه قد هجر فراشه لله، وترك لذَّته لله، وأنَّ حُبَّ الله في قلبه أعلى وأجلى وأكثر وأرجح من حب الحياة الدنيا.
مَن هذا شأنه كان قادرًا على تحمل أعباء الرسالة إلى العالمين، ومن ضبط نفسه هكذا حال الغضب مع الآخرين فقد عرف دوره في الحياة الدنيا، وعرف معنى عالمية الإسلام، وأدرك معنى الدعوة ومعنى تبليغها.
إنه ناصح صافي السريرة يعرف كيف يفهم عن ربه ما يقول له، ويعرف كيف يخاطبه.