قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

الأرض تشتعل.. نصف البشر يعانون من مضاعفات الارتفاع القياسي لدرجات الحرارة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

في عالم يزداد سخونة يوماً بعد يوم، لم تعد الحرارة مجرد ظاهرة طبيعية عابرة، بل تحوّلت إلى تهديد مباشر لصحة الإنسان واقتصادات الدول.

 وفي تقرير مشترك هو الأول من نوعه من حيث القوة والوضوح، دقت منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية ناقوس الخطر، محذرتين من أن العمال في مختلف القطاعات، خصوصاً أولئك الذين يعملون في ظروف قاسية، باتوا يواجهون كارثة صحية متنامية بفعل موجات الحر الشديدة والمتكررة.

التقرير، الذي استند إلى أكثر من نصف قرن من الأبحاث والأدلة العلمية، لا يكتفي بسرد المخاطر، بل يقدّم إرشادات عملية وحلولاً عاجلة لحماية حياة العمال الذين يشكلون العمود الفقري للاقتصادات العالمية.

حرارة قاتلة ومخاطر متعددة

تشير الإحصاءات إلى أن نصف سكان العالم تقريباً يعانون بالفعل من الآثار الصحية السلبية لارتفاع درجات الحرارة. وتتنوع هذه المخاطر بين:

ضربة الشمس التي قد تكون قاتلة في دقائق.

الجفاف الحاد الذي يرهق الجسد ويضعف أداءه.

تلف الكلى بسبب فقدان السوائل المستمر.

اضطرابات عصبية تؤثر على التركيز والقدرة على العمل.

وتؤكد المنظمتان أن هذه المخاطر لا تعيق فقط صحة الأفراد، بل تهدد أيضاً الأمن الاقتصادي للدول عبر تراجع الإنتاجية وارتفاع معدلات الإصابات والوفيات في أماكن العمل.

تغير المناخ.. العدو الخفي للعمال

بحسب التقرير، فإن موجات الحرّ أصبحت أكثر شدة وتكراراً بفعل التغير المناخي. وقد شهد عام 2024 تسجيل أعلى معدلات حرارة على الإطلاق، حيث تخطت درجات الحرارة حاجز 50 درجة مئوية في بعض المناطق.

هذا الارتفاع غير المسبوق في الحرارة لم يعد مقتصراً على الدول الاستوائية أو الصحراوية، بل وصل إلى مناطق لم تكن معتادة على مثل هذه الظروف، كما حدث مؤخراً في أوروبا.

يؤكد الدكتور جيريمي فارار، المدير العام المساعد لمنظمة الصحة العالمية، أن "الإجهاد الحراري يضر بالفعل بصحة وسبل عيش أكثر من مليار عامل، خصوصاً في المجتمعات الأكثر هشاشة"، مضيفاً أن التقرير يقدم حلولاً عملية "لإنقاذ الأرواح وبناء قوى عاملة أكثر صموداً".

عمال في مواجهة النار.. القطاعات الأكثر عرضة

يُظهر التقرير أن العمال اليدويين هم الأكثر تأثراً، وخاصة في قطاعات:

الزراعة: حيث يتعرض المزارعون لساعات طويلة من العمل تحت الشمس.

البناء: حيث يجتمع الجهد البدني الشاق مع درجات الحرارة المرتفعة.

مصايد الأسماك: حيث يعمل الصيادون في بيئات رطبة وحارة تزيد من خطر الإجهاد الحراري.

ويحذر الخبراء من أن الأطفال وكبار السن والعمال في الدول ذات الدخل المنخفض، هم الفئات الأكثر عرضة للخطر، مما يفاقم التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية.

إنتاجية في تراجع.. وخسائر اقتصادية هائلة

يؤكد التقرير أن إنتاجية العمال تنخفض بنسبة 2-3% مع كل ارتفاع بدرجة مئوية واحدة فوق 20 درجة مئوية. وهذا يعني أن ارتفاع الحرارة لا يهدد حياة الأفراد فحسب، بل يكبد الاقتصادات خسائر بمليارات الدولارات سنوياً.

ويقول كو باريت، نائب الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: "إن حماية العمال من الحر الشديد لم تعد مسألة صحية فقط، بل أصبحت ضرورة اقتصادية أيضاً".

أرقام صادمة من منظمة العمل الدولية

استعرض التقرير بيانات حديثة صادرة عن منظمة العمل الدولية، أظهرت أن:

أكثر من 2.4 مليار عامل حول العالم يتعرضون للحرارة المفرطة.

أكثر من 22.8 مليون إصابة مهنية تسجل سنوياً بسبب الإجهاد الحراري.

ويصف جواكيم بينتادو نونيس، رئيس قسم السلامة والصحة المهنية في منظمة العمل الدولية، التقرير بأنه "إنجاز مهم في مواجهة تهديد الحرارة المتصاعدة لعالم العمل"، مؤكداً أن الوقت قد حان لاتخاذ إجراءات عاجلة ومنسقة لحماية أكثر من ملياري عامل حول العالم.

حلول وإجراءات عاجلة

لم يكتفِ التقرير بدق ناقوس الخطر، بل قدم إجراءات عملية للتخفيف من الأضرار، أبرزها:

تطوير سياسات صحية خاصة بالحرارة المهنية تراعي خصوصية كل صناعة وظروفها المناخية.

حماية الفئات الضعيفة مثل كبار السن والعمال المصابين بأمراض مزمنة.

تثقيف وتدريب العاملين والمستجيبين الأوائل للتعرف على أعراض الإجهاد الحراري وعلاجه بشكل سريع.

إشراك جميع الأطراف من نقابات وأصحاب عمل وخبراء صحة في وضع استراتيجيات متكاملة.

تبني حلول عملية ومستدامة مثل التقنيات الحديثة التي تقلل من التعرض المباشر للحرارة.

تشجيع المزيد من الأبحاث لضمان حماية شاملة ودائمة للعمال.

التحدي العالمي.. واستجابة ضرورية

يشدد التقرير على أن مواجهة الإجهاد الحراري ليست ترفاً، بل ضرورة وجودية تتعلق بـ الأمن الصحي والغذائي والاقتصادي. فالمجتمعات التي تفشل في حماية عمالها، ستجد نفسها أمام تحديات أعظم، من ارتفاع معدلات الوفيات والإصابات، إلى خسائر اقتصادية وانهيار قطاعات حيوية.

 

بينما يتسارع إيقاع أزمة المناخ، يضع هذا التقرير العالم أمام مرآة الحقيقة: الحرارة القاتلة ليست أزمة مستقبلية، بل كارثة معاصرة تضرب العمال اليوم.

إن حماية العمال لم تعد مجرد واجب أخلاقي، بل ضرورة حتمية للحفاظ على الاقتصادات واستقرار المجتمعات. وما لم تُترجم هذه التوصيات إلى سياسات وإجراءات عملية وسريعة، فإن العالم مهدد بفقدان أرواح وإنتاجية ملايين العمال الذين يقفون في الصفوف الأمامية لمواجهة التغير المناخي.