كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة "نيتشر ميديسن" أن اتباع نظام غذائي متوسطي يُقلل بشكل ملحوظ من خطر الإصابة بـ الخرف، خاصةً لدى الأفراد ذوي الاستعداد الوراثي المرتفع، مثل أولئك الذين يحملون أليلين من جين APOE4، ويمكن أن يُقلل اتباع هذا النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة والدهون الصحية من خطر الإصابة بالخرف بنسبة 35% تقريبًا لدى الأفراد المعرضين وراثيًا للخطر.
الخرف، وهو مصطلح شامل يُستخدم لوصف مجموعة من الحالات العصبية التي تُصيب الدماغ وتتفاقم مع مرور الوقت، يُعدّ من أكثر الأمراض تأثيرًا في العالم، يوجد حاليًا أكثر من 55 مليون شخص مصاب بالخرف حول العالم، وتُسجّل حوالي 10 ملايين حالة جديدة من الخرف سنويًا، ويتزايد عدد المصابين بالخرف عالميًا، ومن المتوقع أن يتضاعف ثلاث مرات بحلول عام 2050.
الخرف مرض شائع ومعوق يصيب الدماغ، ويحدث عندما تتلف خلايا الدماغ أو تموت، مما يؤدي إلى تراجع تدريجي في الوظائف الإدراكية والمزاج والسلوك والشخصية، تشمل الأشكال الشائعة مرض الزهايمر، والخرف الوعائي، ورغم عدم وجود علاج شافٍ له، إلا أن العلاجات وتغييرات نمط الحياة يمكن أن تساعد في إدارة الأعراض وتحسين جودة الحياة.
أحد هذه التغييرات الرئيسية في نمط الحياة يتضمن التحول إلى نظام غذائي صحي لا يغذي جسمك فحسب، بل يعمل أيضًا كدرع وقائي ضد الخرف.
والآن، أظهرت دراسة رائدة أن اتباع نظام غذائي شائع، يعتمد على الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والبقوليات والمكسرات والدهون الصحية مثل زيت الزيتون، يمكن أن يقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بالخرف، حتى بالنسبة لأولئك الذين لديهم استعداد وراثي.

ما وجدته الدراسة
أظهرت دراسة جديدة رئيسية نُشرت في مجلة Nature Medicine بقيادة باحثين من مستشفى ماساتشوستس العام بريغهام، وجامعة هارفارد للتكنولوجيا،
قامت كلية تشان للصحة العامة، ومعهد برود التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد، بتتبع المشاركين على مدى عقود لفهم النظام الغذائي، والعوامل الوراثية، وخطر الإصابة بالخرف، وُجد أن اتباع نظام غذائي متوسطي يُبطئ التدهور المعرفي ويُقلل من خطر الإصابة بالخرف، خاصةً لدى الأشخاص الأكثر عرضة للخطر الوراثي، أي الأفراد الذين يحملون أليلين من جين APOE4، وقد شهد هؤلاء المشاركون انخفاضًا في خطر الإصابة بالخرف بنسبة 35% تقريبًا عند اتباع النظام الغذائي، بينما استفاد من هم أقل عرضة للخطر الوراثي، وإن كان ذلك بدرجة أقل.
تفاصيل الدراسة
حلل الباحثون بياناتٍ امتدت على مدار 34 عامًا لأكثر من 5700 مشارك، منهم 4215 امرأة، ونحو 1500 رجل، وفحصوا العادات الغذائية طويلة الأمد، ومستقلبات الدم والمخاطر الجينية (لا سيما جين APOE4)، وتتبعوا نتائج الصحة الإدراكية على مر الزمن.
يُعدّ متغير الجين APOE4 أقوى عامل خطر وراثي معروف لمرض الزهايمر المتقطع، يزيد وجود نسخة واحدة من APOE4 من خطر الإصابة بمقدار 3-4 مرات؛ بينما يزيد وجود نسختين منه اثني عشر ضعفًا مقارنةً بغير الحاملين له. ومع ذلك، تُظهر هذه الدراسة أن نمط الحياة يمكن أن يُحسّن هذا الخطر بشكل كبير، مما يُشير إلى أنه حتى القابلية الجينية العالية للإصابة يمكن التخفيف منها من خلال اختيارات غذائية واعية.
ما هي النتائج الرئيسية؟
تُظهر النتائج أن الالتزام بالنظام الغذائي المتوسطي يُخفّض خطر الإصابة بالخرف بشكل ملحوظ، وتتضح هذه الفائدة بشكل خاص لدى الأشخاص الأكثر عُرضةً للخطر الجيني، فقد انخفض خطر الإصابة بالخرف لدى المشاركين الذين لديهم نسختان من جين APOE4 والذين التزموا بهذا النظام الغذائي بدقة بنسبة 35%. في المقابل، شهد أولئك الذين لديهم نسخة واحدة أو لا يملكون أي نسخة انخفاضًا أقل بنسبة 5% تقريبًا، تُمثّل هذه النتيجة تحولًا جذريًا في نظرتنا إلى الاستعدادات الجينية؛ فقد لا تكون ثابتة كما كان يُعتقد سابقًا.

ما هو النظام الغذائي المتوسطي ولماذا هو فعال؟
النظام الغذائي المتوسطي هو نظام غذائي نباتي يركز على الخضراوات والفواكه والحبوب الكاملة والبقوليات والمكسرات والبذور وزيت الزيتون البكر الممتاز كمصدر أساسي للدهون. فكر في نظام غذائي نظيف وكل ما هو أخضر تقريبًا، وستحصل على النظام الغذائي المتوسطي.
يتضمن هذا النوع من النظام الغذائي كميات معتدلة من الأسماك والدواجن ومنتجات الألبان والبيض، مع تناول اللحوم الحمراء في أوقات نادرة، يرتبط هذا النظام الغذائي بالعديد من الفوائد الصحية، بما في ذلك انخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب وبعض أنواع السرطان وداء السكري من النوع الثاني. ليس هذا فحسب، بل يُعتبر أيضًا أسلوبًا غذائيًا صحيًا ومستدامًا يُقدّر الأطعمة الطازجة والكاملة ونمط حياة متوازن، بما في ذلك ممارسة النشاط البدني بانتظام وتناول الوجبات الصحية.
في هذا البحث تحديدًا، درس الباحثون نواتج أيض الدم، وهي جزيئات صغيرة تعكس كيفية معالجة الجسم للطعام، ويبدو أن النظام الغذائي المتوسطي يؤثر إيجابًا على هذه المسارات الأيضية، وتحديدًا كيفية معالجة الجسم للعناصر الغذائية، مما يحمي بدوره صحة الدماغ، ويساعد في مواجهة آثار جين APOE4، مثل اضطراب معالجة الدهون وزيادة التهاب الدماغ. لدى الأشخاص الذين يحملون متغيرات APOE4، قد تُقلل التغييرات المرتبطة بالنظام الغذائي في مستويات الدهون من التهاب الدماغ الضار، وتدعم عملية أيض دماغي أكثر صحة.
في الواقع، هذه ليست الدراسة الأولى التي تتحدث لصالح النظام الغذائي المتوسطي؛ فقد ربطت أبحاث سابقة أيضًا النظام الغذائي المتوسطي والأنظمة الغذائية ذات الصلة بتباطؤ التدهور المعرفي وانخفاض علامات الزهايمر.
المصدر: timesofindia