شهدت الساحة اللبنانية، تفاعلات واسعة وردود فعل متباينة محليا وعربيا ودوليا، عقب الجلسة الحساسة التي عقدها مجلس الوزراء اللبناني الجمعة في القصر الرئاسي ببعبدا التي ترأسها رئيس الجمهورية جوزاف عون وحضرها رئيس الحكومة نواف سلام إلى جانب الوزراء، من ضمنهم الوزراء الخمسة الممثلين للطائفة الشيعية (اثنان عن حزب الله، واثنان عن حركة أمل، إضافة إلى الوزير فادي مكي المعين من قبل الرئيس عون)، كانت مخصصة لمناقشة خطة الجيش اللبناني لحصر السلاح بيد الدولة، تنفيذًا لقرار اتخذ في جلسة سابقة بتاريخ 5 أغسطس.
الترحيب الرسمي بخطة الجيش
في أول رد فعل رسمي، رحبت الدولة اللبنانية ممثلة في مجلس الوزراء بالخطة التي قدّمتها قيادة الجيش لتنفيذ قرار بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، وحصر السلاح بيد الشرعية فقط.
وزير الإعلام والمتحدث باسم الحكومة، بول مرقص، أكد في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع، أن الخطة ترتكز على مراجع دستورية واضحة مثل اتفاق الطائف، القرار الدولي 1701، خطاب القسم الرئاسي، والبيان الوزاري.
وأشار إلى أن الجيش قدم عرضا مفصلا حول مراحل تنفيذ الخطة، وأكد أن الحكومة ستواكب تنفيذها وتطلب من الجيش تقديم تقارير دورية كل شهر لمتابعة التقدم المحرز.
وغرد رئيس الحكومة نواف سلام عبر منصة "أكس"، مؤكدا أن الخطة تعد خطوة مهمة لتوحيد السلاح تحت سلطة الدولة، وأشار إلى أن الجيش سيلتزم بتقديم تقارير دورية حول تطور تنفيذها.
انسحاب الوزراء الشيعة وموقف حزب الله
وفي تطور لافت، انسحب الوزراء الشيعة الخمسة من الجلسة، وهو ما أثار تساؤلات حول موقف حزب الله من خطة حصر السلاح.
ورغم عدم صدور موقف رسمي مباشر خلال الجلسة، إلا أن وزراء الطائفة أدلوا بتصريحات لاحقة عكست تحفظا واضحا.
وتزامن ذلك مع خروج أنصار حزب الله في مسيرات احتجاجية، حملت لافتات رافضة لنزع سلاح الحزب، ومؤكدة على خيار "المقاومة"، في إشارة واضحة إلى تمسك الحزب بسلاحه كجزء من منظومته الدفاعية.
الموقف المتشدد كان قد عبر عنه سابقا الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، حين أكد أن سلاح الحزب "غير قابل للتفاوض"، وحذر من احتمال اندلاع حرب أهلية إذا ما تم الضغط بهذا الاتجاه.
أما المسئول في حزب الله، محمود قماطي، فقد صرح السبت بأن الحزب يعتبر أن خطة الجيش تفتح "فرصة للعودة إلى الحكمة والعقل"، محذرا من أن الاستمرار في تنفيذ الخطة دون النظر إلى التهديدات الإسرائيلية "قد يدفع البلاد إلى المجهول".
وأوضح أن حزب الله يرى في تنفيذ هذه الخطة جزءا من خارطة طريق أمريكية مشروطة بوقف الاعتداءات الإسرائيلية وانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان.
وبالتالي، فإن أي تقدم في تنفيذ الخطة سيبقى معلقا ما لم تلتزم إسرائيل بهذه الشروط، حسب تعبيره.
خارطة طريق أمريكية وموقف إسرائيل
وتأتي خطة الجيش اللبناني لحصر السلاح ضمن خارطة طريق أمريكية وافق عليها مجلس الوزراء اللبناني في جلسة سابقة، وتقضي بنزع سلاح حزب الله مقابل وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية.
كانت إسرائيل قد ألمحت مؤخرا إلى إمكانية تقليص وجودها العسكري في جنوب لبنان، شرط أن يقوم الجيش اللبناني باتخاذ خطوات ملموسة لنزع سلاح الحزب غير أن الغارات الإسرائيلية استمرت، وأسفرت عن مقتل أربعة أشخاص يوم الأربعاء الماضي، ما أضعف مصداقية التعهدات الإسرائيلية.
القصف الإسرائيلي يتصاعد ولبنان يحتج
وبالتزامن مع انعقاد الجلسة، كثف جيش الاحتلال الإسرائيلي قصفه لمناطق الجنوب اللبناني، في تصعيد اعتبره مراقبون بمثابة رسالة ضغط غير مباشرة على الحكومة اللبنانية للتعجيل في تنفيذ خطة نزع السلاح.
واستهدفت هذه الغارات بلدات مدنية وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين والعسكريين.
من جانبه، أعرب مجلس الوزراء اللبناني عن إدانته الشديدة للاعتداءات الإسرائيلية اليومية، واصفا إياها بأنها خروقات فاضحة للقانون الدولي وتهديد مباشر للأمن اللبناني.
وقدم المجلس تعازيه لأهالي الضحايا، مؤكدا أن لبنان ملتزم بالكامل بوقف الأعمال العدائية، لكن إسرائيل تواصل انتهاك هذا الاتفاق عبر اعتداءاتها الجوية والبرية والبحرية.
وشدد مجلس الوزراء على أن لبنان سيستمر في التمسك بسيادته وقراره المستقل في الحرب والسلم، وأن بسط سلطة الدولة سيبقى أولوية وطنية تنفذ بواسطة المؤسسات الشرعية فقط، دون تدخل من أي قوى خارج إطار الدولة.
الجيش اللبناني يتحرك والداخلية تتدخل
أعلن وزير الداخلية اللبناني، أحمد الحجار، أن الدولة اتخذت إجراءات مشددة لحفظ الأمن، بالتنسيق مع الجيش وتم إرسال قوات إضافية إلى بعض المناطق الحساسة، خاصة في الجنوب، تحسبا لأي تطورات ميدانية.
وأكد وزير الإعلام أن تفاصيل خطة الجيش ستبقى سرية حرصا على نجاح تنفيذها، بينما ستقوم قيادة الجيش برفع تقرير شهري إلى مجلس الوزراء حول التطورات والمستجدات.
دعم دولي وعربي وموقف مصري بارز
لاقت خطة حصر السلاح ودعم سلطة الدولة ترحيبا من عدة أطراف عربية ودولية، في مقدمتها مصر التي جددت دعمها القوي لسيادة الدولة اللبنانية وضرورة بسط نفوذها على كامل الأراضي اللبنانية.
وجاء الموقف المصري منسجما مع مواقف عربية ودولية ترى في تعزيز سيادة الدولة اللبنانية حجر الزاوية لاستقرار البلاد والمنطقة.
الجدير بالذكر، أن لبنان يقف اليوم عند منعطف حاسم، حيث تسعى الدولة عبر مؤسساتها الشرعية إلى فرض سلطتها على كامل التراب الوطني، في ظل تحديات داخلية كبيرة تتعلق بموقف القوى الشيعية، وتحديات خارجية ترتبط بتهديدات إسرائيلية متواصلة.
وتراهن الحكومة على الحكمة والحوار، فيما تبقى نتائج تنفيذ خطة الجيش مرهونة بالتوازن بين الداخل المضطرب والخارج المتربص، وسط دعم دولي وعربي لا يستهان به.