تقدمت مجموعة من الفلسطينيين، الأحد، بعريضة قانونية رسمية إلى الحكومة البريطانية، تطالبها بتحمل المسؤولية عن انتهاكات جسيمة ارتكبتها خلال فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين (1917–1948)، وما تسببت به من آثار مدمرة لا تزال تتردد حتى اليوم.
وتأتي العريضة ضمن حملة أطلق عليها اسم "بريطانيا مدينة لفلسطين"، وتدعو لندن إلى الاعتراف العلني بدورها التاريخي في معاناة الفلسطينيين، وتقديم اعتذار رسمي وتعويضات عن "قرن من القمع"، وفق نص الوثيقة.
أكثر من 400 صفحة من الأدلة القانونية
العريضة، التي أعدها نشطاء في مجال حقوق الإنسان، تتكون من أكثر من 400 صفحة، وتستعرض ما وصفتها بـ"أدلة دامغة" على المخالفات البريطانية للقانون الدولي خلال فترة الانتداب. وتشمل المخالفات:
وعد بلفور عام 1917، الذي تعهد بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين دون مراعاة لحقوق سكانها الأصليين.
الإدارة الاستعمارية غير القانونية خلال الانتداب البريطاني، والتي اتهمت بفرض نظام قمعي ضد السكان الفلسطينيين.
قمع الثورة الفلسطينية الكبرى (1936–1939)، عبر استخدام العنف المفرط، والاعتقال التعسفي، والتعذيب، والإعدامات الميدانية.
صنعت في بريطانيا
رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري (91 عاماً)، أحد مقدمي العريضة، تحدث لصحيفة الغارديان قائلا إن "الأزمة الحالية في فلسطين صنعت في بريطانيا"، مذكرا بإصابته برصاصة أطلقها جنود بريطانيون عليه حين كان في الثالثة عشرة من عمره.
وأضاف المصري أن المملكة المتحدة لا يمكن أن تلعب دورا بناء في تحقيق سلام عادل في المنطقة من دون الاعتراف بمسؤولياتها التاريخية، معتبرا الاعتذار نقطة بداية ضرورية.
نحو المساءلة الدولية
المذكرة القانونية، التي تم إعدادها على مدار سنوات، هي محاولة لتحميل بريطانيا المسؤولية عن فشلها في حماية الفلسطينيين، خاصة عند انسحابها من فلسطين دون ضمان حقوقهم أو الحفاظ على وحدة البلاد.
ويؤكد الفريق القانوني المكلف بالملف، والذي يضم شخصيات بارزة مثل بن إيمرسون (المقرر الأممي السابق لحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب)، أن العريضة تستند إلى التزامات المملكة المتحدة بموجب القانون الدولي، وتشكل أرضية قانونية قوية قد تفضي إلى مراجعة قضائية أمام المحكمة العليا في لندن إذا لم تستجب الحكومة البريطانية.
إرث الاستعمار البريطاني
تسجل العريضة كيف استخدمت بريطانيا سلطتها الاستعمارية لقمع السكان الفلسطينيين، بما في ذلك فرض قوانين عرفية، واحتجاز جماعي، وإعدامات، وارتكاب انتهاكات ترقى إلى مستوى جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.
كما تذكر العريضة أن بريطانيا أخلت بوعدها في مراسلات مكماهون-الحسين، التي تعهدت فيها بدعم قيام دولة عربية مستقلة في المنطقة خلال الحرب العالمية الأولى، وهو ما لم يحدث.
سوابق بريطانية للاعتذار
ويستشهد مقدمو العريضة بحالات سابقة قدمت فيها بريطانيا اعتذارات رسمية عن جرائم استعمارية، مثل اعتذارها في مارس الماضي عن مجزرة باتانغ كالي في مالايا عام 1948، ما يعزز مطلب الفلسطينيين بالمعاملة بالمثل.
العريضة لا تتطرق للطعن في الاعتراف القانوني بدولة إسرائيل بعد عام 1948، بل تركز على مسؤولية بريطانيا خلال الحقبة التي سبقت النكبة، وما ترتب عليها من تهجير وتشتيت للفلسطينيين.