قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

خالد عامر يكتب: زيارة ملك إسبانيا.. روعة التوقيت

خالد عامر
خالد عامر

زيارة ملك إسبانيا إلى مصر لم تكن مجرد جولة بروتوكولية في الأهرامات ومعابد الأقصر، وإنما حدث استراتيجي متعدد الأبعاد يكشف عن رؤية مصرية واعية لإدارة المشهد السياسي والأمني والإقليمي. فاختيار التوقيت والبرنامج يعكس ثقة الدولة المصرية في استقرارها الداخلي وقدرتها على تأمين أرفع الشخصيات الدولية.

فاستقبال ملك وملكة إسبانيا في الأهرامات، وتنظيم حفل عشاء بجوار الهرم الأكبر وبين معابد الأقصر التاريخية، ليس مجرد مشهد سياحي، بل إعلان صريح أن مصر قادرة على توفير أعلى درجات الحماية في أصعب الظروف وأكثرها حساسية. إنها رسالة مباشرة للعالم بأن مصر آمنة من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، وأن أي استثمار أو تعاون سياحي أو اقتصادي فيها محاط بضمانات أمنية لا تقل عن مثيلاتها في العواصم الأوروبية.

فظهور الرئيس المصري بجوار الهرم الأكبر لم يكن مجرد حضور احتفالي، بل يعكس ثقة قائد عسكري يعرف جيدًا قوة المؤسسة العسكرية، وأن صورة واحدة قد تعادل عشرات الخطب وآلاف المقالات. فمصر هنا تقدم نفسها كدولة ذات جيش قادر على حماية حضارتها ومكانتها. والرسالة غير المعلنة أن من يقف على أرض الأهرامات في حضرة رؤساء وملوك حكموا العالم، يقف على أرض محروسة بقوة عسكرية هي الأقوى في المنطقة والأقدم على مر العصور. وهذا الحضور يرسخ الانطباع بأن مصر ليست مجرد مقصد سياحي، بل قوة إقليمية تمتلك القدرة على حماية مصالحها وحلفائها.

جاءت الزيارة متزامنة مع إعلان إسبانيا دعمها للقضية الفلسطينية، وهو دليل على ثقل سياسي مصري شديد الأهمية. واختيار إسبانيا للقاهرة لتكون محطة مركزية في هذه اللحظة يعني أنها ترى في مصر شريكًا استراتيجيًا لا غنى عنه في معادلات الشرق الأوسط. أما بالنسبة لمصر، فهي رسالة لكل من قلل من دورها الإقليمي، تبرز دورها كوسيط وفاعل رئيسي قادر على إدارة الملفات الإقليمية الشائكة، وفي مقدمتها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

إسبانيا خلال أيام قليلة فقط، وبدون أي اجتماعات أممية، حظرت تصدير السلاح للكيان المحتل بقانون دائم، ومنعت مرور أي شحنات عسكرية عبر موانئها وأجوائها. كما أدرجت مسؤولين صهاينة على قوائم الحظر، وأوقفت استيراد منتجات المستوطنات، وضاعفت مساعداتها الإنسانية للفلسطينيين، ودعمت الأونروا، واعترفت رسميًا بدولة فلسطين، وألغت صفقة سلاح بـ700 مليون يورو مع تل أبيب، ودعمت تحريك دعاوى الإبادة أمام محكمة العدل الدولية، وطالبت بمنع الكيان من المنافسات الرياضية الدولية.

نجحت مصر في دمج أدواتها الناعمة كالسياحة والحضارة الفرعونية مع أدواتها الصلبة المتمثلة في المؤسسة العسكرية. هذه المعادلة تؤكد أن الدولة المصرية تدرك قيمة الصورة في زمن الإعلام الفوري، وتعرف كيف تستثمر زيارات القادة لتوصيل رسائل سياسية تتجاوز حدود السياحة والضيافة إلى ساحات السياسة والأمن الدولي.

كانت زيارة ملك إسبانيا لمصر، وقبلها الرئيس الفرنسي، حدثًا مركبًا يعكس قدرة القاهرة على توظيف كل عناصر قوتها الشاملة. فهي رسالة أمان للسائح، وثقة للمستثمر، وقوة للخصوم، وشراكة للأصدقاء. ببساطة، مصر قالت للعالم كله: هنا دولة تعرف كيف تحمي أمنها، وتبني اقتصادها، وتدافع عن قضاياها، وتخاطب العالم بلغته وبصور لا تُنسى.

حفظ الله مصر، وحفظ الله جيشها.