قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

سيرة ومسيرة الحجاجي.. ندوة بمعرض الأقصر الرابع للكتاب

معرض الاقصر للكتاب
معرض الاقصر للكتاب

تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، وفي إطار محور "جسور الفكر والثقافة (الأقصر.. عراقة الوجود الإنساني)"، شهد معرض الأقصر الرابع للكتاب، الذي تنظمه الهيئة المصرية العامة للكتاب، ندوة فكرية وثقافية متميزة حول شخصية المعرض الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي، بعنوان: "سيرة ومسيرة أحمد شمس الدين الحجاجي باحثًا ومبدعًا مسرحيًا"، في مكتبة مصر العامة بالأقصر، شارك فيها الدكتور سامي سليمان أستاذ النقد والأدب العربي الحديث، والباحث الدكتور محمود البعيري، والمبدع المسرحي الشايب تكلا، وأدارها الدكتور عادل ضرغام أستاذ الأدب والنقد بكلية دار العلوم – جامعة الفيوم.

استهل الدكتور عادل ضرغام الندوة بالترحيب بضيوفها، معبرًا عن سعادته البالغة بمناقشة تجربة أحد أبرز المبدعين الذين أثروا الحياة الثقافية المصرية، خاصة في مجال الأدب الشعبي ودراساته. وأكد على أهمية إعادة قراءة أعمال الراحل الحاضر أحمد شمس الدين الحجاجي، لأن كل قراءة جديدة تكشف منظورًا مختلفًا يضيء فكرًا جديدًا وإبداعًا متجددًا، يحمل رؤية قادرة على مناقشة الواقع من منظور أسطوري وشعبي، يعكس قضايا المجتمع ويجسد عقله الجمعي.

من جانبه، قدم الشايب تكلا مقدمة عن أعمال الحجاجي وإسهاماته العلمية والأدبية والإبداعية، مؤكدًا شغفه الكبير بالمسرح، واهتمامه بالبحث عن البطل في التراث الشعبي والأسطورة في الأدب المسرحي، إضافة إلى دراسته المتعمقة لجماليات اللغة العربية وآدابها. وأشار إلى غزارة إنتاج الحجاجي في مجال الأدب الشعبي، وشغفه بالحكاية الشعبية والبطل الشعبي، قائلًا إن هذا الشغف وجّه مسيرته العلمية والإبداعية.

وأوضح تكلا أنه على الرغم من غزارة إنتاج الحجاجي في الدراسات النقدية المسرحية، فإنه لم يقدم سوى نص إبداعي واحد هو مسرحية "الخماسين"، التي تدور أحداثها في ثلاثة فصول حول جريمة قتل راح ضحيتها الشاب عليوة، شقيق عبد ربه أبو السعود الحشاش، أحد أثرياء أحد نجوع الأقصر. وأضاف أن موضوع المسرحية في ظاهره يتناول قضية الثأر المنتشرة في صعيد مصر، لكنه في جوهره يطرح قضية العدالة.

وأشار إلى أن رياح الخماسين المحمّلة بالشر، في بعدها الرمزي، تمثل مواجهة بين قوى الشر والعدل، لتأكيد سعي الإنسان الأزلي نحو تحقيق العدالة الكاملة التي تتطابق فيها القيم الإنسانية مع القانون. ولفت إلى أن النص تناول قضية الثأر في ثوب مغاير تمامًا لكل الأعمال السابقة، إذ لم يتعامل معها بوصفها انتقامًا شخصيًا أو اجتماعيًا، بل كقضية مجتمع يبحث عن عدالة ناجزة تحقق الأمن والاستقرار.

وأوضح تكلا أن الكاتب استلهم في عمله بيئة الأقصر بما تحمله من قضايا وهموم وإنسان وثقافة، مستندًا إلى معطيات الواقع الحي، ومستخدمًا رياح الخماسين كرمز فاعل داخل الحدث المسرحي. وقال إن هذه الرياح، المحملة بالأتربة والمسببة للأمراض، عندما تهب لا تستثني أحدًا، فهي تحطم النوافذ وتتسلل إلى البيوت وتفسد الحقول وتثير غبار المقابر، لتتحول إلى رمز للشر الكامن في المجتمع الذي لا يواجه إلا بالعدل الحقيقي. وأوضح أن الحجاجي في نصه تجاوز إطار الحكاية الفردية إلى الإطار الجمعي الذي يعبر عن المجتمع بأكمله في سعيه نحو العدالة الإنسانية.

ثم استهل الدكتور محمود البعيري حديثه باستعارة بليغة قائلاً: "قيل إن الليث بن سعد كان أفقه وأعلم من مالك، إلا أن مالكًا كان له تلاميذ ولم يكن لليث مثله، فكان لمالك مذهب ولم يكن لليث مذهب، وحق على التلاميذ أن يمهدوا طريق أستاذهم للسالكين ويتبنوا منهجه وفكرته، وهو ما يفعله الآن تلاميذ الدكتور شمس".

وأضاف البعيري أنه لا يريد تكرار ما قاله الأساتذة عن إبداع الدكتور شمس ونقده، لكنه يؤكد أنه استطاع أن يرى عالمه الافتراضي في روايته "سيرة الشيخ نور الدين" ومسرحيته "الخماسين"، مشيرًا إلى أن هذا يتحقق بملكة إبداعية كبيرة تجعل النص انعكاسًا لعالم المبدع الخاص.

وأوضح أن قلة قليلة من المبدعين، مثل الدكتور شمس، استطاعوا أن يتحققوا بنص واحد فقط، فكان نصهم مشروعًا إبداعيًا مكتملًا بذاته. وأشار إلى أن الحجاجي في مسرحية "الخماسين" انتصر للمقدس – العدل – على الدنس – القانون، فالعدل عنده عُلوي، بينما القانون أرضي، والعدل غاية والقانون وسيلة لتحقيق تلك الغاية. وأضاف أن الدكتور شمس لم ير الأشياء بعيون الجماعة، بل بعين تخصه وحده، فبينما ترى الجماعة الثأر تخلفًا وجهلًا، رآه هو معادلاً للعدل المقدس، يشبه "قوات حفظ السلام" التي تحافظ على الأمن والسلام.

وأوضح البعيري أن الحجاجي رأى في الثأر قوة رادعة تمنع الظلم والعدوان، على نحو قريب مما عبّر عنه الشاعر أمل دنقل في قصيدته "لا تصالح"، مشيرًا إلى أن العالم الأقصرى الذي جسده الحجاجي في أعماله، وخاصة في "سيرة الشيخ نور الدين"، يعكس إيمانه بأن الأسطورة وُلدت في الجنوب، وأن الجنوب يعيش الأسطورة بفطرته، ويصنعها في كل حركاته وتفاصيل حياته اليومية.

من جانبه، قدم الدكتور سامي سليمان، أستاذ النقد والأدب العربي الحديث، رؤيته النقدية والفكرية حول أنماط الأدب الشعبي بوصفه خطابًا ثقافيًا، مستندًا في قراءته لشمس الدين الحجاجي إلى رؤية منهجية تتصل ببيان طبيعة الأدب عند الحجاجي بوصفه خطابًا ثقافيًا متكاملًا.
وأوضح أنه ميز في دراسته بين الأنماط العامة للممارسة الأدبية في الثقافة المصرية من خلال سياقها الاجتماعي، إذ يتأسس الفهم الثقافي لمهام الأدب والفن على النظر إليهما كمنتجات ثقافية تنضوي في إطار الثقافة بوصفها منظومة القيم والعادات والمعتقدات والممارسات التي تشكل أسلوب حياة الجماعة.

وأشار سليمان إلى أن دراسات الحجاجي للسيرة الشعبية الممتدة والحية في الثقافة المصرية تكشف عن اقتداره على بلورة صياغة متجددة لمهام السيرة الشعبية في سياقاتها وفعاليتها في الواقع المعاصر، وقدرته على تقديم تحليل بنائي لشخصية البطل الشعبي، كما يتجلى ذلك في كتابه المهم "مولد البطل في السيرة الشعبية".

وأضاف أنه كانت تربطه بالحجاجي علاقة إنسانية وفكرية وثيقة، وأنه عرفه إنسانًا محبًا للحياة وللناس، يتمتع بقدرة هائلة على التعاطف مع البشر وسلوكهم. وأوضح أن هذه القيمة الإنسانية تتجلى في كل ما كتب وفي مواقفه الحياتية، واصفًا محبة الحجاجي للحياة بأنها فناء صوفي يظهر جليًا في أعماله وإبداعاته.

وبيّن سليمان أن الحجاجي كان يسعى دائمًا إلى اكتشاف موقف المؤلفين من الحياة وصورة الحياة في مؤلفاتهم وما وراءها من دلالات، وضرب مثالًا بما كتبه عن الأسطورة عند نجيب محفوظ، حيث نجد أن محبة الحياة عند الحجاجي ترتبط بقيمة الإخلاص، وهي قيمة أصيلة تتجلى في شخصيته وفي سلوكه الإنساني والعلمي على السواء.

واختتم سليمان بأن الأدب الشعبي الذي تنتجه الفئات الشعبية داخل البناء الاجتماعي يشكّل مادة خصبة للاستلهام الفني والفكري، إذ يُعبَّر عنه بدلالاته وصوره من أجل إحيائه والحفاظ على الموروث الثقافي، أو إعادة قراءته بمنظور حديث يعكس هموم المجتمع المعاصر. وضرب مثالًا بمسرحية "الخماسين" التي تناول فيها الحجاجي قضية الثأر بوصفها قضية اجتماعية كبرى تهدف إلى تحقيق العدالة الحقيقية.

وأكد أن من خلال هذا التناول تتحقق فكرة الردع والوعي الجمعي أمام المفاهيم المترسخة في العقل الشعبي، حيث يتحول الإبداع إلى صياغة فكرية وشعبية تسقط على الواقع الاجتماعي، وتفتح أفقًا جديدًا للتفكير في علاقة الإنسان بالعدالة والحرية والمجتمع.