تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما حكم صلاة النافلة في جماعة؛ فنحن نقوم في بلدتنا بدعوة الناس إلى قيام الليل في جماعة، ونخُصُّ من ذلك بعض الأيام والأزمان المباركة؛ مثل الاثنين والخميس والعشر الأوائل من ذي الحجة وغيرها، وندعوهم لقيام الليل والصلاة والتسبيح والأدعية في يوم ميلاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ احتفالًا بمولد الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقال بعض الناس: هذا بدعة، وقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى معه في غير رمضان صحابي أو اثنان كانوا حاضرين في وقت الصلاة مصادفة، أو دخلوا معه فيها وهو لم يدعهم إليها؛ وعلى ذلك فإن دعوة الناس إلى قيام الليل في جماعة بدعة. فما مدى صحة هذا الكلام؟
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة: دعوة الناس إلى الاجتماع إلى قيام الليل في جماعة وسيلة للعبادة وليس عبادة، فلا يعتبر بدعة؛ لأنه من قبيل الدعوة إلى فعل الخيرات والتعاون على البر والتقوى، وهذا شيءٌ مأمورٌ به شرعًا. مع التنبيه على ضرورة التنسيق مع الجهة الموكول إليها رعاية أمر المساجد والإشراف عليها.
حكم أداء صلاة النافلة في جماعة
من المقرر شرعًا أنَّ صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «صَلاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» رواه الإمام مالك، وهو متفق عليه، وغير ذلك من الأحاديث الشريفة.
ولقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه صلى النوافل في جماعة؛ مثل: قيام الليل؛ لمّا حدث أن خرج في رمضان فصلَّى وصلَّى خلفه الصحابة، وجاء في الليلة الثانية فصلَّى وصلَّى وراءه جَمعٌ أكثر، وفي الليلة الثالثة احتجب صلى الله عليه وآله وسلم عنهم فلم يخرج عليهم، فلما سئل سيدنا رسول الله عن ذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: «خَشِيتُ أَن تُفْرَضَ عَلَيكُمْ» متفق عليه.
والصلاة التي صلَّاها سيدنا رسول الله لا تخرج عن كونها من قيام الليل، ولما رواه الإمام مسلم في "صحيحه" عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أنَّ جدته مُلَيْكة دعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لطعام صنعته فأكل منه، ثم قال: «قُومُوا فَلأُصَلِّيَ لكُمْ»، قال أنس بن مالك: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لُبس، فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز وراءنا، فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ركعتين، ثم انصرف"، وفي رواية أخرى لمسلم عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: "دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما هو إلا أنا وأمي وأم حرام خالتي، فقال: «قُومُوا فَلأُصَلِّيَ بِكُمْ» -في غير وقت صلاة-، فصلى بنا، فقال رجل لثابت: أين جعل أنسًا منه؟ قال: جعله على يمينه، ثم دعا لنا أهلَ البيت بكل خير من خير الدنيا والآخرة، فقالت أمي: يا رسول الله خويدمك ادع الله له. قال: فدعا لي بكل خير، وكان في آخر ما دعا لي به أن قال: «اللَّهُمَّ أَكثر مَالَهُ، وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ».
قال الإمام النووي في "شرحه لمسلم" عند هذا الحديث: [وفيه جواز صلاة النافلة جماعة] اهـ. "صحيح مسلم شرح النووي" (5/ 162، ط. دار إحياء التراث العربي).



