قال الأثري الطيب غريب محمود مدير معابد الكرنك السابق بمدينة الأقصر إن افتتاح المتحف المصري الكبير الذي ضم مقتنيات مقبرة الملك توت عنخ آمون كاملة لأول مرة في التاريخ يمثل لحظة فخر لكل مصري، مشيرًا إلى أن وراء هذه الكنوز قصة وطنية عظيمة بطلها رجل من طراز فريد هو “مرقص باشا حنا” الوزير الذي تصدى لأطماع الإنجليز وحمى كنوز المقبرة الملكية من التهريب للخارج.
نشأة وبدايات مرقص باشا حنا
أوضح الأثري الطيب غريب أن مرقص باشا وُلد في مدينة المنصورة عام 1872 ونشأ في بيت متدين ومحب للعلم فقد أرسلته والدته بعد وفاة والده إلى فرنسا ليكمل دراسته وهناك حصل على ليسانس الحقوق من جامعة مونبلييه وشهادة في الاقتصاد من جامعة باريس ثم عاد إلى مصر ليتولى مناصب قضائية قبل أن يتفرغ لمهنة المحاماة التي عشقها وأبدع فيها
 
وأضاف أن “حنا” كان من أوائل المفكرين الذين دعموا تعليم البنات وأسهم في إنشاء كلية البنات القبطية كما تولى منصب نقيب المحامين لعدة دورات متتالية وشارك في الحركة الوطنية وانضم إلى لجنة الوفد المركزية أثناء ثورة 1919 وتعرض للسجن والنفي بسبب دفاعه عن استقلال الوطن.
الوزير الوطني الذي واجه بريطانيا
أشار “غريب” إلى أن “مرقص باشا حنا ”تولى وزارة الأشغال العمومية عام 1924 في حكومة سعد زغلول وهي الوزارة التي كانت تشرف على مصلحة الآثار المصرية وفي تلك الفترة كانت أزمة كبيرة تدور حول مقبرة الملك توت عنخ آمون المكتشفة حديثا في وادي الملوك بالأقصر
فقد سمح المكتشف البريطاني هوارد كارتر بدخول الصحافة الأجنبية فقط للمقبرة ومنع دخول المصريين مما أثار استياء الرأي العام الوطني 
وهنا تدخل مرقص باشا حنا بكل قوة وأصدر قرارات حاسمة بتشديد الرقابة على المقبرة ومنع دخول أي أجنبي إلا بتصريح رسمي من الوزارة مع مرافقة مندوب مصري له إلى جانب وضع حراسة مصرية مشددة على المقبرة ومقتنياتها
أزمة المقبرة وقرار الدفاع عن حق مصر
واوضح “ الطيب” إن قرارات حنا باشا أثارت غضب بريطانيا فهاجمته الصحف الأجنبية وعلى رأسها صحيفة التايمز التي اتهمته بالعداء للإمبراطورية البريطانية لكنه لم يتراجع بل أمر بتسجيل كل محتويات المقبرة ونقلها إلى المتحف المصري بالقاهرة تحت حراسة الشرطة الوطنية ليمنع أي محاولة لتهريب القطع الأثرية

وأضاف أن كارتر ولورد كارنارفون رفعا دعوى أمام المحاكم المختلطة للمطالبة بنصف محتويات المقبرة طبقًا لقانون القسمة القديم لكن مرقص باشا تصدى قانونيًا لهذه الدعوى وأثبت أن المقبرة ملك كامل لمصر لأنها لم تُمس منذ دفن الملك وبالفعل أصدرت محكمة الاستئناف بالإسكندرية في مارس 1924 حكما تاريخيا أكد أن مقبرة الملك توت عنخ آمون ومقتنياتها ملك للشعب المصري وحده.
رجل من طراز فريد
أكد" غريب " أن التاريخ لم يمنح هذا الرجل ما يستحقه من تقدير رغم مواقفه الوطنية التي خلدت اسمه فقد واجه أعظم إمبراطورية في ذلك الوقت دفاعا عن تراث وطنه ولو لم يكن حازما وشجاعا لكانت نصف كنوز توت عنخ آمون تعرض اليوم في متاحف بريطانيا
 
واختتم الأثري “الطيب غريب” حديثه قائلاً إن مرقص باشا حنا الذي توفي في 18 يونيو 1934 عن عمر ناهز 62 عامًا سيبقى رمزا للوفاء والكرامة الوطنية واسما خالدا في تاريخ مصر لأنه لم يكن مجرد وزير بل الحارس الأمين على مقبرة الملك الذهبي
                        
                        
                    
                                        

