تمضي مصر في السنوات الأخيرة بخطوات ثابتة نحو تعزيز حضورها الاقتصادي في الأسواق الدولية، مع توسّع ملحوظ في القطاعات الإنتاجية التي تمتلك فيها ميزات تنافسية واضحة.
ويأتي قطاع الصناعات الغذائية في مقدمة هذه القطاعات، باعتباره أحد أكثر الصناعات قدرة على النفاذ إلى الأسواق الخارجية، نظراً لارتباطه بالثروة الزراعية المصرية وتنوع المنتج المحلي وارتفاع مستوى الجودة.
وإلى جانب دوره في دعم الأمن الغذائي، يشكّل هذا القطاع أحد أعمدة الصادرات غير البترولية التي تراهن عليها الدولة لتنويع مصادر الدخل القومي وتعزيز قوة الاقتصاد الوطني.
_825_022721.jpg)
الصناعات الغذائية المصرية
شهدت الصناعات الغذائية المصرية خلال العقد الأخير تطوراً هيكلياً شاملاً شمل تحديث خطوط الإنتاج، وتطوير منظومة سلامة الغذاء، وتوسيع الرقعة التصديرية لتشمل أسواقاً جديدة في أوروبا وأفريقيا وآسيا والأمريكيتين.
كما أولت الدولة اهتماماً كبيراً بتهيئة بيئة أعمال داعمة عبر برامج تمويلية وصناعية وتصديرية، إلى جانب تعزيز دور الهيئات الرقابية، وهو ما انعكس مباشرة على جودة المنتج وعلى ثقة الأسواق العالمية بالمنتج المصري.
وعلى هذا الأساس، دخل القطاع عام 2025 بزخم قوي، تَرجَمَه أداءٌ قياسي على مستوى حجم الصادرات وتنوع الأسواق والمنتجات.
أولاً: الأداء العام للصادرات خلال 2025
سجل قطاع الصناعات الغذائية المصري خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2025 أداءً قياسياً جديداً، حيث تجاوزت قيمة الصادرات 5.8 مليار دولار أمريكي مقارنة بنحو 5.2 مليار دولار خلال الفترة نفسها من 2024، محققاً نمواً قدره 11٪ بما يعادل زيادة قيمتها 570 مليون دولار.
ويؤكد هذا الأداء الاستثنائي المكانة الاستراتيجية المتنامية للقطاع، الذي أصبح يمثل نحو 14٪ من إجمالي الصادرات غير البترولية، ويحتل المركز الثالث بين القطاعات التصديرية الرئيسة في البلاد.
_825_022746.jpg)
ثانياً: تحليل الأداء الشهري للصادرات
أظهر الأداء الشهري للصادرات خلال 2025 ديناميكية واضحة وتوزيعاً متوازناً بين أشهر السنة، وجاءت أبرز المؤشرات على النحو الآتي:
- يناير: 530 مليون دولار مقابل 479 مليون دولار في يناير 2024 بنمو 11٪ وزيادة 52 مليون دولار.
- فبراير: 533 مليون دولار مقابل 543 مليون دولار بانخفاض 2٪.
- مارس: 578 مليون دولار مقابل 592 مليون دولار بانخفاض 2٪.
الربع الثاني:
- أبريل: 630 مليون دولار مقابل 534 مليون دولار بنمو كبير 18٪ وزيادة 96 مليون دولار.
- مايو: 634 مليون دولار مقابل 552 مليون دولار بنمو 15٪ وزيادة 82 مليون دولار.
- يونيو: 506 ملايين دولار مقابل 475 مليون دولار بنمو 6٪ وزيادة 31 مليون دولار.
الربع الثالث:
- يوليو: 625 مليون دولار مقابل 564 مليون دولار بنمو 11٪ وزيادة 61 مليون دولار.
- أغسطس: 587 مليون دولار مقابل 500 مليون دولار بنمو 17٪ وزيادة 87 مليون دولار.
- سبتمبر: 539 مليون دولار مقابل 462 مليون دولار بارتفاع 17٪.
- أكتوبر: بلغت الصادرات 601 مليون دولار مقابل 493 مليون دولار بنمو 22٪ وزيادة 108 ملايين دولار.
وبذلك بلغ إجمالي الصادرات خلال الأشهر العشرة الأولى 5.763 مليار دولار، وهو أعلى مستوى في تاريخ القطاع لهذه الفترة.
ثالثاً: التوزيع الجغرافي للصادرات
عكست البيانات تنوع الأسواق المستوردة واتساع رقعة انتشار الصناعات الغذائية المصرية:
- الدول العربية: 2.79 مليار دولار (48٪ من الإجمالي) بنمو 2٪ وزيادة 51 مليون دولار.
- الاتحاد الأوروبي: 1.155 مليار دولار (20٪) بنمو 11٪ وزيادة 118 مليون دولار.
- الأسواق الأفريقية غير العربية: 432 مليون دولار (8٪) دون تغيير يذكر.
- الولايات المتحدة الأمريكية: 371 مليون دولار بنمو لافت 36٪ وزيادة 98 مليون دولار.
- باقي دول العالم: 1.015 مليار دولار بنمو كبير 43٪ وزيادة 304 ملايين دولار.
رابعاً: تحليل أهم الأسواق المستوردة
استمرت السعودية في الصدارة كأكبر مستورد للصناعات الغذائية المصرية بقيمة 455 مليون دولار بنمو 13٪.
تلتها أمريكا بـ 371 مليون دولار بنمو 36٪، ثم السودان بـ 293 مليون دولار، وليبيا بـ 254 مليون دولار بنمو 3٪.
وجاءت الأردن في المرتبة الخامسة بـ 239 مليون دولار بنمو 18٪، تلتها هولندا بـ 201 مليون دولار، ثم العراق بـ 197 مليون دولار بنمو 31٪.
كما شهدت بعض الأسواق قفزات استثنائية، أبرزها:
- لبنان: 172 مليون دولار بنمو 74٪.
- الجزائر: 178 مليون دولار بنمو 36٪.
- الصين: 124 مليون دولار مقابل 52 مليون دولار بنمو 140٪.
وبذلك بلغ إجمالي صادرات أهم 20 دولة نحو 4 مليارات دولار تمثل 69٪ من إجمالي صادرات القطاع.
خامساً: تحليل أهم السلع الغذائية المصدّرة
جاءت الفراولة المجمدة في مقدمة السلع المصدّرة خلال 2025 بقيمة 648 مليون دولار مقابل 358 مليون دولار بنمو 81٪، تلتها:
- مركزات الكولا: 488 مليون دولار بنمو 4٪.
- زيوت الطعام: 356 مليون دولار بنمو 39٪.
- السكر: 318 مليون دولار بانخفاض 11٪.
- البسكويت ومحضرات الحبوب: 304 ملايين دولار بنمو 42٪.
- الدقيق ومنتجات المطاحن: 274 مليون دولار بتراجع 34٪.
- البطاطس المجمدة: 223 مليون دولار بنمو 18٪.
- الأغذية المحضّرة للحيوان: 204 ملايين دولار بنمو 50٪.
- الشيكولاتة: 201 مليون دولار بنمو 41٪.
- البصل المجفف: 115 مليون دولار بنمو 55٪.
- الأسماك: 72 مليون دولار بنمو 60٪.
وتعكس هذه المؤشرات تنوع السلع المصرية بين المنتجات الزراعية المصنعة والدهون والزيوت والحلويات والمشروبات ومنتجات المطاحن والألبان.
سادساً: تصريحات المجلس التصديري للصناعات الغذائية
شدد محمود بزان، رئيس المجلس التصديري للصناعات الغذائية، على أن الأداء الإيجابي لهذا العام هو نتيجة عمل منهجي وتكامل حقيقي بين الدولة والمصنعين، مؤكداً الدور الكبير للجهات المعنية في دعم ملف التصدير بمتابعة مباشرة من القيادة السياسية.
وأشار بزان إلى أن الصناعات الغذائية المصرية تمتلك اليوم مقومات تجعلها من أسرع القطاعات نمواً، بفضل جودة المنتج وتحسن سلاسل الإمداد وتنوع المصنّعين. وأكد أن المجلس يعمل على فتح أسواق جديدة ودعم الشركات لرفع تنافسيتها بما يليق بمكانة مصر المتقدمة في التجارة الدولية.
وفي سياق متصل، أوضح أن القفزات المحققة في الصادرات تعكس قوة منظومة سلامة الغذاء المصرية، التي أصبحت إحدى أهم ركائز الثقة العالمية، حيث تستقبل مصر سنوياً بعثات تفتيش دولية من جهات مثل المفوضية الأوروبية وهيئة الغذاء والدواء الأمريكية، وتؤكد تقاريرها ارتفاع مستوى الامتثال للمعايير الدولية.
كما شدد على أن القطاع يعمل بصورة تكاملية مع الجهات الرقابية لمواجهة أي تحديات في السوق المحلي، عبر خطط تطوير وتطبيق أنظمة سلامة غذاء متقدمة، بما يعزز ثقة المستهلكين ويجعل من "الغذاء المصري" علامة موثوقة في الأسواق الإقليمية والعالمية.
وتُظهر الأرقام والتطورات أن قطاع الصناعات الغذائية المصري يحقق تقدماً غير مسبوق، مستنداً إلى جودة المنتج ودعم الدولة وتطور منظومة سلامة الغذاء.
ومع استمرار فتح أسواق جديدة وتنوع السلع المصدّرة، يبدو أن القطاع مقبل على مزيد من النمو الذي يعزز مكانة مصر على خريطة التجارة الدولية، ويجعل من الصناعات الغذائية أحد أعمدة الاقتصاد الوطني في المرحلة المقبلة.