تشهد الهواتف الذكية خلال السنوات الأخيرة تصاعدًا غير مسبوق في حجم وتعقيد الهجمات السيبرانية، بعدما تحولت إلى المستودع الرئيسي لبيانات المستخدمين الشخصية والمصرفية والمهنية.
ولم تعد هذه الهجمات تعتمد على الأساليب التقليدية مثل الروابط المشبوهة أو الملفات الخبيثة، بل تطورت إلى تقنيات اختراق متقدمة قادرة على التسلل إلى الهاتف دون أي تفاعل من المستخدم، فيما يُعرف بهجمات «الزيرو كليك» أو «النقرة الصفرية».

اختراق بلا نقرة.. تهديد عالمي واسع
في هذا السياق، أعلنت شركتا جوجل وآبل رصد موجة هجمات سيبرانية متطورة استهدفت هواتف ذكية في أكثر من 150 دولة حول العالم، من بينها مصر، باستخدام ما يُعرف بـ«الثغرات الصفرية» أو Zero-Day، وهي ثغرات غير مكتشفة سابقًا تتيح للمهاجمين اختراق الأجهزة دون الضغط على أي رابط أو تثبيت أي تطبيق.
هذه الهجمات، التي تتم بصمت كامل، تُمكن القراصنة من الوصول إلى الحسابات البنكية، والمحادثات الخاصة، وملفات العمل، بل وحتى التحكم في الكاميرا والميكروفون دون علم المستخدم، ما يعكس تحوّلًا خطيرًا في طبيعة التهديدات الرقمية.
تحذيرات آبل وجوجل ومصدر التهديد
كانت جوجل وآبل قد أرسلتا تنبيهات رسمية لمستخدميهما حول العالم، بعد التأكد من وجود تهديد سيبراني واسع النطاق.
وأشارت جوجل إلى أن برمجيات طورتها شركة «إنتليكسا» الإسرائيلية تقف وراء هذه الاختراقات، موضحة أن الضحايا شملوا مستخدمين في عدد من الدول العربية والآسيوية، وفق ما نقلته وكالة رويترز.
وفي مصر أكد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أن تحديث أنظمة تشغيل الهواتف والتطبيقات بشكل مستمر يمثل خط الدفاع الأول ضد أي محاولات اختراق، مشددًا على أن كل تحديث جديد يتضمن سدًا لثغرات أمنية قد يستغلها القراصنة.
ودعا إلى تفعيل خاصية التحديث التلقائي كلما أمكن ذلك.
أساليب احتيال متطورة ورسائل خادعة
حذر جهاز تنظيم الاتصالات من الرسائل والروابط التي قد تبدو وكأنها صادرة عن جهات موثوقة، مؤكدًا أن القراصنة باتوا يستخدمون تقنيات عالية لإقناع الضحايا بسلامة هذه الرسائل، رغم احتوائها على أكواد خبيثة أو أدوات تجسس.
توصيات رسمية للحماية من هجمات الزيرو كليك
قدم الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات مجموعة من الإرشادات الوقائية لتقليل مخاطر الاختراق، أبرزها:
- تفعيل إعدادات الأمان المتقدمة مثل وضع Lockdown Mode على أجهزة iPhone، وخيارات الحماية المتقدمة على هواتف Android
- الحذر الشديد من التعامل مع أي روابط أو رسائل أو مرفقات غير متوقعة، حتى لو بدت صادرة عن جهات معروفة
- استخدام متصفحات آمنة وأدوات حظر الإعلانات لتقليل التعرض للإعلانات الخبيثة
- تفعيل التحقق بخطوتين لجميع الحسابات المهمة مثل البريد الإلكتروني ومنصات التواصل الاجتماعي والخدمات البنكية
كما شدد الجهاز على ضرورة الانتباه لأي سلوك غير طبيعي في الهاتف، مثل البطء المفاجئ أو ارتفاع استهلاك البيانات أو ظهور تطبيقات لم يقم المستخدم بتثبيتها.
متابعة مستمرة وتنسيق دولي
أكد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أنه يتابع تطورات الموقف بشكل مستمر، بالتنسيق مع الشركات العالمية والجهات المختصة داخل الدولة، لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية مستخدمي الهواتف في مصر من هذه التهديدات المتقدمة.
تحليل تقني.. اختراقات من الجيل المتقدم
من جانبها، قالت الخبيرة في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني رحاب الرحماوي إن التحذيرات الصادرة عن آبل وجوجل تعكس انتشارًا واسعًا لاستغلال ثغرات اليوم الصفري، موضحة أن هذه ليست تحذيرات روتينية بل اعتراف بتهديد سيبراني عالي الخطورة.
وأوضحت أن هجمات «الزيرو كليك» تعتمد على استغلال عيوب في سلاسل معالجة البيانات، مثل مكتبات الصور أو محركات المتصفحات، دون أي تدخل من المستخدم، مشيرة إلى أن الانتشار الجغرافي الواسع للهجمات يشير إلى جهات فاعلة متطورة، غالبًا مدعومة من دول أو تعمل ضمن صناعة أدوات المراقبة التجارية، بحسب سكاي نيوز.
الهاتف الذكي.. نقطة ضعف حرجة
وأكدت الرحماوي أن رصد هذه الهجمات في مصر يستوجب التحول من الاكتفاء بالتوعية العامة إلى تطبيق إجراءات صارمة لتقليص سطح الهجوم، معتبرة أن الهاتف الذكي أصبح «نقطة نهاية» شديدة الحساسية تتطلب نفس مستوى الحماية المطبق على الخوادم والشبكات الكبرى.
خطوات أساسية للمستخدم العادي
حددت الخبيرة عدة خطوات أساسية يجب الالتزام بها، من بينها تثبيت تحديثات أنظمة التشغيل والتطبيقات فور صدورها، وعدم التفاعل مع أي رسائل أو روابط غير متوقعة، وتفعيل التحقق بخطوتين لجميع الحسابات المهمة، واستخدام كلمات مرور قوية ومختلفة، وتجنب شبكات الـWi-Fi العامة قدر الإمكان.
لا توجد حماية كاملة
بدوره، قال استشاري تكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي إسلام غانم إن العالم يعيش حالة من عدم الأمان الرقمي، موضحًا أن الثغرات تظهر باستمرار في التطبيقات، وأن ما يُعرف بهجمات «الزيرو كود» تحدث في الفترة بين اكتشاف الثغرة ومعالجتها من الشركات المالكة.
وأكد غانم أن استخدام برامج الحماية ومضادات الفيروسات يقلل من فرص الاختراق لكنه لا يمنعها بشكل كامل، مشددًا على أن الحماية الرقمية تظل نسبية وتعتمد بالأساس على وعي المستخدم وسلوكه اليومي.



